1. إذا أُشرب القلبُ العبوديةَ والإخلاص صار عند الله من المقرَّبين، وشَمِله استثناء:
{ إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ }
2. قال عبدالله بن عباسٍ – رضي الله عنهما -: "يا صاحبَ الذَّنْب، لا تأمنَنَّ مِن سوء عاقبته، ولَمَا يَتبَع الذنبَ أعظمُ من الذنب إذا علمتَه؛ فإن قلَّة حيائك ممن على اليمين وعلى الشمال، وأنت على الذنب، أعظمُ مِن الذنب الذي عملتَه، وضَحِكُكَ وأنت لا تدري ما اللهُ صانع بك أعظمُ من الذنب، وفرحُكَ بالذنب إذا ظفِرْتَ به أعظمُ من الذنب، وحُزْنُكَ على الذنب إذا فاتك أعظمُ من الذنب إذا ظفِرْتَ به، وخوفُك من الريح إذا حرَّكَتْ سِتْرَ بابك وأنت على الذنب ولا يضطرب فؤادك مِن نظر الله إليك أعظمُ مِن الذنب إذا عملتَه"[2].
3. قال أبان بن تغلب: "سمعتُ امرأة توصي ابنًا لها وأراد سفرًا، فقالت: أي بُنيَّ، أوصيك بتقوى الله؛ فإنَّ قليله أجدى عليك مِن كثير عقلك، وإيَّاك والنَّمائمَ؛ فإنَّها تورث الضَّغائن، وتفرِّق بين المحبِّين؛ ومثِّلْ لنفسك مثالَ ما تستحسن لغيرك ثمَّ اتَّخذْه إمامًا، وما تستقبح مِن غيرك فاجتنبه، وإيَّاك والتَّعرُّضَ للعيوب فتصير نفسك غرضًا، وخليق ألَّا يلبثَ الغرض على كثرة السِّهام، وإيَّاك والبُخلَ بمالك، والجودَ بدينك. فقالت أعرابيَّة معها: أسألك إلَّا زدتِه يا فلانة في وَصيتَّك. قالت: إي والله، والغدر أقبح ما يُعامَل به الإخوان، وكفى بالوفاء جامعًا لما تشتَّت مِن الإخاء، ومَن جمع العلم والسَّخاء فقد استجاد الحُلَّة، والفُجُور أقبح خُلَّة وأبقى عارًا"[3].
4. فيا مِحْنَةَ الإسلامِ مِن كلِّ فاجرٍ = وكلُّ جَهُولٍ بالحُدُودِ وغاشِمِ
ومِن مُدَّعٍ للدِّينِ والحقِّ ثمَّ لا = يُحَامي عنِ الإسلامِ عندَ التَّزاحُمِ
ومُنْتَسِبٍ للعلمِ أَضْحَى بعِلْمِه = يَسُوسُ به الدُّنيا وجَمْعِ الدَّراهِمِ
ولكنَّه أضحَى عن الحقِّ ناكبًا = بتركِ الهدى ميلًا إلى كلِّ ظالمِ
5. عِفُّوا تعِفَّ نساؤكم في الْمَحْرَمِ = وتجنَّبُوا ما لا يَلِيقُ بمُسْلِمِ
إنَّ الزِّنا دَيْنٌ إذا أقْرَضْتَهُ = كان الوفا مِن أهلِ بيتِكَ فاعْلَمِ
يا هاتكًا حُرَمَ الرجالِ وقاطعًا = سُبُلَ الْمَوَدَّةِ عِشْتَ غَيْرَ مُكَرَّمِ
لَوْ كنتَ حُرًّا مِن سُلالةِ ماجدٍ = ما كُنْتَ هتَّاكًا لحُرْمةِ مُسْلِمِ
مَنْ يَزْنِ يُزْنَ بِهِ وَلَوْ بجِدَارِهِ = إنْ كنتَ يا هذا لَبِيبًا فافْهَمِ
6. لَعَمْرُكَ مَا أَهْوَيْتُ كَفِّي لِرِيبَةٍ = وَلا حَمَلَتْنِي نَحْوَ فاحِشَةٍ رِجْلِي
ولا قادَنِي سَمْعِي ولا بَصَري لها = ولا دَلَّني رَأْيِي عليها ولا عَقْلِي
وَأَعْلَمُ أني لم تُصِبْني مُصِيبةٌ = مِنَ الدَّهْرِ إلَّا قد أصابتْ فتًى قَبْلِي
وَلَسْتُ بماشٍ مَا حَيِيتُ بمُنْكَرٍ = مِنَ الأمرِ لا يَسْعَى إلى مِثْلِه مِثْلي
7. لا تلتمسْ مِن مَسَاوي النَّاسِ ما سَتَروا = فيَهْتِكَ اللهُ سِتْرًا مِنْ مَسَاويكا
واذكرْ محاسِنَ ما فيهم إذا ذُكِروا = ولا تَعِبْ أَحَدًا منهم بما فِيكَا
8. هُوَ اللهُ رَبُّ الكونِ والكونُ عَبْدُهُ = فلا تَسْألَنَّ العبدَ واللهَ فَاسْألِ
هُوَ اللهُ مولانا لهُ الْمُلكُ وَحْدَهُ = وليسَ لِغَيْرِ اللهِ حَبَّةُ خَرْدل
9. ضَلَّ الأُلى جَحَدوه واتَّخُذوا له = شركاءَ من أربابهم وخصومَا
ما هذه الأربابُ ما لِعبادها = جَهِلوه ربًّا واحدًا قيُّومَا
10. رَأَيْتُ حَلالَ الْمَالِ خَيْرَ مَغَبَّةٍ = وَأجْدَرَ أَنْ يَبْقَى عَلَى الْحَدَثَانِ
وَإِيَّاكَ وَالْمَالَ الْحَرَامَ فَإِنَّهُ = وَبَالٌ إِذَا مَا قُدِّمَ الْكَفَنَانِ
11. يا نفسُ، كُفِّي عن العصيانِ واكتَسِبي = فِعلًا جميلًا لعلَّ اللهَ يرحَمُني
يا نفسُ، ويحكِ توبي واعمَلي حسنًا = عسى تُجازَيْنَ بعدَ الموتِ بالحسَنِ
12. وَفِي النَّاسِ مَن ظُلمُ الوَرَى عَادةٌ لهُ = وَيَنْشُرُ أَعْذارًا بها يَتَأوَّلُ
جَرِيءٌ على أَكْلِ الحرامِ ويدَّعِي = بأنَّ له في حِلِّ ذلك مَحْمَلُ
فَيَا آكِلَ الْمَالِ الحرامِ أَبِنْ لَنَا = بأيِّ كتابٍ حِلُّ مَا أَنْتَ تَأكُلُ؟
ألمْ تَدْرِ أَنَّ اللهَ يَدْرِي بما جَرَى = وبينَ البَرايَا في القِيامةِ يَفْصِلُ
13. لا ترغبنْ في كثير المال تَكنِزُه = من الحرام فلا يُنْمَى وإن كثُرا
واطلبْ حلالاً وإن قلَّت فواضلُه = إن الحلال زكيٌّ حيثما ذُكِرا
14. رَأَيْتُ الذُّنوبَ تُمِيتُ القلوبَ = وقد يُورِثُ الذُّلَّ إِدْمَانُها
وَتَرْكُ الذُّنوبِ حَيَاةُ القلوبِ = وخيرٌ لنفسِكَ عِصْيَانُها
15. سُبْحَانَ مَن ملأَ الوجودَ أدلَّةً = ليلُوحَ ما أخفَى بما أَبْدَاهُ
سُبحانَ مَنْ أحْيَا قلوبَ عبادِهِ = بلوائحٍ من فَيْضِ نورِ هُداهُ
هَلْ بعدَ معرفةِ الإِلَهِ زيادةٌ = إلَّا استدامةُ ما يُديمُ رِضَاهُ
واللهِ لا آوي لغَيْرِك إنَّه = حُرِمَ الُهدَى مَنْ لم تكنْ مأْوَاه
16. للهِ فـي الآفَـاِق آيَـاتٌ لَعَلْ = لَ أَقَلَّهَـا هُـَو مَـا إِلَيْهِ هَدَاكَ
وَلَعَلَّ مَا في النَّفْسِ مِـْن آيَاتِهِ = عَجَبٌ عُجَابٌ لَـْو تَـَرى عَيْنَـاكَ
وَالْكَـوْنُ مَشْحُـونٌ بِأَسْرَارٍ إِذَا = حَاوَلْـتَ تَفْسِيـرًا لَهَـا أَعْيَـاكَ
قُلْ لِلْجَنِينِ يَعِيشُ مَعْـُزولاً بِلا = رَاعٍ وَمَرْعَى مَا الَّـذِي يَرْعَـاكَ؟
17. فَيا عَجَبًا كَيفَ يُعصى الإِلَـ = ـهُ أَم كَيفَ يَجحَدُهُ الجاحِدُ
وَفي كُلِّ شَيءٍ لَهُ آيَةٌ = تَدُلُّ عَلى أَنَّهُ واحِدُ
وَلِلَّهِ في كُلِّ تَحريكَةٍ = وَتَسكينَةٍ أَبَداً شاهِدُ
المراجع
- "إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان" لابن القيم (1/ 6).
- "حلية الأولياء" لأبي نُعيم الأصبهانيِّ (1/ 324).
- "نثر الدر في المحاضرات" للآبي (4/61).