عن أبي هريرةرضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال: «أَحَبُّ الْبِلَادِ إِلَى اللهِ مَسَاجِدُهَا،وَأَبْغَضُ الْبِلَادِ إِلَى اللهِ أَسْوَاقُهَا»

فوائد الحديث

الفوائد العلمية

1- في الحديث بيان حُرمة المساجد ومكانتها؛ لأنّها بُيوتُ الطَّاعات، وأساسُها على التَّقوى، وهي بُيوتٌ خُصَّت بالذِّكر، وبُقَع أُسِّست للتقوى والعمل الصالح.

2- كان المسجد أوَّلَ لَبِنةٍ، وأساسَ بناء الدولة الإسلامية، فكان بناءُ المسجد هو أوَّلَ عمل قام به الرسولُ ﷺ بعد هجرته إلى المدينة.

3- كان المسجدُ على عهدِ رسول الله ﷺ موطنَ الدعوة، ودارًا للفتوى، وبه يَلْقى الوفودَ والسُّفراء، ومنه كانت تنطلق الغزواتُ للجهاد في سبيل الله، وإليه تعودُ بعد أداء مَهمَّتها، وهَلُمَّ جرًّا.

4- توعَّد الله تعالى من يضيِّق على المساجد

بقوله تعالى:

(وَمَنۡ أَظۡلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَٰجِدَ ٱللَّهِ أَن يُذۡكَرَ فِيهَا ٱسۡمُهُۥ وَسَعَىٰ فِي خَرَابِهَآۚ أُوْلَـٰٓئِكَ مَا كَانَ لَهُمۡ أَن يَدۡخُلُوهَآ إِلَّا خَآئِفِينَۚ لَهُمۡ فِي ٱلدُّنۡيَا خِزۡيٞ وَلَهُمۡ فِي ٱلۡأٓخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٞ)

[البقرة: 114].

5- في الحديث تسمية المساجد والأسواق بالبلاد، ولعلَّه تلميحٌ إلى

قوله تعالى:

( وَٱلۡبَلَدُ ٱلطَّيِّبُ يَخۡرُجُ نَبَاتُهُۥ بِإِذۡنِ رَبِّهِۦۖ وَٱلَّذِي خَبُثَ لَا يَخۡرُجُ إِلَّا نَكِدٗاۚ )

[الأعراف: ٥٨]

. فالمؤمن سَمِع كتاب الله بعقلِه، فوَعَاه وانتفع به؛ كالأرض الطيِّبة أصابها الغَيث فأَنبَتت، والكافرُ بخلافه.

6- قال تعالى:

{فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ (36) رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ}

[النور: 36، ٣٧].

7- المساجد بيوت الله تعالى؛

قال تعالى:

( وَأَنَّ ٱلۡمَسَٰجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدۡعُواْ مَعَ ٱللَّهِ أَحَدٗا )

[الجن: 18]

وقال ﷺ:

«ما اجتمع قومٌ في بيت من بيوت الله»

[1]

8- المساجدُ أحبُّ البقاع إلى الله؛ لأنها مَحَلُّ ذِكره وعبادته، وقراءة شَرْعِه، وغير ذلك من مصالح الدنيا والدِّين؛ ولهذا كان بَذْلُ المال فيها من أفضل أنواع البذل، والبذلُ فيها من الصَّدقة الجارية، وهي أفضل من أن يَجعَل الإنسانُ مالَه في أُضْحِية أو عَشاء أو ما أَشبَه ذلك، فإذا جَعَل مالَه في بناء المساجد وعمارتها، كان ذلك أفضلَ؛ لأن المساجد صدقةٌ جارية باقية عامَّةٌ، كلُّ المسلمين ينتفعون بها، المصلُّون والدارسون والمتعلِّمون والمعلِّمون، والذين آواهم البَرْد أو الحَرُّ إلى المساجد، إلى غير ذلك[2]

9- حثَّ النبيُّ ﷺ على بناء المساجد، وبيَّن فضلها؛

قال ﷺ:

«من بنى مسجدًا يبتغي به وجه الله، بنى الله له مِثلَه في الجنَّة»

[3]

10- قال تعالى:

{إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ}

[التوبة: 18]

ويَدخُل في الآية عمارتها المادية، وعمارتها المعنوية بالصلاة والذكر وقراءة القرآن، ونحو ذلك من الطاعات.

11- أبغض الأماكن وأشدُّها كراهيةً عند الله تعالى هي الأسواق؛ لما فيها من اللَّغَط، واللَّغْو، والغِشِّ، والخداع، والكَذِب، والرِّبا، والأَيْمان الكاذبة، وكثرة الحَلِف، وإخلاف الوعد، والغَفْلة عن ذكر الله تعالى، وغير ذلك ممَّا في معناه.

12-الأسواق مخصوصة بطلب الدنيا، "وقُصَّاد الأسواق شياطينُ الجنِّ والإنس من الغَفَلة الذين غَلَبهم الحرِص والشِّدَّة، وهذا لا يورِث إلا دُنُوًّا من الشيطان وحزبه، اللهمَّ إلَّا مَن يَعمِد إلى طلب الحلال الذي يَصُون به دينه وعرضه؛

(فَمَنِ ٱضۡطُرَّ غَيۡرَ بَاغٖ وَلَا عَادٖ فَلَآ إِثۡمَ عَلَيۡهِۚ)

[البقرة: ١٧٣]"[4]

13- ينبغي لمن يدخل السوق التحلِّي بآداب الإسلام، وأخلاقه، ومكارمه، ويتَّقي الله، ويذكره؛

قال رَسُول اللهِ ﷺ:

«مَنْ قَالَ حِينَ يَدْخُلُ السُّوقَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، يُحْيِي وَيُمِيتُ، وَهُوَ حَيٌّ لَا يَمُوتُ، بِيَدِهِ الْخَيْرُ كُلُّهُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، كَتَبَ اللَّهُ لَهُ أَلْفَ أَلْفِ حَسَنَةٍ، وَمَحَا عَنْهُ أَلْفَ أَلْفِ سَيِّئَةٍ، وَبَنَى لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّة»

[5]

المراجع

  1.  رواه مسلم (2699).
  2. "شرح رياض الصالحين" لابن عثيمين (6/ 656، 657).
  3.  رواه البخاريُّ (439)، ومسلم (533).
  4.  "الكاشف عن حقائق السنن" للطِّيبيِّ (3/ 930، 931).
  5.  رواه أحمد (327)، وابن ماجهْ (2235)، والترمذيُّ (3428)، وحسَّنه الألبانيُّ في "صحيح الترغيب والترهيب" (1694). 

الفوائد الفقهية

14- يُستحبُّ لُبس الثياب الحسنة عند الذهاب إلى المسجد،

قال تعالى:

( يَٰبَنِيٓ ءَادَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمۡ عِندَ كُلِّ مَسۡجِدٖ وَكُلُواْ وَٱشۡرَبُواْ وَلَا تُسۡرِفُوٓاْۚ إِنَّهُۥ لَا يُحِبُّ ٱلۡمُسۡرِفِينَ)

[الأعراف: 31].

15- نهى النبيُّ ﷺ عن حضور المساجد لمن أكل الثُّوم أو البصل ونحوهما، وهي ليست محرَّمة؛ ولكن نُهي عنها لرائحتها التي تؤذي المصلِّين والملائكة؛

عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - أن النبيَّ ﷺ قال:

«مَنْ أَكَلَ الْبَصَلَ، وَالثُّومَ، وَالْكُرَّاثَ، فَلَا يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا؛ فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَتَأَذَّى مِمَّا يَتَأَذَّى مِنْهُ بَنُو آدَمَ»

[1]

16- يُستحبُّ عند دخول المسجد ذكر الأدعية الواردة في ذلك، ويدخل برجله اليُمنى؛

قال رسول الله ﷺ:

«إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمُ الْمَسْجِدَ، فَلْيُسَلِّمْ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ، ثُمَّ لِيَقُلْ: اللَّهُمَّ افْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِكَ، وَإِذَا خَرَجَ فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ»

[2]

17-إذا دخل المسجد صلَّى ركعتين؛ تحيَّةً للمسجد؛

قال رسول الله ﷺ قال:

«إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمُ الْمَسْجِدَ، فَلَا يَجْلِسْ حَتَّى يَرْكَعَ رَكْعَتَيْنِ»

[3]

المراجع

  1.  رواه البخاريُّ (855)، ومسلم (564).
  2.  رواه مسلم (713).
  3.  رواه البخاريُّ (444)، ومسلم (714). 

الفوائد العقدية

18- في هذا الحديث إثباتُ صفتَيِ الحبِّ والبُغض للهِ - عزَّ وجلَّ – على ما يليق به، ومن أصول أهل السنَّة والجماعة أننا نؤمن بذلك، ونقول: إن الله تعالى يحبُّ ويُبغض، وهو سبحانه وتعالى موصوف بصفات الكمال، وأنه لا يحبُّ إلا ما فيه الخيرُ والصلاح، ولا يُبغض إلا الشرَّ والخبائث [1]

المراجع

  1.  "شرح رياض الصالحين" لابن عثيمين (6/ 656، 657).

الفوائد اللغوية

19- يجوز أن يقدَّر مُضافٌ في قوله: «أحب البلاد... وأبغض البلاد»؛ أي: بِقاع البلاد، فيَرجِع الضمير في (مساجدها) و(أسواقها) إلى (بقاع) [1]

المراجع

  1.  "الكاشف عن حقائق السنن" للطِّيبيِّ (3/ 930، 931). 

مشاريع الأحاديث الكلية