عن أبي هُريرةَ رضي الله عنه، قال: قال رسولُ الله ﷺ: «أيُّها الناسُ، إن اللهَ طيِّبٌ لا يَقبَل إلا طَيِّبًا،وإن اللهَ أمَر المؤمنين بما أمر به المرسَلين، فقال: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا} [المؤمنون: 51]، وقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} [البقرة: 172]، ثم ذكَر الرجُل يُطِيل السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ، يَمُدُّ يَدَيْهِ إلى السماء: يا ربِّ، يا ربِّ، ومطعمُه حرامٌ، ومشرَبُه حرامٌ، ومَلبسُه حرامٌ، وغُذِيَ بالحرام، فأنَّى يُستجاب لذلك؟!»

هدايات الحديث

1- اعلم – رحمك الله – أن إطابة المطعم شرطٌ لإجابة الدعاء.

2- من أسباب إجابة الدعاء الإلحاحُ على الله عزَّ وجلَّ، ورفعُ اليدين له بالخضوع والتذلُّل.

3- من أَنفَق من الحرام، فإنّ اللّه تعالى يَذمُّه، ويستحقُّ بذلك العقاب في الدّنيا والآخرة[1]

4- إن العبد إذا أنفق نفقة طيِّبة، فهي التي تزكو وتنمو، وإن الطعام اللذيذ غير المباح يكون وبالاً على آكِله، ولا يَقبَل الله عَمَل[2]

5- «ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعثَ أغبرَ...»: يطيل السفر في وجوه الطاعات لحجٍّ وجهاد، وغير ذلك من وجوه البِرِّ، ومع هذا فلا يُستجاب له؛ لكون مَطعَمِه ومَشربِه ومَلبَسِه حرامًا؛ فكيف هو بمن هو مُنهمِكٌ في الدنيا أو في مظالم العباد، أو من الغافلين عن أنواع العبادات والخير؟![3]

6- المؤمن كلُّه طيِّبٌ، قلبُه ولسانُه وجسدُه، وذلك بما سكن في قلبه من الإيمان، وظهر على لسانه من الذكر، وعلى جوارحه من الأعمال الصالحة، التي هي ثمرة الإيمان، وهي داخلة في اسمه كذلك، فهذه الطيباتُ كلُّها يقبلها الله تعالى[4]

7- من أعظم ما يَحصُل به طِيبة الأعمال للمؤمن طِيبُ مَطعَمه، وأن يكون من حلال، فبذلك يزكو عملُه[5]

8- حَذَارِ من أكل الحرام؛ فأكل الحرام من أسباب ردِّ الدعاء، حتى لو توفَّرت أسباب الإجابة؛ لقوله ﷺ: «فأنى يُسْتَجَابُ لذلك؟!».

9-  إن التوسُّع في الحرام أكلاً وشربًا ولُبْسًا وتغذيةً مما يمنع إجابة الدعاء، وإن أكل الحلال وشُربه ولُبسه والتغذِّي به، سبب موجِبٌ لإجابة الدعاء.

10- إذا أردتَ الدُّعَاءَ مؤمِّلاً من الله الإجابة، فعليك الاعتناءَ بالرزق الحلال الطيِّب، والإنفاق من الحلال قبل أن ترفع يديَكَ متضرِّعًا إلى السماء.

11- كما أن فعل المعاصي يمنع من إجابة الدعاء، ففعل الطاعات يكون موجِبًا لاستجابة الدعاء.

12- سُئل ابن عبَّاس رضي الله عنه عمَّن كان على عمل، فكان يظلم ويأخُذ الحرام، ثم تاب، فهو يحجُّ، ويُعتق، ويتصدَّق منه، فقال: إن الخبيثَ لا يُكَفِّرُ الخبيثَ. وكذا قال ابن مسعود: إن الخبيثَ لا يُكَفِّرُ الخبيثَ؛ ولكن الطيِّبَ يُكَفِّرُ الخبيثَ[6]

13- أيها المتصدِّق على المسكين يرحمه، ارحم مَن قد ظلمتَ[7]

14- مَثَلُ الذي يدعو بغير عمل كمَثَل الذي يَرْمي بغير وَتَرٍ؛ أي: قَوْس[8]

15- قال وَهْب بن مُنبِّه : "مَن سرَّه أن يَستَجيب الله دعوتَه، فلْيُطِبْ مطعمَه[9]

16- قال يوسف بن أسباط: بلغنا أن دعاءَ العبد يُحبَس عن السموات بسوء المطعَم[10]

17- قال وهبُ بنُ الورد : "لو قمتَ مَقامَ هذه السّارية، لم ينفعْكَ شيء حتّى تَنظُر ما يَدخُل بطنَك حلال أو حرام"[11]

18- قال الإمام أحمد : إذا جَمَع الطعام أربعًا فقد كَمُل: إذا ذَكَر الله في أوَّله، وحَمِده في آخره، وكثرةُ الأيدي عليه، وكان من حِلٍّ[12]

19- سُئل أحمدُ بنُ حنبلٍ : بمَ تَلين القلوب؟ ثم أطرَقَ ساعة، ثم رفع رأسه، فقال: بأكل الحلال[13]

20- وَفِي النَّاسِ مَنْ ظُلْمُ الوَرَى عَادةٌ لهُ = وَيَنْشُرُ أَعْذَارًا بها يَتَأوَّلُ

21- نحن نَدْعُو الإلهَ في كُلِّ كَربٍ = ثُمَّ نَنساهُ عِندَ كَشْفِ الكُروبِ

جَرِيءٌ على أَكْلِ الحَرَامِ وَيَدَّعِي = بأنَّ لهُ في حِلِّ ذلك مَحْمَلُ

فَيَا آكِلَ الْمَالِ الحرامِ أَبِنْ لَنَا = بِأَيِّ كتابٍ حِلُّ ما أَنتَ تَأْكُلُ

كَيْفَ نَرجُو إجابةً لدُعاءٍ = قَدْ سَدَدْنا طرِيقَها بالذُّنوب

المراجع

  1.  "مجموع الفتاوى" (8/ 542).
  2.  "شرح الأربعين النووية" لابن دقيق العيد (ص 41، 42).
  3.  "شرح الأربعين النووية" لابن دقيق العيد (ص 41، 42).
  4.  "جامع العلوم والحكم" لابن رجب (1/ 260).
  5.  "جامع العلوم والحكم" لابن رجب (1/ 260).
  6.  "جامع العلوم والحكم" لابن رجب (1/ 264).
  7.  "جامع العلوم والحكم" لابن رجب (1/ 264).
  8.  "جامع العلوم والحكم" لابن رجب (1/ 276).
  9.  "جامع العلوم والحكم" لابن رجب (1/ 275).
  10. "جامع العلوم والحكم" لابن رجب (1/ 275).
  11.  "جامع العلوم والحكم" لابن رجب (1/ 263).
  12.  "الشمائل الشريفة" للسيوطي (ص: 316).
  13. "مناقب الإمام أحمد" لابن الجوزي (ص 269).

مشاريع الأحاديث الكلية