عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «لا عَدْوَى وَلا طِيَرَةَ، وَيُعْجِبُنِي الفَأْلُ» قَالُوا: وَمَا الفَأْلُ؟ قَالَ: «كَلِمَةٌ طَيِّبَةٌ» متفق عليه

فوائد الحديث

الفوائد العلمية

1.العدوى في الحديث هي انتقال المرض من المريض إلى الصحيح بالمخالَطة.

2.ليس المقصود في الحديث نفيَ وجودِ العدوى؛ وإنما المقصودُ أنه لا عدوى مؤثِّرة بنفسها وذاتِها وطَبْعها؛ وإنما التأثير بتقدير الله عزَّ وجلَّ، إن شاء انتقل الداء من المريض إلى الصحيح بالمخالطة، وإن شاء لم يقع ذلك.

3.على المسلم أن يتوكَّل على الله، ويؤمن أن كلَّ شيء بقَدَر قدَّره الله تعالى، مع الأخذ بالأسباب النافعة، وترك ما قد يُفضي إلى الشرِّ.

4.قوله ﷺ: «لا عدوى» يَشمَل العدوى الحِسِّية والمعنوية الخُلقية، وإن كانت في الحسِّية أَظهَرَ؛ ولهذا أخبر النبيُّ ﷺ أن جليس السوء كنافخ الكير؛ إما أن يُحرِق ثيابك، وإما أن تجد منه رائحة كريهة[1]

5.قال رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «لا عَدْوَى وَلا صَفَرَ وَلا هَامَةَ»، فَقَالَ أَعْرَابِيٌّ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَمَا بَالُ إِبِلِي، تَكُونُ فِي الرَّمْلِ كَأَنَّهَا الظِّبَاءُ، فَيَأْتِي البَعِيرُ الأَجْرَبُ، فَيَدْخُلُ بَيْنَهَا، فَيُجْرِبُهَا؟ فَقَالَ: «فَمَنْ أَعْدَى الأَوَّلَ؟»[2]؛ يعني: أن الْمَرض نزل على الأوَّل بدون عدوى؛ بل نزل من عند الله تعالى؛ فكذلك إذا انتقل بالعدوى، فقد انتقل بأمر الله، لا بطبيعته.

6.في قوله ﷺ: «إِنَّمَا الشُّؤْمُ فِي ثَلاثَةٍ: فِي الفَرَسِ، وَالْمَرْأَةِ، وَالدَّارِ»[3] إثبات لنوع خَفيٍّ من الأسباب، ولا يطَّلِع عليه أكثرُ النّاس، ولا يُعلَم إلّا بعد وقوع مسبَّبه؛ فإنّ من الأسباب ما يُعلَم سببيَّته قبل وقوع مسبَّبه، وهي الأسباب الظّاهرة، ومنها ما لا يُعلَم سببيَّته إلّا بعد وقوع مسبَّبه، وهي الأسباب الخَفيَّة.

7.الهامَة فُسِّرت بتفسيرين: الأول: أنها طيرٌ معروف يُشبه البُومة، أو هي البُومة، تَزعُم العرب أنه إذا قُتِل القتيلُ، صارت عظامُه هامةً تطير وتَصرُخ حتى يؤخَذ بثأره، وربما اعتقد بعضُهم أنها رُوحه. التفسير الثاني: أن بعض العرب يقولون: الهامةُ هي الطَّير المعروف؛ لكنهم يتشاءمون بها، فإذا وقعت على بيت أحدهم ونَعَقَت، قالوا: إنها تَنعِق به ليموت، ويعتقدون أن هذا دليلُ قُرب أَجَله، وهذا كلُّه بلا شكٍّ عقيدةٌ باطلة[4]

8.قوله ﷺ: «ولا صَفَر»: الأقرب أنه شهر صَفَر، كانت العرب يتشاءمون به، ولا سيَّما في النكاح، وأن المراد بالحديث نفيُ كونِه مشؤومًا، وأنه كغيره من الأزمان يُقدَّر فيه الخير، ويقدَّر فيه الشرُّ.

9.قوله ﷺ: «لا يُورِد مُمْرِضٌ على مُصِحٍّ»[5] دليل على أن العدوى موجودةٌ؛ أي: لا يُورِدُ صاحبُ الإبِلِ المريضةِ على صاحب الإبل الصحيحة؛ لئلَّا تنتقل العدوى، وكذلك قوله ﷺ: «فِرَّ مِنَ الْمَجْذُومِ كَمَا تَفِرُّ مِنَ الأَسَدِ»[6]، وفيه إثباتٌ لتأثير العدوى؛ لكن تأثيرها ليس أمرًا حتميًّا، بحيث تكون علَّةً فاعلة، وأَمْرُ النبيِّ ﷺ بالفرار، وأن لا يُورِدَ مُمْرِضٌ على مُصِحٍّ، من باب تجنُّب الأسباب، لا من باب تأثير الأسباب نفسها؛ فالأسبابُ لا تؤثِّر بنفسها.

10.ينبغي للمؤمن أن يتجنَّب الأسباب التي تكون سببًا للبلاء؛ 

لقوله تعالى:

 وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ 

[البقرة: 195].

11.في الحديث أن الفأل هو الكلمة الطيِّبة؛ فإن الكلمة الطيِّبةَ تُدخِل السُّرور على النفس، وتَشرَح الصَّدر، وتُفرِح القلب، وتنشِّط اللسان، وتدعو إلى الخير.

12.                                                                                                                                                                                                    

عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّهَا سَأَلَتْ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ عَنِ الطَّاعُونِ، فَأَخْبَرَهَا نَبِيُّ اللَّه ﷺ:

«أَنَّهُ كَانَ عَذَابًا يَبْعَثُهُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ، فَجَعَلَهُ اللَّهُ رَحْمَةً لِلْمُؤْمِنِينَ، فَلَيْسَ مِنْ عَبْدٍ يَقَعُ الطَّاعُونُ، فَيَمْكُثُ فِي بَلَدِهِ صَابِرًا، يَعْلَمُ أَنَّهُ لَنْ يُصِيبَهُ إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ، إِلَّا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ الشَّهِيدِ»

[7]

المراجع

  1. "شرح كتاب التوحيد" لابن عثيمين (2/80).
  2. رواه البخاريُّ (5717)، ومسلم (2220).
  3. (رواه البخاريُّ (2858)، ومسلم (2225).
  4. "شرح كتاب التوحيد" لابن عثيمين (2/80).
  5. رواه مسلم (2221).
  6. رواه البخاريُّ (5707).
  7. رواه البخاريُّ (5734).

الفوائد العقدية

13. الأحاديث في هذا الباب تدلُّ على أنه لا عدوى على ما يعتقده الجاهليون من كون الأمراض تُعدي بطَبعها؛ وإنما الأمر بيد الله سبحانه، إن شاء انتقل الداء من المريض إلى الصحيح، وإن شاء سبحانه لم يقع ذلك؛ ولكن المسلمين مأمورون بأخذ الأسباب النافعة، وترك ما قد يُفضي إلى الشرِّ.

14. لقد أبطل الإسلام عقائد الجاهلية، بما فيها من شرك وكفر وباطل، ومنها ما كان يعتقده أهل الجاهلية من أمور كالعَدْوى والتشاؤم وغيرها، وصحَّح هذه العقائد الباطلة بأن الأمور من مَرَض وغيره تجري بمقادير الله وإذنه، لا بطبعها؛

قال تعالى:

قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا ۚ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ 

[التَّوْبَةِ: 51]

وَقَالَ تَعَالى:

مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ۗ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ ۚ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ

[التَّغَابُنِ: 11].

15. من العرب من كان يتشاءم بالطيور – كالغُراب والبومة - إذا زَجَر الطَّير أو أثاره حتى طار، فإن طار يَسارًا تشاءم، وإن رجع إليه ألغى ما يُريد الإقدامَ عليه، وإن طار أمامَه عَزَم على تنفيذ ما أراد، وإن طار على يمينه، قال: هذا عمل مَيْمُون مبارك [1]

16. من العرب من كان يتشاءم بالزمان، فشاع لديهم أن المرأة إذا تزوَّجت في شوَّال، لم توفَّق، ولا يحبُّها زوجُها، ومنهم من كان يتشاءم بالسفر في يوم الأربعاء؛ بأنه لابدَّ من حدوث حادث، أو خسارة، أو بلاء، ومنهم من كان يتشاءم بشهر صَفَر؛ بدعوى أنه لو عَمِل فيه الإنسان أيَّ عَمَلٍ - كزواج أو وُلِد له فيه أو سافَرَ فيه - فإنه لا يوفَّق، وكل هذا عقائدُ باطلة، فلا أثر للزمان في تفاؤل ولا في تشاؤم [2]

17. عن عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ:

قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ:

«مَنْ رَدَّتْهُ الطِّيَرَةُ مِنْ حَاجةٍ، فَقَدْ أَشْرَكَ»، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا كَفَّارَةُ ذَلِكَ؟ قَالَ: «أَنْ يَقُولَ أَحَدُهُم: اللَّهُمَّ لا خَيْرَ إِلَّا خَيْرُكَ، وَلا طَيْرَ إِلَّا طَيْرُكَ، وَلا إِلَهَ غَيْرُكَ»

[3]

المراجع

  1. "شرح رياض الصالحين" لابن عثيمين (6/ 414- 416).
  2. "شرح رياض الصالحين" لابن عثيمين (6/ 414- 416).
  3. رواه أحمد (7045)، وصحَّحه الألبانيُّ في السلسلة الصحيحة (1065).

الفوائد اللغوية

18.قوله ﷺ: «لا عدوى ولا طِيَرة»: لا نافية للجنس، ونفيُ الِجنس أعمُّ من نفيِ الواحد والاثنين والثلاثة؛ لأنه نفيٌ للجنس كلِّه، فنَفَى الرسولُ ﷺ العدوى والطيرة كلَّها.

19.الطِّيَرةُ هي التشاؤمُ بمرئيٍّ أو مسموع أو معلوم.

20.التطيُّر أن يتشاءم الإنسان في الشيء، وإنما سُمِّيَ تطيُّرًا لأن العرب في الجاهلية يتشاءمون بالطُّيور، فغَلَب الاسمُ على كلِّ التشاؤم.

مشاريع الأحاديث الكلية