عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «لا عَدْوَى وَلا طِيَرَةَ، وَيُعْجِبُنِي الفَأْلُ» قَالُوا: وَمَا الفَأْلُ؟ قَالَ: «كَلِمَةٌ طَيِّبَةٌ» متفق عليه
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «لا عَدْوَى وَلا طِيَرَةَ، وَيُعْجِبُنِي الفَأْلُ» قَالُوا: وَمَا الفَأْلُ؟ قَالَ: «كَلِمَةٌ طَيِّبَةٌ» متفق عليه
يروي أَنَسُ بنُ مالكٍ رضي الله عنه عن النبيِّ ﷺ أنه قال: «لا عَدْوَى»: والعدوى: هي انتقال المرض من المريض إلى الصحيح بالمخالطة، وليس المقصودُ نفيَ وجودِها؛ وإنما المقصودُ أنه لا عدوى تؤثِّر بنفسها وذاتها وطَبْعها؛ وإنما التأثير بتقدير الله عزَّ وجلَّ، إن شاء انتقل الداء من المريض إلى الصحيح، وإن شاء لم يقع ذلك؛ إلا أن المسلم مأمور بأخذ الأسباب النافعة، وترك ما قد يُفضي إلى الشر. «وَلا طِيَرَةَ»: والطِّيَرةُ هي التشاؤمُ بمَرْئيٍّ أو مسموع أو معلوم. «وَيُعْجِبُنِي الفَأْلُ» قَالُوا: وَمَا الفَأْلُ؟ قَالَ: «كَلِمَةٌ طَيِّبَةٌ»؛ فالكلمة الطيِّبة تُدخِل السُّرور على النفس، وتَشرَح الصَّدر؛ مثلُ: أن تقول للمَريض: يا سَليمُ، يا معافى، فيُسَرُّ ويتفاءل.
الشرح المفصَّل للحديثلقد أرسل الله تعالى رسوله محمدًا ﷺ لدعوة الناس إلى التوحيد، وإبطال عقائد الجاهلية، بما فيها من شرك وكفر وباطل، ومنها ما كان يعتقده أهل الجاهلية من أمور كالعَدْوى والتشاؤم وغيرها، فتحدَّث القرآن عن ذلك بما يصحِّح عقيدتهم من أن الأمور من مَرَض وغيره تجري بمقادير الله وإذنه؛
قال تعالى:
قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا ۚ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ
[التَّوْبَةِ: 51]
وَقَالَ تَعَالى:
مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ۗ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ ۚ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ
[التَّغَابُنِ: 11]،
فأوضح الله تعالى أن الأمور تسير بتقدير الله، لا بطَبعها.
وفي هذا الحديث يروي أَنَسُ بنُ مالكٍ عن النبيِّ ﷺ أنه قال: «لا عَدْوَى وَلا طِيَرَةَ، وَيُعْجِبُنِي الفَأْلُ» قَالُوا: وَمَا الفَأْلُ؟ قَالَ: «كَلِمَةٌ طَيِّبَةٌ».
والعدوى: هي انتقال المرض من المريض إلى الصحيح بالمخالَطة، وليس المقصودُ نفيَ وجودِها؛ وإنما المقصودُ أنه لا عدوى مؤثِّرة بنفسها وذاتِها وطَبْعها؛ وإنما التأثير بتقدير الله عزَّ وجلَّ، إن شاء انتقل الداء من المريض إلى الصحيح بالمخالطة، وإن شاء لم يقع ذلك؛ بَيْدَ أن المسلم مأمور بأخذ الأسباب النافعة، وترك ما قد يُفضي إلى الشر.
أما الطِّيَرةُ فهي التشاؤمُ بمرئيٍّ أو مسموع أو معلوم. وقال النبيُّ ﷺ: «وَيُعْجِبُنِي الفَأْلُ» قَالُوا: وَمَا الفَأْلُ؟ قَالَ: «كَلِمَةٌ طَيِّبَةٌ»؛ فالكلمة الطيِّبة تُدخِل السُّرور على النفس، وتَشرَح الصَّدر.
فالأمور تجري بتقدير الله تعالى، والعدوى موجودة؛ ولكنها تؤثِّر بأمر الله. لذا؛ عندما قال رَسُولُ اللَّهِ : «لا عَدْوَى وَلا صَفَرَ وَلا هَامَةَ»، فَقَالَ أَعْرَابِيٌّ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَمَا بَالُ إِبِلِي، تَكُونُ فِي الرَّمْلِ كَأَنَّهَا الظِّبَاءُ، فَيَأْتِي البَعِيرُ الأَجْرَبُ، فَيَدْخُلُ بَيْنَهَا، فَيُجْرِبُهَا؟ فَقَالَ: «فَمَنْ أَعْدَى الأَوَّلَ؟» [1]
فإذا كانت العدوى تؤثِّر بنفسها، فمن أعدى أوَّل بعير؟!
"ولا حُجَّةَ في هذا لمن أنكر الأسباب؛ بل فيه إثباتُ القَدَر، ورَدُّ الأسباب كلِّها إلى الفاعل الأوَّل؛ إذ لو كان كلُّ سبب مستندًا إلى سبب قبلَه لا إلى غاية، لزم التَّسلْسُل في الأسباب، وهو ممتنع؛ فقطع النّبيُّ ﷺ التّسلسل بقوله: «فمن أعدى الأوّل؟»؛ إذ لو كان الأوَّلُ قد جَرِبَ بالعدوى، والَّذي قبله كذلك لا إلى غاية، لَزِم التّسلسل الممتنِع. وهذا موافِق لقوله ﷺ: «إن كان الشُّؤم في شيء، فهو في ثلاثة: في الفرس، وفي الدّار، والمرأة» وهو إثبات لنوع خَفيٍّ من الأسباب، ولا يطَّلِع عليه أكثرُ النّاس، ولا يُعلَم إلّا بعد وقوع مسبَّبه؛ فإنّ من الأسباب ما يُعلَم سببيَّته قبل وقوع مسبَّبه، وهي الأسباب الظّاهرة، ومنها ما لا يُعلَم سببيَّته إلّا بعد وقوع مسبَّبه، وهي الأسباب الخَفيَّة، ومنه قول النّاس: "فلان مشؤوم الطَّلعة، ومدوَّر الكعب" ونحوه؛ فالنّبيُّ ﷺ أشار إلى هذا النّوع، ولم يُبطِلْه، وقوله: «إن كان الشّؤم في شيء فهو في ثلاثة» تحقيقٌ لحصول الشّؤم فيها، وليس نفيًا لحصوله من غيرها؛ كقوله: «إن كان في شيء تتداوون به شفاءً، ففي شرطه مِحجَم، أو شربة عسل، أو لذعة بنار، ولا أحبُّ الكيَّ» ذكره البخاريُّ. وقال: «من ردَّته الطّيرة من حاجته فقد أشرك»، قالوا: يا رسول اللّه، وما كفَّارة ذلك؟ قال: «أن يقول: اللّهمَّ لا طَيْرَ إلّا طيرُك، ولا خير إلّا خيرك» ذكره أحمد"[2]
والأحاديث التي توضِّح هذا الأمر كثيرة، مجموعُها يُجلِي هذه الصورة التي ذَكَرناها، من أن الأمور تجري بتقدير الله مع الأخذ بالأسباب، منها ما رواه
أَبو هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ:
«لا عَدْوَى وَلا طِيَرَةَ، وَلا هَامَةَ وَلَا صَفَرَ»
[3]
"قوله ﷺ: «لا عدوى»: لا نافية للجنس، ونفيُ الِجنس أعمُّ من نفيِ الواحد والاثنين والثلاثة؛ لأنه نفيٌ للجنس كلِّه، فنَفَى الرسولُ ﷺ العدوى كلَّها.
والعدوى: انتقال المرض من المريض إلى الصحيح، وكما يكون في الأمراض الحِسِّية يكون أيضًا في الأمراض المعنوية الخُلقية؛ ولهذا أخبر النبيُّ ﷺ أن جليس السوء كنافخ الكير؛ إما أن يُحرِق ثيابك، وإما أن تجد منه رائحة كريهة؛ فقوله: «لا عدوى» يَشمَل الحِسِّية والمعنوية، وإن كانت في الحسِّية أَظهَرَ. قوله: «ولا طِيَرة»: الطِّيَرة هي التشاؤم بمرئيٍّ أو مسموع أو معلوم. قوله: «ولا هامة»: الهامَة بتخفيف الميم فُسِّرت بتفسيرين؛ الأول: أنها طيرٌ معروف يُشبه البُومة، أو هي البُومة، تَزعُم العرب أنه إذا قُتِل القتيلُ، صارت عظامُه هامةً تطير وتَصرُخ حتى يؤخَذ بثأره، وربما اعتقد بعضُهم أنها رُوحه. التفسير الثاني: أن بعض العرب يقولون: الهامةُ هي الطَّير المعروف؛ لكنهم يتشاءمون بها، فإذا وقعت على بيت أحدهم ونَعَقَت، قالوا: إنها تَنعِق به ليموت، ويعتقدون أن هذا دليلُ قُرب أَجَله، وهذا كلُّه بلا شكٍّ عقيدةٌ باطلة.
قوله ﷺ: «ولا صَفَر»: قيل: إنه شهر صَفَر، كانت العرب يتشاءمون به، ولا سيَّما في النكاح، وقيل: إنه داء في البَطْنِ يُصيب الإبلَ ويَنتقِل من بَعِير إلى آخَرَ. وعلى هذا؛ فيكون عطفُه على العدوى من باب عطف الخاصِّ على العامِّ، والأقربُ أن (صفر) يعني الشهر، وأن المراد نفيُ كونِه مشؤومًا؛ أي: لا شؤمَ فيه، وهو كغيره من الأزمان يقدَّر فيه الخير، ويقدَّر فيه الشرُّ.
وهذا النفيُ في هذه الأمور الأربعة ليس نفيًا للوجود؛ لأنها موجودةٌ؛ ولكنه نفيٌ للتأثير؛ فالمؤثِّر هو الله، فما كان منها سببًا معلومًا، فهو سببٌ صحيح، وما كان منها سببًا موهومًا، فهو سببٌ باطل، ويكون نفيًا لتأثيره بنفسه إن كان صحيحًا، ولكونه سببًا إن كان باطلًا.
فقوله: «لا عدوى»: العدوى موجودةٌ، ويدلُّ لوجودها قوله ﷺ: «لا يُورِد مُمْرِضٌ على مُصِحٍّ»؛ أي: لا يُورِدُ صاحبُ الإبِلِ المريضةِ على صاحب الإبل الصحيحة؛ لئلَّا تنتقل العدوى، وقوله ﷺ: «فِرَّ من المجذوم فرارَك من الأسد»، والجُذَامُ مَرَضٌ خبيثٌ مُعْدٍ بسرعة ويُتلِف صاحبَه حتى قيل: إنه الطاعون؛ فالأمر بالفِرار من المجذوم لكي لا تقع العدوى منه، وفيه إثباتٌ لتأثير العدوى؛ لكن تأثيرها ليس أمرًا حتميًّا، بحيث تكون علَّةً فاعلة، وأَمْر النبيِّ ﷺ بالفرار، وأن لا يُورِدَ مُمْرِضٌ على مُصِحٍّ، من باب تجنُّب الأسباب، لا من باب تأثير الأسباب نفسها؛ فالأسبابُ لا تؤثِّر بنفسها؛ لكن ينبغي لنا أن نتجنَّب الأسباب التي تكون سببًا للبلاء؛
لقوله تعالى:
وَلَا تُلۡقُواْ بِأَيۡدِيكُمۡ إِلَى ٱلتَّهۡلُكَةِ
[البقرة: 195]
ولا يمكِن أن يُقال: إن الرسول ﷺ يُنكِر تأثير العدوى؛ لأن هذا أمرٌ يُبطِله الواقعُ، والأحاديث الأخرى.
فإن قيل: إن الرسول ﷺ لَمَّا قال: «لا عدوى»، قال رجل: يا رسول الله، الإبل تكون صحيحةً مثلَ الظِّباء، فيَدخُلها الجمل الأجرب فتَجرَب؟ فقال النبيُّ ﷺ: «فمن أعدى الأول؟»؛ يعني: أن الْمَرض نزل على الأوَّل بدون عدوى؛ بل نزل من عند الله - عزَّ وجلَّ - فكذلك إذا انتقل بالعدوى، فقد انتقل بأمر الله، والشيءُ قد يكون له سببٌ معلوم، وقد لا يكون له سبب معلوم، فَجَرَبُ الأوَّل ليس سببُه معلومًا؛ إلا أنه بتقدير الله تعالى، وجربُ الذي بعده له سببٌ معلوم؛ لكن لو شاء الله تعالى لم يَجرَب؛ ولهذا أحيانًا تُصاب الإبل بالجرب، ثم يرتفع ولا تموت، وكذلك الطاعونُ والكوليرا أمراض مُعْدِيَة، وقد تَدخُل البيت، فتُصيب البعضَ، فيموتون ويَسلَم آخرون ولا يُصابون.
فعلى الإنسان أن يعتمد على الله، ويتوكَّل عليه، وقد رُوِيَ أن النبيَّ ﷺ جاءه رجل مجذوم، فأخذ بيده وقال له: «كُلْ»؛ يعني: من الطعام الذي كان يأكل منه الرسولُ ﷺ؛ لقوَّة توكُّله ﷺ؛ فهذا التوكُّلُ مُقاوِمٌ لهذا السبب الْمُعْدِي. وهذا الجمعُ الذي أشرنا إليه هو أحسنُ ما قيل في الجمع بين الأحاديث"[4]
إذن؛ الأحاديث الصحيحة تدلُّ على وجود العدوى؛ ولكن النفي في الأحاديث هو عن أنها تؤثِّر بنفسها دون تقدير الله تعالى، ومع ذلك يجب الأخذ بالأسباب؛
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ:
«لَا يُورِدُ مُمْرِضٌ عَلَى مُصِحٍّ»
[5]
فينهى النبيُّ ﷺ أن يُورِد صاحبُ الإبِلِ الْمِرَاضِ إِبِلَه على إبِل صاحب الإبل الصِّحَاح. وفي المعنى نفسِه من الأخذ بالأسباب وعدم التعرُّض للعدوى يقول رسول الله ﷺ: «... وَفِرَّ مِنَ الْمَجْذُومِ كَمَا تَفِرُّ مِنَ الأَسَدِ» [6]
وعَنْ عَائِشَةَ، أَنَّهَا سَأَلَتْ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ عَنِ الطَّاعُونِ، فَأَخْبَرَهَا نَبِيُّ اللَّه ﷺ:
«أَنَّهُ كَانَ عَذَابًا يَبْعَثُهُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ، فَجَعَلَهُ اللَّهُ رَحْمَةً لِلْمُؤْمِنِينَ، فَلَيْسَ مِنْ عَبْدٍ يَقَعُ الطَّاعُونُ، فَيَمْكُثُ فِي بَلَدِهِ صَابِرًا، يَعْلَمُ أَنَّهُ لَنْ يُصِيبَهُ إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ، إِلَّا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ الشَّهِيدِ»
[7]
فليصبر وليمكث في بلده، وهذا أخذٌ بالأسباب حتى لا تنتقل العدوى والمرض بين الناس.
أما التطيُّر والتشاؤم، فربما وصل بالإنسان إلى الشرك، وكفَّارتُه أن يدعوَ بما ورد في حديث عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «مَنْ رَدَّتْهُ الطِّيَرَةُ مِنْ حَاجةٍ، فَقَدْ أَشْرَكَ»، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا كَفَّارَةُ ذَلِكَ؟ قَالَ: «أَنْ يَقُولَ أَحَدُهُم: اللَّهُمَّ لا خَيْرَ إِلَّا خَيْرُكَ، وَلا طَيْرَ إِلَّا طَيْرُكَ، وَلا إِلَهَ غَيْرُكَ» [8]
و"التطيُّر أن يتشاءم الإنسان في الشيء، وإنما سُمِّيَ تطيُّرًا لأن العرب في الجاهلية يتشاءمون بالطُّيور، فغَلَب الاسمُ على كلِّ التشاؤم، فمن العرب من يتشاءم بالطيور إذا زَجَر الطَّير أو أثاره حتى طار، إن طار يَسارًا تشاءم، وإن رجع إليه ألغى ما يُريد الإقدامَ عليه، وإن طار أمامَه عَزَم على تنفيذ ما أراد، وإن طار على يمينه، قال: هذا عمل مَيْمُون مبارك، فصاروا يتشاءمون بالطيور، وأيضًا الطيور في الجوِّ ربما يتشاءمون بها، الغراب يُتشاءم به، والبُومَة يَتشاءمون بها، وبعض الطيور، ومن العرب من يتشاءم بالزمان، لقد شاع عندهم أن المرأة إذا تزوَّجت في شوَّال، لم توفَّق، ولا يحبُّها زوجُها، وهذا باطل؛ فإن النبيَّ ﷺ عقد على أمِّ المؤمنين عائشةَ - رضي الله عنها - في شوَّال، ودخل بها في شوَّال، فكانت تقول: أيُّكم أحظى عنده مني؟ لأنهم يَزعُمون أن المرأة إذا تزوَّجت في هذا الشهر لم توفَّق في زواجها، وهذا أيضًا ما له تفسيرٌ، ومنهم من يتشاءم بالسفر في يوم الأربعاء، يقولون: إذا سافر الإنسان في يوم الأربعاء، لابدَّ من حدوث حادث، أو خسارة، أو بلاء، وهذا أيضًا لا صحَّة له، الأربعاء والخميس والثلاثاء وغير ذلك، كلُّها واحد، ومنهم من يتشاءم بشهر صَفَر، صَفَر الذي بعد محرَّم، ويقولون: لو عَمِل فيه الإنسان أيَّ عَمَلٍ؛ زواج أو وُلِد له فيه أو سافَرَ فيه، فإنه لا يوفَّق، وهذا أيضًا باطل، ولا أثر بالشهر في تفاؤل ولا في تشاؤم؛ ولهذا قال بعض الناس: يقابل البدعة ببدعة، يسمِّي صَفَرًا "صفر الخير"، وهذا أيضًا لا يجوز؛ فصَفَرٌ مثلُ محرَّمٍ مثل ربيع الأول، ومثل أيٍّ من الشهور، لا فيه تشاؤم ولا تفاؤل، ولا يجوز أن نداويَ البِدعة ببدعة، وهذا كما يفعل بعض الناس في يوم عاشوراءَ، يومُ عاشوراءَ تتَّخِذه الرافضة يومَ حزن، ويلطمون الخدود، ويشقُّون الجيوب، وينتفون الشعور، وربما يَجرَحون أنفسهم بالخناجر وغيرها، وعندهم أن الذي يموت في هذه الليلة يموت شهيدًا، وبعضُ الناس تقول في هذا اليوم الذي اتَّخَذه الرافضة حزنًا: نحن نتَّخِذه سرورًا نُطعم الطعام، ونكسو الأولاد، ونُدخل الفرح في الصدور، هذا أيضًا غَلَط، هذا من البِدَع، والبدعُ لا تُرَدُّ بالبِدَع، لا يقتل البدعةَ إلا السنَّةُ، استمسكْ بالسنَّة تُمِت البِدعة، ثم ذكر أحاديث في هذا أن النبيَّ ﷺ نهى عن التطيُّر، وقد ثبت عنه أنه قال: «لا عدوى ولا طِيَرة، ويعجبني الفألُ» قالوا: وما الفأل؟ قال: «الكلمة الطيبة». فإن الكلمة الطيِّبةَ تُدخِل السُّرور على النفس، وتَشرَح الصَّدر، ومن ذلك أن النبيَّ ﷺ كان في غزوة الحُدَيبية، وكانت قريشٌ تُراسِلُه، فأرسلوا إليه في النهاية سُهيلَ بنَ عمرٍو، فلمَّا أقبلَ، قال النبيُّ ﷺ: «هذا سُهَيْلُ بنُ عمرٍو، وما أراه إلا قد سَهُل أمرُكم»، أو كلمة نحوها، فتفاءل بالاسم؛ فالتفاؤلُ خيرٌ؛ لأنه يَشرَح الصدر، ويُفرِح القلب، وينشِّط اللسان، ويَعزِم على الخير، أما التشاؤمُ، فإنه بخلاف ذلك؛ ولكن إذا أصابك شيءٌ من تشاؤم، فأَعرِضْ عنه، أعرض عن هذا الحزن، وقل: اللهمَّ لا خيرَ إلا خيرُك، ولا طَيْرَ إلا طيرُك، ولا إلهَ غيرُك؛ يعني: أن الأمر كلَّه بيدِك، ولا إله غيرك، وأما قولُ الرسول ﷺ: «إن كان الشؤم في شيء، فإنه في ثلاثٍ: في الدار والمرأة والفرس»، فالمعنى أن هذه الثلاثةَ هي أكثر ما يكون مرافَقةً للإنسان: المرأة زوجه، والدار بيته، والفرس مركوبه، وهذه الأشياء الثلاثة أحيانًا يكون فيها شؤمٌ، أحيانًا تَدخُل المرأة على الإنسان يتزوَّجها ولا يَجِد إلا النَّكَد والتَّعَب منها ومشاكلها، أيضًا يَنزِل الدار فيكون فيها شؤمٌ يَضِيق صدرُه ولا يتَّسِع ويملُّ منها، أيضًا الفَرَس، والفَرَس الآن ليس مركوبَنا؛ ولكن مركوبنا السيَّارات، بعضُ السيَّارات يكون فيها شؤمٌ تَكثُر حوادثُها وخَرَابها، ويَسْأم الإنسان منها، فإذا أُصيب الإنسان بمثل هذا فليَستعِذْ بالله من الشيطان الرجيم، ويقل: اللهمَّ لا خيرَ إلا خيرُك، ولا طيرَ إلا طيرُك، ولا إلهَ غيرُك، فيُزيل الله ما في نفسه من الشؤم" [9]
وخالِصَةُ القول: أن الأحاديث في هذا الباب تدلُّ على أنه لا عدوى على ما يعتقده الجاهليون من كون الأمراض تُعدي بطَبعها؛ وإنما الأمر بيد الله سبحانه، إن شاء انتقل الداء من المريض إلى الصحيح، وإن شاء سبحانه لم يقع ذلك؛ ولكن المسلمين مأمورون بأخذ الأسباب النافعة، وترك ما قد يُفضي إلى الشرِّ. أما الفألُ، فهو أن يسمع الإنسان الكلمة الطيبة، فتَسُرُّه؛ مثلُ: أن يسمع المريض من يقول: يا سليمُ، يا معافًى، فيَسُرُّه ذلك ويتفاءل به.
النقول
قال ابن عثيمين رحمه الله: "قوله ﷺ: «لا عدوى»: لا نافية للجنس، ونفيُ الِجنس أعمُّ من نفيِ الواحد والاثنين والثلاثة؛ لأنه نفيٌ للجنس كلِّه، فنفى الرسولُ ﷺ العدوى كلَّها.
والعدوى: انتقال المرض من المريض إلى الصحيح، وكما يكون في الأمراض الحِسِّية يكون أيضًا في الأمراض المعنوية الخُلقية؛ ولهذا أخبر النبيُّ ﷺ أن جليس السوء كنافخ الكير؛ إما أن يُحرِق ثيابك، وإما أن تجد منه رائحة كريهة؛ فقوله: «لا عدوى» يَشمَل الحِسِّية والمعنوية، وإن كانت في الحسِّية أَظهَرَ. قوله: «ولا طِيَرة»: الطِّيَرة هي التشاؤم بمرئيٍّ أو مسموع أو معلوم.
قوله: «ولا هامة»: الهامَة بتخفيف الميم فُسِّرت بتفسيرين: الأول: أنها طيرٌ معروف يُشبه البُومة، أو هي البُومة، تَزعُم العرب أنه إذا قتل القتيل، صارت عظامُةُ هامةً تطير وتَصرُخ حتى يؤخذ بثأره، وربما اعتقد بعضُهم أنها رُوحه. التفسير الثاني: أن بعض العرب يقولون: الهامةُ هي الطَّير المعروف؛ لكنهم يتشاءمون بها، فإذا وقعت على بيت أحدهم ونعقت، قالوا: إنها تَنعِق به ليموت، ويعتقدون أن هذا دليل قُرب أجله، وهذا كلُّه بلا شكٍّ عقيدةٌ باطلة.
قوله: «ولا صَفَر»: قيل: إنه شهر صَفَر، كانت العرب يتشاءمون به، ولا سيَّما في النكاح، وقيل: إنه داء في البَطْنِ يُصيب الإبلَ ويَنتقِل من بَعِير إلى آخَرَ. وعلى هذا؛ فيكون عطفُه على العدوى من باب عطف الخاصِّ على العامِّ، والأقربُ أن (صفر) يعني الشهر، وأن المراد نفيُ كونِه مشؤومًا؛ أي: لا شؤمَ فيه، وهو كغيره من الأزمان يقدَّر فيه الخير، ويقدَّر فيه الشرُّ.
وهذا النفيُ في هذه الأمور الأربعة ليس نفيًا للوجود؛ لأنها موجودةٌ؛ ولكنه نفيٌ للتأثير؛ فالمؤثِّر هو الله، فما كان منها سببًا معلومًا، فهو سببٌ صحيح، وما كان منها سببًا موهومًا، فهو سببٌ باطل، ويكون نفيًا لتأثيره بنفسه إن كان صحيحًا، ولكونه سببًا إن كان باطلًا.
فقوله: «لا عدوى»: العدوى موجودةٌ، ويدلُّ لوجودها قوله ﷺ: «لا يُورِد مُمْرِضٌ على مُصِحٍّ»؛ أي: لا يُورِدُ صاحبُ الإبِلِ المريضةِ على صاحب الإبل الصحيحة؛ لئلَّا تنتقل العدوى.
وقوله ﷺ: «فِرَّ من المجذوم فرارَك من الأسد»، والجُذَامُ مَرَضٌ خبيثٌ مُعْدٍ بسرعة ويُتلِف صاحبَه حتى قيل: إنه الطاعون؛ فالأمر بالفِرار من المجذوم لكي لا تقع العدوى منه إليك، وفيه إثباتٌ لتأثير العدوى؛ لكن تأثيرها ليس أمرًا حتميًّا، بحيث تكون علَّةً فاعلة، وأَمْر النبيِّ ﷺ بالفرار، وأن لا يُورِدَ مُمْرِضٌ على مُصِحٍّ، من باب تجنُّب الأسباب، لا من باب تأثير الأسباب نفسها؛ فالأسبابُ لا تؤثِّر بنفسها؛ لكن ينبغي لنا أن نتجنَّب الأسباب التي تكون سببًا للبلاء؛
لقوله تعالى:
وَلَا تُلۡقُواْ بِأَيۡدِيكُمۡ إِلَى ٱلتَّهۡلُكَةِ
[البقرة: 195]
ولا يمكِن أن يُقال: إن الرسول ﷺ يُنكِر تأثير العدوى؛ لأن هذا أمرٌ يُبطِله الواقعُ، والأحاديث الأخرى.
فإن قيل: إن الرسول ﷺ لَمَّا قال: «لا عدوى»، قال رجل: يا رسول الله، الإبل تكون صحيحةً مثلَ الظِّباء، فيدخلها الجمل الأجرب فتجرب؟ فقال النبيُّ ﷺ: «فمن أعدى الأول؟»؛ يعني: أن الْمَرض نزل على الأوَّل بدون عدوى؛ بل نزل من عند الله - عزَّ وجلَّ - فكذلك إذا انتقل بالعدوى، فقد انتقل بأمر الله، والشيءُ قد يكون له سببٌ معلوم، وقد لا يكون له سبب معلوم، فَجَرَبُ الأوَّل ليس سببُه معلومًا؛ إلا أنه بتقدير الله تعالى، وجربُ الذي بعده له سببٌ معلوم؛ لكن لو شاء الله تعالى لم يَجرَب؛ ولهذا أحيانًا تُصاب الإبل بالجرب، ثم يرتفع ولا تموت، وكذلك الطاعونُ والكوليرا أمراض مُعْدِيَة، وقد تَدخُل البيت، فتُصيب البعضَ، فيموتون ويَسلَم آخرون ولا يُصابون.
فعلى الإنسان أن يعتمد على الله، ويتوكَّل عليه، وقد رُوِيَ أن النبيَّ ﷺ جاءه رجل مجذوم، فأخذ بيده وقال له: «كُلْ»؛ يعني: من الطعام الذي كان يأكل منه الرسولُ ﷺ؛ لقوَّة توكله ﷺ؛ فهذا التوكُّلُ مُقاوِمٌ لهذا السبب الْمُعْدِي. وهذا الجمعُ الذي أشرنا إليه هو أحسنُ ما قيل في الجمع بين الأحاديث"[1]
قال ابن القيم رحمه الله: "ولا حُجَّةَ في هذا لمن أنكر الأسباب؛ بل فيه إثباتُ القَدَر، ورَدُّ الأسباب كلِّها إلى الفاعل الأوَّل؛ إذ لو كان كلُّ سبب مستندًا إلى سبب قبله لا إلى غاية، لزم التَّسلْسُل في الأسباب، وهو ممتنع؛ فقطع النّبيُّ ﷺ التّسلسل بقوله: «فمن أعدى الأوّل؟»؛ إذ لو كان الأوَّلُ قد جَرِبَ بالعدوى، والَّذي قبله كذلك لا إلى غاية، لَزِم التّسلسل الممتنِع. وهذا موافِق لقوله ﷺ: «إن كان الشُّؤم في شيء، فهو في ثلاثة: في الفرس، وفي الدّار، والمرأة» وهو إثبات لنوع خفيٍّ من الأسباب، ولا يطَّلِع عليه أكثرُ النّاس، ولا يُعلَم إلّا بعد وقوع مسبَّبه؛ فإنّ من الأسباب ما يُعلَم سببيَّته قبل وقوع مسبَّبه، وهي الأسباب الظّاهرة، ومنها ما لا يُعلَم سببيَّته إلّا بعد وقوع مسبّبه، وهي الأسباب الخفيَّة، ومنه قول النّاس: "فلان مشؤوم الطّلعة، ومدوّر الكعب" ونحوه؛ فالنّبيُّ ﷺ أشار إلى هذا النّوع، ولم يُبطله، وقوله: «إن كان الشّؤم في شيء فهو في ثلاثة» تحقيق لحصول الشّؤم فيها، وليس نفيًا لحصوله من غيرها؛ كقوله: «إن كان في شيء تتداوون به شفاءً، ففي شرطه مِحجَم، أو شربة عسل، أو لذعة بنار، ولا أحبُّ الكيَّ» ذكره البخاريّ. وقال: «من ردّته الطّيرة من حاجته فقد أشرك قالوا: يا رسول اللّه وما كفّارة ذلك؟ قال: أن يقول: اللّهمّ لا طير إلّا طيرك، ولا خير إلّا خيرك» ذكره أحمد"[2]
قال ابن عثيمين رحمه الله: "التطيُّر أن يتشاءم الإنسان في الشيء، وإنما سُمِّيَ تطيُّرًا لأن العرب في الجاهلية يتشاءمون بالطُّيور، فغَلَب الاسمُ على كلِّ التشاؤم، فمن العرب من يتشاءم بالطيور إذا زَجَر الطَّير أو أثاره حتى طار، إن طار يَسارًا تشاءم، وإن رجع إليه ألغى ما يُريد الإقدامَ عليه، وإن طار أمامَه عَزَم على تنفيذ ما أراد، وإن طار على يمينه، قال: هذا عمل مَيْمُون مبارك، فصاروا يتشاءمون بالطيور، وأيضًا الطيور في الجوِّ ربما يتشاءمون بها، الغراب يُتشاءم به، والبُومَة يَتشاءمون بها، وبعض الطيور، ومن العرب من يتشاءم بالزمان، لقد شاع عندهم أن المرأة إذا تزوَّجت في شوَّال، لم توفَّق، ولا يحبُّها زوجُها، وهذا باطل؛ فإن النبيَّ ﷺ عقد على أمِّ المؤمنين عائشةَ - رضي الله عنها - في شوَّال، ودخل بها في شوَّال، فكانت تقول: أيُّكم أحظى عنده مني؟ لأنهم يَزعُمون أن المرأة إذا تزوَّجت في هذا الشهر لم توفَّق في زواجها، وهذا أيضًا ما له تفسيرٌ، ومنهم من يتشاءم بالسفر في يوم الأربعاء، يقولون: إذا سافر الإنسان في يوم الأربعاء، لابدَّ من حدوث حادث، أو خسارة، أو بلاء، وهذا أيضًا لا صحَّة له، الأربعاء والخميس والثلاثاء وغير ذلك، كلُّها واحد، ومنهم من يتشاءم بشهر صَفَر، صَفَر الذي بعد محرَّم، ويقولون: لو عَمِل فيه الإنسان أيَّ عَمَلٍ؛ زواج أو وُلِد له فيه أو سافَرَ فيه، فإنه لا يوفَّق، وهذا أيضًا باطل، ولا أثر بالشهر في تفاؤل ولا في تشاؤم؛ ولهذا قال بعض الناس: يقابل البدعة ببدعة، يسمِّي صَفَرًا "صفر الخير"، وهذا أيضًا لا يجوز؛ فصَفَرٌ مثلُ محرَّم مثل ربيع الأول، ومثل أيٍّ من الشهور، لا فيه تشاؤم ولا تفاؤل، ولا يجوز أن نداويَ البِدعة ببدعة، وهذا كما يفعل بعض الناس في يوم عاشوراءَ، يومُ عاشوراءَ تتَّخِذه الرافضة يومَ حزن، ويلطمون الخدود، ويشقُّون الجيوب، وينتفون الشعور، وربما يَجرَحون أنفسهم بالخناجر وغيرها، وعندهم أن الذي يموت في هذه الليلة يموت شهيدًا، والعياذ بالله، وبعضُ الناس تقول في هذا اليوم الذي اتَّخَذه الرافضة حزنًا: نحن نتَّخِذه سروًرا نُطعم الطعام، ونكسو الأولاد، ونُدخل الفرح في الصدور، هذا أيضًا غَلَط، هذا من البِدَع، والبدعُ لا تُرَدُّ بالبِدَع، لا يقتل البدعةَ إلا السنَّةُ، استمسك بالسنَّة تُمِت البِدعة، ثم ذكر أحاديث في هذا أن النبيَّ ﷺ نهى عن التطيُّر، وقد ثبت عنه أنه قال: «لا عدوى ولا طِيَرة، ويعجبني الفألُ» قالوا: وما الفأل؟ قال: «الكلمة الطيبة». فإن الكلمة الطيِّبةَ تُدخِل السُّرور على النفس، وتَشرَح الصَّدر، ومن ذلك أن النبيَّ ﷺ كان في غزوة الحُدَيبية، كانت قريشٌ تُراسِلُه، فأرسلوا إليه في النهاية سُهيلَ بنَ عمرٍو، فلمَّا أقبلَ، قال النبيُّ ﷺ: «هذا سُهَيْلُ بنُ عمرٍو، وما أراه إلا قد سَهُل أمرُكم»، أو كلمة نحوها، فتفاءل بالاسم؛ فالتفاؤلُ خيرٌ؛ لأنه يَشرَح الصدر، ويُفرِح القلب، وينشِّط اللسان، ويَعزِم على الخير، أما التشاؤمُ، فإنه بخلاف ذلك؛ ولكن إذا أصابك شيءٌ من تشاؤم، فأَعرِضْ عنه، أعرض عن هذا الحزن، وقل: اللهمَّ لا خيرَ إلا خيرُك، ولا طَيْرَ إلا طيرُك، ولا إلهَ غيرُك؛ يعني: أن الأمر كلَّه بيدِك، ولا إله غيرك، وأما قولُ الرسول ﷺ: «إن كان الشؤم في شيء، فإنه في ثلاثٍ: في الدار والمرأة والفرس»، فالمعنى أن هذه الثلاثةَ هي أكثر ما يكون مرافَقةً للإنسان: المرأة زوجه، والدار بيته، والفرس مركوبه، وهذه الأشياء الثلاثة أحيانًا يكون فيها شؤمٌ، أحيانًا تَدخُل المرأة على الإنسان يتزوَّجها ولا يَجِد إلا النَّكَد والتَّعَب منها ومشاكلها، أيضًا يَنزِل الدار فيكون فيها شؤمٌ يَضِيق صدرُه ولا يتَّسِع ويملُّ منها، أيضًا الفَرَس، والفَرَس الآن ليس مركوبَنا؛ ولكن مركوبنا السيَّارات، بعضُ السيَّارات يكون فيها شؤمٌ تَكثُر حوادثُها وخَرَابها، ويَسْأم الإنسان منها، فإذا أُصيب الإنسان بمثل هذا فليَستعِذْ بالله من الشيطان الرجيم، ويقل: اللهمَّ لا خيرَ إلا خيرُك، ولا طيرَ إلا طيرُك، ولا إلهَ غيرُك، فيُزيل الله ما في نفسه من الشؤم، والله الموفِّق" [3]