الفوائد العلمية
1- في الحديث إشارة إلى آداب الدعاء، وإلى الأسباب التي تقتضي إجابتَه، وإلى ما يمنع من إجابته.
2- في هذا الحديث إشارةٌ إلى أنه لا يُقبل العمل، ولا يزكو إلا بأكل الحلال، وإن أكل الحرام يُفسِد العمل، ويَمنَع قَبوله، وفيه إشارة إلى مانع من موانع استجابة الدعاء، وهو أكل الحرام.
3- في هذا الحديث الحثُّ على الإنفاق من الحلال، والنّهيُ عن الإنفاق من غيره، وفيه أنّ المشروب والمأكول والملبوس ونحو ذلك، ينبغي أن يكون حلالًا خالصًا، لا شُبْهةَ فيه[1]
4- في الحديث بيان أن مَن أراد الدعاء مؤمِّلاً من الله الإجابة، فعليه الاعتناء بالرزق الحلال، والإنفاق من الحلال، قبل أن يرفع يدَيه متضرِّعًا إلى السماء.
5- في الحديث إشارة إلى الأثَر السيِّئ في تغذية الصبيِّ الصغير بالحرام، وإن لم يكُن عليه الوِزْر[2]
6- هذا الحديث اشتمل على قاعدة عظيمة، وأصلٍ من أصول الدين، وهو أن الله لا يَقبَل من الأعمال والأقوال والاعتقادات والصَّدَقات إلا ما كان حلالاً طيِّبًا طاهرًا من مُبطلات الأعمال كلِّها؛ كالرياء والعُجب وغيرهما.
﴿يأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَنفِقُواْ مِن طَيِّبَٰتِ مَا كَسَبۡتُمۡ وَمِمَّآ أَخۡرَجۡنَا لَكُم مِّنَ ٱلۡأَرۡضِۖ وَلَا تَيَمَّمُواْ ٱلۡخَبِيثَ مِنۡهُ تُنفِقُونَ وَلَسۡتُم بِـَٔاخِذِيهِ إِلَّآ أَن تُغۡمِضُواْ فِيهِۚ وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيد﴾
8- ينادي الله الرسل:
﴿يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا﴾
ليمارسوا طبيعتهم البشرية التي ينكرها عليهم الغافلون؛ فالأكل من مقتضيات البشرية عامَّةً، أما الأكلُ من الطيِّبات خاصَّةً، فهو الذي يرفع هذه البشرية ويزكِّيها ويَصِلها بالملأ الأعلى، ويأمرهم أن يُصلحوا في هذه الأرض؛ فالعمل من مقتضيات البشرية عامَّةً، أما العمل الصالح، فهو الذي يميِّز الصالحين المختارين، فيجعل لعملهم ضابطًا وهدفًا، وغايةً موصولة بالملأ الأعلى.
9- في الحديث إشارة إلى أنه ليس المطلوب من الرسول أن يتجرَّد من بَشَريَّته؛ إنما المطلوب أن يرتقيَ بهذه البشرية فيه إلى أُفقها الكريم الوضيء، الذي أراده الله لها، وجعل الأنبياء روَّادًا لهذا الأفق ومثلاً أعلى.
10-وصف الله تعالى المؤمنين بالطيبين
﴿ٱلَّذِينَ تَتَوَفَّىٰهُمُ ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ طَيِّبِينَ﴾
فالمؤمن كلُّه طيِّبٌ، قلبُه ولسانُه وجسدُه، وذلك بما سكن في قلبه من الإيمان، وظهر على لسانه من الذكر، وعلى جوارحه من الأعمال الصالحة، التي هي ثمرة الإيمان، وهي داخلة في اسمه كذلك، فهذه الطيباتُ كلُّها يقبلها الله تعالى.
11- في الحديث بيان أن الرسل وأممهم مأمورون بالأكل من الطيبات التي هي الحلالُ، وبالعمل الصالح، فما دام الأكل حلالاً، فالعملُ صالح مقبولٌ، فإذا كان الأكلُ غيرَ حلالٍ، فكيف يكون العمل مقبولاً؟!
12- من الأسباب التي تقتضي إجابة الدعاء: إطالةُ السفر، والسفر بمجرَّده يقتضي إجابةَ الدعاء؛
«ثَلاَثُ دَعَوَاتٍ مُسْتَجَابَاتٌ، لاَ شَكَّ فِيهِنَّ: دَعْوَةُ الْمَظْلُومِ، وَدَعْوَةُ الْمُسَافِرِ، وَدَعْوَةُ الْوَالِدِ عَلَى وَلَدِهِ»
فذِكْرُ الرسول ﷺ للسفر يدلُّ على أن له تأثيرًا في إجابة الدعاء، ولاسيَّما إذا طال؛ لأنَّه مَظِنَّةُ حصول انكسار النفس بطول الغُربة عن الأوطان، وتحمُّل المشاقِّ، والانكسارُ من أعظم أسباب إجابة الدعاء[4]
13- المقصود بقوله: «ثم ذكر الرجُل يُطيل السفر» هو الذي يُطيل السفر في الجهاد والحجِّ وغيرها من أسفار الطاعات؛ إذ الشَّعَثُ دليلٌ على الإحرام، فإنه لا يَجبُره شَعَثُه وغبارُه من إثم مَطعمِه ومَشرَبه. وإنما ذكَر ذلك لأن الحاجَّ قد أثَّر به السفر، وأخذ منه الجَهْدُ والبلاء، وأصابه الشَّعَثُ، وعلاه الغُبارُ، فهو يدعو حينئذٍ وهو ظانٌّ ظنَّ اليقين أنه مُستَجابٌ له؛ فكلُّ ما فيه من التَّعَب والنَّصَب إنما هو لله، وفي سبيل الله؛ لكنَّه لا يُستجاب له؛ لأنه متلبِّس بالحرام، وقوَّته التي رفَع بها يدَه إلى ربِّه نشأت من الحرام[5]
14- من الأسباب التي تقتضي إجابة الدعاء: حصولُ التبذُّل في اللِّباس والهيئة بالشَّعَث والاغبرار؛
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ:
«رُبَّ أَشْعَثَ، مَدْفُوعٍ بِالْأَبْوَابِ، لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللهِ لَأَبَرَّهُ»
لذا؛ كان النبيُّ ﷺ يَخرُج إلى الاستسقاء مُتبذِّلًا متواضعًا؛
فعن عبد الله بن زيد رضي الله عنه:
«أن النبيَّ ﷺ استسقى فقلَبَ رداءَه»
15- قيل: إن الشَّعَث والغُبْرة من أسباب إجابة الدعاء؛ لكن هذا قد يَرِد عليه أن التورُّع عن المباحات بدون سبب شرعيٍّ مذموم، فيقال: المراد بالحديث: أن هذا الرجل يهتمُّ بأمور الآخرة أكثر من اهتمامه بأمور الدنيا[8]
16- من الأسباب التي تقتضي إجابة الدعاء: مدُّ اليدين إلى السَّماء، وهو من آداب الدُّعاء التي يُرجى بسببها إجابته؛ ففي الحديث عن النَّبيِّ ﷺ قال:
«إِنَّ اللهَ حَيِيٌّ كَرِيمٌ يَسْتَحْيِي مِنْ عَبْدِهِ إِذَا رَفَعَ إِلَيْهِ يَدَيْهَ أَنْ يَرُدَّهُمَا صِفْرًا»
ورفع يديه في الاستسقاء حتى يُرى بياضُ إبطيه.
17- من الأسباب التي تقتضي إجابة الدعاء: الإلحاح على الله بتكرير ذكر ربوبيته، وهو مِنْ أعظم ما يُطلب به إجابةُ الدعاء.
18- ىفي الحديث بيان أن من يُلِحُّ في الدعاء لله رافعًا يديه مع مخالفته وعِصيانه أنه ليس أهلاً للإجابة؛ لكن يجوز أن يستجيب الله تعالى له تفضُّلاً ولُطفًا وكَرَمًا[10]
19-خمسُ خصال بها تمام العمل: الإيمانُ بمعرفة اللّه عزّ وجلّ، ومعرفةُ الحقِّ، وإخلاصُ العمل للّه، والعملُ على السّنَّة، وأكل الحلال، فإن فقدتَ واحدةً، لم يرتفع العمل؛ وذلك أنّك إذا عرفتَ اللّه عزّ وجلّ، ولم تعرف الحقَّ، لم تنتفعْ، وإذا عرفتَ الحقَّ، ولم تعرف اللّه، لم تنتفع، وإن عرفتَ اللّه، وعرفت الحقَّ، ولم تُخلِص العمل، لم تنتفع، وإن عرفتَ اللّه، وعرفت الحقَّ، وأخلصتَ العمل، ولم يكن على السّنَّة، لم تنتفع، وإن تمَّت الأربع، ولم يكن الأكل من حلال، لم تنتفع[11]
20- قال النبيُّ: «مَنْ تَصَدَّقَ بِعِدْلِ تَمْرَةٍ مِنْ طَيِّبٍ، وَلاَ يَقْبَلُ اللهَ إِلاَّ الطَّيِّبَ، فَإنَّ اللهَ تَعَالَى يَأْخُذُهَا بِيَمِينِهِ، يُرَبِّيها كما يُرَبِّي أَحَدُكُمْ فَلُوَّهُ، حَتَّى تَكُوْنَ مِثْلَ الجَبَلِ»[12]
21- الطيِّب من الأعمال: ما كان خالصًا لله، موافقًا للشريعة، والطيِّب من الأموال: ما اكتُسِب عن طريق حلال، وأما ما اكتُسب عن طريق محرَّم، فإنه خبيث[13]
22. «يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاء» ومَدُّ اليدين إلى السماء من أسباب إجابة الدعاء؛ كما جاء في الحديث: «إنَّ اللهَ حَيِيٌّ كَرِيْمٌ، يَسْتَحِيي مِنْ عَبْدِهِ إِذَا رَفعَ يَديْهِ إِلَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُمَا صِفْرًا»[14]
المراجع
- "شرح النوويِّ على مسلم" (7/ 100).
- انظر: "الفوائد المستنبطة من الأربعين النووية وتتمتها الرجبية"، عبد الرحمن بن ناصر البراق (ص: 26).
- أخرجه الإمام أحمد (7510)، والبخاريُّ في "الأدب المفرد" (32)، وحسَّنه الألبانيُّ في "صحيح الجامع" (3031).
- "شرح الأربعين النووية" للعثيمين (ص 150).
- انظر: "الإفصاح عن معاني الصحاح" لابن هبيرة (8/ 128)، "الميسر في شرح مصابيح السنة" للتوربشتيِّ (2/ 655).
- رواه مسلم (2622).
- رواه البخاريُّ (1011)، ومسلم (894).
- "شرح الأربعين النووية" للعثيمين (ص 150).
- رواه أبو داود (1488)، والترمذيُّ (3556)، وابن ماجه (3865)، وصحَّحه الألبانيُّ في "صحيح الترغيب والترهيب" (1635).
- "شرح الأربعين النووية" لابن دقيق العيد (ص 41، 42).
- "جامع العلوم والحكم" لابن رجب (1/ 262، 263).
- أخرجه البخاريُّ (1410)، ومسلم (63).
- "شرح الأربعين النووية" للعثيمين (ص 141).
- رواه أبو داود (1488)، والترمذيُّ (3556)، وابن ماجه (3865)، وصحَّحه الألبانيُّ في "صحيح الترغيب والترهيب" (1635).
الفوائد العقدية
23- من أسماء الله تعالى الطيّب؛ لقوله: «إِنَّ اللهَ طَيِّبٌ»، وهذا يشمل طِيبَ ذاته، وأسمائه، وصفاته، وأفعاله، وأحكامه؛ فأسماؤه كلُّها حسنى، ولا يوجد في أسماء الله ما يكون فيه النقص، لا حقيقةً ولا فرضًا، فكلُّ أسماء الله تعالى ليس فيها نقصٌ بوجه من الوجوه، وهو سبحانه وتعالى طيِّب في صفاته وأفعاله؛ فكلُّ صفات الله تعالى وأفعاله طيِّبة، ليس فيها نقص بوجه من الوجوه.
24- تسميةُ الله في هذا الحديث (الطيِّب) دليلٌ على أنَّ أسماء الله ليست كلُّها هي المحصورةَ في حديث الترمذيِّ: «إن لله تسعة وتسعين اسمًا، مِائةً غير واحدٍ، مَن أحصاها دخل الجنة، هو الله الذي لا إله إلا هو، الرحمن الرحيم، الملك القدُّوس، السلام المؤمن، المهيمن العزيز، الجبَّار المتكبِّر...»[1]؛ فإن "الطيِّب" ليس في تلك الأسماء[2]
25- من أسباب إجابة الدعاء التوسُّلُ إلى الله تعالى بالربوبية؛ لقوله: «يَا رَبِّ يَا رَبِّ»؛ ولهذا تجد أكثر الأدعية الموجودة في القرآن مصدَّرة بـ (يا ربِّ)، ولما سمع بعض السَّلَف داعيًا يقول: (يا سيِّدي)، فقال: لا تقل: (يا سيِّدي)، قل ما قالت الرسل: (يا ربِّ)؛ وذلك لأن العُدول عن الألفاظ الشرعية غَلَطٌ، وإن كان الإنسان يجد أن ذلك أشدُّ تعظيمًا[3]
26- «يَا رَبِّ يَا رَبِّ»: نداء بوصف الربوبية؛ لأن ذلك وسيلة لإجابة الدعاء؛ إذ إن إجابة الدعاء من مقتضيات الربوبية[4]
27- إن الله تعالى طيِّب، وأفعالُه طيبةٌ، وصفاته أطيبُ شيء، وأسماؤه أطيبُ الأسماء، واسمه الطيِّبُ، ولا يصدُر عنه إلا طيبٌ، ولا يصعَدُ إليه إلا طيبٌ، ولا يَقرُب منه إلا طيِّب، وإليه يصعَدُ الكَلِم الطيبُ، وفِعلُه طيِّب، والعمل الطيِّب يَعرُج إليه؛ فالطيِّبات كلُّها له، ومضافةٌ إليه، وصادرة عنه، ومنتهية إليه[5]
28- «إِنَّ اللهَ تَعَالَى طَيِّبٌ»: طاهر منزَّه عن النقائص، لا يعتريه الخُبث بأيِّ حال من الأحوال؛ لأن ضدَّ الطيِّب هو الخبيث؛ ك
﴿قُل لَّا يَسۡتَوِي ٱلۡخَبِيثُ وَٱلطَّيِّبُ﴾
﴿ٱلۡخَبِيثَٰتُ لِلۡخَبِيثِينَ وَٱلۡخَبِيثُونَ لِلۡخَبِيثَٰتِۖ وَٱلطَّيِّبَٰتُ لِلطَّيِّبِينَ وَٱلطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَٰتِۚ﴾
ومعنى هذا أنه لا يلحقه - جلَّ وعلا - شيءٌ من العَيب والنقص؛ فهو - عزَّ وجلَّ - طيِّب في ذاته، وفي أسمائه، وفي صفاته، وفي أحكامه، وفي أفعاله، وفي كلِّ ما يَصدُر منه، وليس فيها رديءٌ بأيِّ وجه[6]
29- إثبات علمه سبحانه وتعالى بأعمال العباد، وفي ذِكر العلم بعد الأمر وَعْد ووعيدٌ؛
﴿يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا﴾
المراجع
- رواه الترمذيُّ (3507)، وقال: حديث غريب... ولا نعلم في كبير شيء من الروايات ذكر الأسماء إلا في هذا الحديث، وضعَّفه الألبانيُّ في "ضعيف الجامع الصغير" (1945). وأصل الحديث متَّفَق عليه، رواه البخاريُّ (2736)، ومسلم (2677)، وليس فيه ذكر الأسماء.
- انظر: "الفتاوى الكبرى" لابن تيمية (2/ 382).
- "شرح الأربعين النووية" للعثيمين (ص 151).
- "شرح الأربعين النووية" للعثيمين (ص 143).
- "الصلاة وأحكام تاركها" لابن القيم (ص 151).
- "شرح الأربعين النووية" للعثيمين (ص 141).
- انظر: "الفوائد المستنبطة من الأربعين النووية وتتمتها الرجبية"، عبد الرحمن بن ناصر البراق (ص: 26).
الفوائد العلمية
30- الطيبات هي التي أحلَّها الله تعالى واكتُسِبت عن طريق شرعيٍّ، وما سوى ذلك، سواء لم يُحِلَّه الله كالخمر والْمَيتة، أو أحلَّه الله؛ ولكن اكتُسِب عن طريق محرَّم كالسرقة والغصب، فكلاهما حرام، ليس من الطيبات، الأول محرَّم لذاته، والثاني محرَّم لكسبه[1]
31- رفع اليدين في الدعاء من أسباب الإجابة، ويكون الرفع بأن ترفع يديك تَضُمُّ بعضَهما إلى بعض، بمحاذاة أعلى الصدر، ودعاء الابتهال تَرفَع أكثرَ من هذا، حتى إن النبيَّ ﷺ في دعاء الاستسقاء رفع يديه كثيرًا حتى ظنَّ الظانُّ أن ظهورهما نحو السماء من شدَّة الرفع، وكلَّما بالغتَ في الابتهال، فبالغْ في الرفع[2]
32- هل رفع اليدين مشروع في كل دعاء؟ هذا على ثلاثة أقسام؛ القسم الأول: ما ورد فيه رفع اليدين. والقسم الثاني: ما ورد فيه عدم الرفع. والقسم الثالث: ما لم يرد فيه شيء.
33- الدعاء الذي ورد فيه رفع اليدين؛ مثل: إذا دعا الخطيب باستسقاء، أو استصحاء؛ فإنه يرفع يديه، والمأمومون كذلك؛ ففي حديث أنس - رضي الله عنه - في قصّة الأعرابيِّ الذي طلب من الرسول r في خُطبة الجمعة أن يستسقيَ، فرفع النبيُّ ﷺ يدعو، ورفع الناس أيديَهم معه يَدْعون[3]، ومما جاء في السنَّة رفع اليدين في القُنوت في النَّوَازل أو في الوِتر، وكذلك رفع اليدين على الصَّفا، وعلى الْمَرْوة، وفي عَرَفةَ، وما أشبه ذلك[4]
34- الدعاء الذي ورد فيه عدم رفع اليدين؛ كالدعاء حال خطبة الجمعة في غير الاستسقاء والاستصحاء، فلو دعا الخطيب للمؤمنين والمؤمنات، أو لنصر المجاهدين، في خطبة الجمعة، فإنه لا يرفع يديَه، ولو رفعهما، لأُنْكِر عليه؛ ففي صحيح مسلم عَنْ عُمَارَةَ بْنِ رُؤَيْبَةَ أنه رَأَى بِشْرَ بْنَ مَرْوَانَ عَلَى الْمِنْبَرِ رَافِعًا يَدَيْهِ، فَقَالَ: «قَبَّحَ اللَّهُ هَاتَيْنِ الْيَدَيْنِ، لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ مَا يَزِيدُ عَلَى أَنْ يَقُولَ بِيَدِهِ هَكَذَا، وَأَشَارَ بِإِصْبَعِهِ الْمُسَبِّحَةِ»[5]، وكذلك رَفْعُ اليدين في دعاء الصلاة؛ كالدعاء بين السجدتين، والدعاء بعد التشهُّد الأخير، وما أشبه ذلك[6]
35- الدعاء الذي لم يرد فيه الرفع ولا عدمه؛ فالأصل الرّفع؛ لأنه من آداب الدعاء، ومن أسباب الإجابة؛ قال النبيُّ ﷺ: «إِنَّ اللهَ حَيِيٌّ كَرِيمٌ يَسْتَحْيِي مِنْ عَبْدِهِ إِذَا رَفَعَ إِلَيْهِ يَدَيْهَ أَنْ يَرُدَّهُمَا صِفْرًا»[7][8]
36- هناك أحوالٌ قد يُرَجَّحُ فيها عدم رفع اليدين في الدعاء وإن لم يَرِد؛ كالدعاء بين الخُطبتين مثلاً، فهنا لا نعلم أن الصحابة كانوا يَدْعون فيرفعون أيديَهم بين الخُطبتين، فرفعُ اليدين في هذه الحال محلُّ نظر، فمن رَفَع على أن الأصل في الدعاء رفع اليدين، فلا يُنْكَرُ عليه، ومن لم يرفع بناءً على أن هذا ظاهر عمل الصحابة، فلا يُنكر عليه، فالأمر في هذا إن شاء الله واسع[9]
37- الخبيث هو ما استخبثه الشرع؛ فالمرجع في كون الشيء طيِّبًا أو خبيثًا إلى الشرع، لا إلى أذواق الناس، فلا يمكِن أن يُرَدَّ هذا إلى عقول الناس؛ لأنه يفتح من الشرِّ والخلاف ما هو معلومٌ؛ فمثلاً: بعض الناس يستقذر ويستخبث أكلَ الجَراد، ومن الناس من يستخبث الضَّبَّ، وهما حلال، وعلى هذا؛ فالاستخباث ليس مرجعه للكراهة الطبيعية؛ لأن كل إنسان يكره ما لا يعتاد أكله[10]
المراجع
- "شرح الأربعين النووية" للعثيمين (ص 142).
- "شرح الأربعين النووية" للعثيمين (ص 150).
- أخرجه البخاريُّ (1014)، ومسلم (897).
- "شرح الأربعين النووية" للعثيمين (ص 150، 151).
- رواه مسلم (874).
- "شرح الأربعين النووية" للعثيمين (ص 151).
- رواه أبو داود (1488)، والترمذيُّ (3556)، وابن ماجه (3865)، وصحَّحه الألبانيُّ في "صحيح الترغيب والترهيب" (1635).
- "شرح الأربعين النووية" للعثيمين (ص 151).
- "شرح الأربعين النووية" للعثيمين (ص 151).
- "شرح الأربعين النووية" للعثيمين (ص 149).
الفوائد اللغوية
38- «أَشْعَث أَغْبَرَ»؛ يعني: أشعث في شعره، أغبر من التراب؛ أي: أنه لا يهتمُّ بنفسه؛ بل أهمُّ شيء عنده الدعاء[1]
39- معنى تَسْمِيَة الله بالطيِّب هنا؛ أي: الْمُنزَّه عن النقائص؛ بمعنى القدُّوس، وأصل الطِّيب: الزَّكَاء والطهارة والسلامة من الخُبْث، والاستطابة: التنظيف من القَذَر، والطهارة منه، وقيل: سُمِّيت المدينة (طابة وطَيْبة)، من الطِّيب، وهو تطهيرها من الشرك، وظهور الإسلام بها([2]
40- «فَأَنَّى» اسم استفهام، والمراد به الاستبعاد، يعني: يبعد أن يُستجاب لهذا، مع أن أسباب الإجابة موجودة. وهذا للتحذير من أكل الحرام، وشربه، ولُبسه، والتغذّي به[3]؛ فهو استفهامٌ وقَع على وجه التعجُّب والاستبعاد، وليس صريحًا في استحالة الاستجابة ومَنْعها بالكلية؛ إذ يجوز أن يَستَجيب اللهُ تَفضُّلًا وكَرَمًا منه سبحانه، ويجوز أن يَستَجيب ليكون ذلك إمْهالًا له، وقَطعًا لحُجَّته أمام الله. فيؤخَذ من هذا أن التوسُّعَ في الحرام، والتغذِّيَ به من جملة موانع الإجابة [4]
المراجع
- "شرح الأربعين النووية" للعثيمين (ص 143).
- "إكمال المعلم بفوائد مسلم" للقاضي عياض (3/ 535).
- "شرح الأربعين النووية" للعثيمين (ص 144).
- انظر: "المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم" للقرطبي (3/ 60)، "جامع العلوم والحكم" لابن رجب (1/ 275).