عَنْ أبِي هُريرةَ رضي الله عنه ، أنَّ رسولَ اللهِ ﷺ قَالَ: «مَنْ دَعَا إلى هُدًى، كان لهُ مِنَ الأَجْرِ مِثْلُ أجورِ مَنْ تَبِعهُ، لا يَنقُصُ ذلك مِنْ أجُورِهم شيئًا، ومَنْ دَعَا إِلَى ضَلالَةٍ، كان عليه مِنَ الإثمِ مثلُ آثامِ مَنْ تَبِعهُ، لا يَنْقُصُ ذلك مِنْ آثامِهم شَيئًا»

فوائد الحديث

الفوائد العلمية


  1. في هذا الحديث حثٌّ للمسلم على بذل ما استطاع من جُهْد في الأخذ بيَدِ الناس إلى الحقِّ والخير، وأن يكون مفتاحًا لذلك، وقدوةً يَقتدي الناسُ به، ووُعِد على ذلك بأعظم الجزاء، وهو أن لهذا الداعي من الأجر مثلَ أجور مَن تبِعه على دعوته، دون أن يَنقُص هذا الأجرُ الذي حصل عليه الداعي من أجر العامل شيئًا.

  2. في الحديث تحذير المسلم من أن يكون مِفتاحًا للباطل والشرِّ في المجتمع، وبيان سوء عاقبة مَن فعل هذا؛ فكما أن الداعيَ إلى الصالحات يأخُذ مثلَ أجر مَن استجاب لدعوته، فكذلك الدعوةُ إلى السيِّئات والمنكَرات؛ فإن الداعيَ إلى مُنكَر عليه وِزرُه ووِزرُ مَن عمِل بدعوته.

  3. في الحديث بيان أن الأفعال التي يتعدَّى نفعُها على الإنسان وغيره، ويَطُول أَمَدُها، فإن الإنسان يؤجَرُ بها ما بَقِيَتْ.

  4. في الحديث بيان أنه كما يترتَّب الثواب والعقاب على ما يباشره ويُزاوِله الإنسان، يترتَّب كلٌّ منهما على ما هو سببُ فعله؛ كالإرشاد إليه، والحثِّ عليه[1].

  5. إن الدعوة إلى الله تعالى فاتحةٌ لكلِّ خير، ومُغْلِقةٌ لكلِّ شرٍّ، والتواصي بالحقِّ والتواصي بالصبر من أخصِّ سمات المسلم، وطريقٌ لفلاحه ونجاحه في الدنيا والآخرة.

  6. قوله ﷺ: «فَعَمِلَ بِهَا بَعْدَه» معناه: إن سَنَّها، سواءٌ كان العمل في حياته، أو بعدَ موته[2].

  7. «هدى»، وهو إما الدلالة الموصِّلة إلى البُغْيَة، أو مطلَق الإرشاد، وهو في الحديث ما يُهتدى به من الأعمال الصالحة [3].

8. وجه التّحذير أنّ الّذي يُحدِث البِدعة قد يتهاوَن بها؛ لخفَّة أمرها في أوَّل الأمر، ولا يَشعُر بما يترتَّب عليها من المفسدة، وهو أن يَلحَقه إثم مَن عَمِل بها من بعده، ولو لم يكن هو عَمِل بها؛ بل لكونه كان الأصلَ في إحداثها[4].

المراجع

  1. فيض القدير" للمناويِّ (6/ 125).
  2. "شرح النوويِّ على مسلم" (16/ 226، 227).
  3. "الكاشف عن حقائق السنن" للطِّيبيِّ (2/ 625).
  4. "فتح الباري" لابن حجر (13/ 302).


الفوائد الفقهية

9. في الحديث دليلٌ على أن المتسبِّب كالمباشِر، فهذا الذي دعا إلى الهدى تسبَّب، فكان له مثل أجر مَن فعله، والذي دعا إلى السوء أو إلى الوزر تسبَّب، فكان عليه مثل وزر من اتَّبَعه[1]. وقد أخذ العلماء من الحديث قاعدة: أن السبب كالمباشَرة؛ لكن إذا اجتمع سببٌ ومباشَرة، أحالوا الضمان على المباشَرة؛ لأنه أمسُّ بالإتلاف[2].

10. في الحديث بيان أن مَن أرشدَ غيرَه إلى فِعل إثمٍ؛ بأن ابتدعه، أو سُبق إليه، أو أحْياه بعد اندثار، أو أمَر به، أو أعان عليه، ومَن يدعو إلى الضلالة، بكلمة خبيثة، أو عَقْد إشكال، أو نابِضة شكٍّ، أو طليعة حَيرة، فإن عليه إثمَها، وإثمَ كلِّ مَن يضِلُّ بها إلى يوم القيامة مثل ما وقَع على مَن اتَّبَعه وقلَّده في ضلاله، ولا يَنقُص هذا الإثمُ الواقعُ عليه من إثم المتَّبِع شيئًا، فلكلٍّ منهما وِزرٌ كاملٌ.

11. «ومن دعا إلى ضلالة» ابتدعها أو سُبق بها، «فإن عليه من الإثم مثلَ آثام من تَبِعه» لتولُّده عن فعله الذي هو من خصال الشيطان، والعبد يستحقُّ العقوبة على السبب، وما تولَّد منه؛ كما يُعاقب السكران على جنايته حالَ سُكره، وإذا كان السبب محظورًا، لم يكن السكرانُ معذورًا؛ فالله يعاقب على الأسباب المحرَّمة وما تولَّد منها كما يُثيب على الأسباب المأمور بها وما تولَّد منها؛ ولهذا كان على قابيل القاتل لأخيه كِفْلٌ من ذنب كلِّ قاتل[3].

12. إن الدعوة إلى الهُدى أو إلى الوِزر والإثم تكون بالأقوال أو الأفعال، فتكون بالقول؛ كما لو قال: افعَلْ كذا، افعَلْ كذا، وتكون بالفعل، خصوصًا مِن الذي يقتدي به الناسُ، فإنه إذا كان يُقتدى به ثم فعَل شيئًا، فكأنه دعا الناس إلى فِعله؛ ولهذا يحتجُّون بفِعله ويقولون: فعَل فلانٌ كذا، وهو جائزٌ، أو ترَك كذا، وهو جائزٌ[4].

13. قوله: «من دعا إلى هدى»: أفعال العباد وإن كانت غيرَ موجِبةٍ، ولا مقتضية للثواب والعقاب بذواتها، إلا أنه تعالى أجرى عادته بربط الثواب والعقاب بها ارتباط المسبِّبات بالأسباب، وفعل العبد ما له تأثيرٌ في صدوره بوجه، فكما يترتَّب الثواب والعقاب على ما يباشره ويُزاوِله، يترتَّب كلٌّ منهما على ما هو سببٌ عن فعله؛ كالإرشاد إليه، والحثِّ عليه، ولَمَّا كانت الجهة التي بها استوجب المسبِّب للأجر والجزاء، غيرَ الجهة التي استوجب بها المباشِر، لم يَنقُص أجرُه من أجره شيئًا[5].

14. إن قيل: إذا دعا واحدٌ جَمْعًا إلى ضلالة فاتَّبَعوه، لَزِم كَوْنُ السيِّئة واحدةً، وهي الدعوة، مع أن هنا آثامًا كثيرة. قلنا: تلك الدعوة في المعنى متعدِّدة؛ لأن دعوى الجمع دَفْعةً دعوةٌ لكلِّ مَن أجابها، فإن قيل: كيف التوبة مما تولَّد وليس من فعله، والمرءُ إنما يتوب ممَّا فَعَله اختيارًا؟ قلنا: يَحصُل بالنَّدَم، ودَفْعِه عن الغير ما أَمكَن[6].

المراجع

  1. "شرح رياض الصالحين" للعثيمين (2/ 361).
  2. "شرح رياض الصالحين" للعثيمين (2/ 361).
  3. "فيض القدير" للمناويِّ (6/ 125).
  4. "شرح رياض الصالحين" لابن عثيمين (2/ 361).
  5. "الكاشف عن حقائق السنن" للطِّيبيِّ (2/ 625).
  6. "فيض القدير" للمناويِّ (6/ 125).
الفوائد التربوية

15. التوازنُ بين الترغيب والترهيب في الدعوة والتربية منهجٌ إسلاميٌّ أصيلٌ الْتَزَمه رسولُ الله ﷺ وسار عليه أصحابه والتابعون من بعده.

الفوائد اللغوية

16. الدعوة: هي الحثُّ على الشيء[1].

17. «ولا يَنقُص ذلك من آثامهم شيئًا» ضمير الجمع في أجورهم وآثامهم يعود لـ(مَن) باعتبار المعنى.

18. ذكَر ﷺ كلمة «هُدًى» نكرةً لتَشمل جميع ما يُهتدى به من الأعمال الصالحة، وهو بحسَب التنكير مطلَقٌ شائعٌ في جنسِ ما يقال له: هُدًى، يُطلَق على القليل والكثير، والعظيم والحقير، فأعظمُه هدًى مَن دعا إلى الله وعمِل صالحًا، وقال: إنني من المسلمين، وأدناه هُدًى: مَن دعا إلى إماطة الأذى عن طريق المؤمنين، ومِن ثَمَّ عظُم شأن الفقيه الداعي المنذِر؛ لأن نفْعَه يعُمُّ الأشخاص والأعصار إلى يوم الدِّين [2].

المراجع

  1. انظر: "المعجم الوسيط" (1/ 286).
  2. "الكاشف عن حقائق السنن" للطِّيبيِّ (2/ 625- 626).

مشاريع الأحاديث الكلية