69 - الجمعُ بين الإيمانِ وطلبِ الرِّزق

عنْ عمرَ رضي الله عنه، عنْ النّبيِّ ﷺ قال: «لو أنَّكُمْ تَوَكَّلُونَ على اللهِ حقَّ توكُّلِه، لرُزِقْتُمْ كما تُرْزَقُ الطَّيْرُ، تَغْدو خِماصًا، وتَرُوحُ بِطانًا»

هدايات الحديث

إن الإنسان مهما بلغ من القوَّة والغنى والعلم والمعرفة والكمال، فهو مفتقِر إلى الله، مفتقِر إلى رزقه وتوفيقه وتدبير أمره؛ 

  1. قال تعالى

    ﴿۞ يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ أَنتُمُ ٱلْفُقَرَآءُ إِلَى ٱللَّهِ ۖ وَٱللَّهُ هُوَ ٱلْغَنِىُّ ٱلْحَمِيدُ﴾

    [فاطر:15]

  2. قال بعض السّلف: بحَسْبِك من التّوسُّل إليه أن يَعلَم من قلبك حُسْنَ توكُّلك عليه؛ فكم من عبد من عباده قد فوَّض إليه أمره، فكفاه منه ما أَهمَّه [1].

  3. حقيقةُ التّوكُّل: هو صِدق اعتماد القلب على اللّه عزّ وجلّ في استجلاب المصالح، ودفع المضارِّ من أمور الدّنيا والآخرة كلِّها، وكِلَةُ الأمور كلِّها إليه، وتحقيق الإيمان بأنّه لا يُعطي ولا يمنع ولا يَضُرُّ ولا ينفع سواه [2].

  4. التَّوَكُّلُ جِمَاعُ الإيمان، وهو الغاية القُصوى، وإنَّ تَوَكُّل العبد على رَبِّه أن يَعْلَمَ أن اللَّهَ هو ثِقَتُه [3].

  5. تحقيق التّوكُّل لا ينافي السّعيَ في الأسباب الّتي قدَّر اللّه سبحانه المقدوراتِ بها، وجرت سُنَّته في خلقه بذلك؛ فإنّ اللّه تعالى أمر بتعاطي الأسباب مع أمره بالتّوكُّل، فالسَّعْيُ في الأسباب بالجوارح طاعة له، والتّوكُّل بالقلب عليه إيمان به؛ كما قال اللّه تعالى:

    ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ﴾

    [النساء: 71] [4].

  6. من لطائف أسرار اقتران الفَرَج بالكَرْبِ واليُسر بالعُسر: أنّ الكرب إذا اشتدَّ وعَظُم وتناهى، وحصل للعبد الإياسُ من كَشْفه من جهة المخلوقين، وتَعلَّق قلبه باللّه وحده - وهذا هو حقيقة التّوكّل على اللّه، وهو من أعظم الأسباب الّتي تُطلَب بها الحوائج - فإنّ اللّه يكفي من توكَّل عليه؛

    كما قال تعالى:

    ﴿وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ۚ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُۥٓ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ بَٰلِغُ أَمْرِهِۦ ۚ قَدْ جَعَلَ ٱللَّهُ لِكُلِّ شَىْءٍۢ قَدْرًا﴾

    [الطلاق: 3] [5].

  7. التّوكُّل مَحَلُّه القلب، وأمّا الحركة بالظّاهر، فلا تُنافي التّوكُّل بالقلب بعد ما تحقَّق العبد أنّ الثّقة من قِبَل اللّه تعالى، فإن تعسَّر شيء فبتقديره، وإن تيسَّر فبتيسيره [6].

  8. ﭐجعل الله تعالى الدنيا دار بلاء للإنسان وكَبَدٍ، والجنةَ دارَ نعيم وجزاء؛ فلم يشأ أن يجعل الله تعالى ما سخَّره للإنسان أن يكون له ذلك هنيئًا مريئًا؛ بل ذلَّل له ذلك ويسَّره، وجعله بعيدًا منه بحيث يراه، ثم أمره بالسعي إليه، والمشي والإقبال عليه؛

    قال تعالى:

    ﴿هُوَ ٱلَّذِى جَعَلَ لَكُمُ ٱلْأَرْضَ ذَلُولًا فَٱمْشُوا فِى مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِۦ ۖ وَإِلَيْهِ ٱلنُّشُورُ﴾

    [الملك: 15].

  9. سُئل الحسنُ عن التّوكُّل، فقال: "الرّضا عن اللّهِ".

  10. قال سعيدُ بنُ جُبيرٍ: "التَّوكُّل على اللَّه جِمَاع الإيمان".

  11. ليس للشيطان سبيلٌ على المتوكِّلين على الله تعالى؛

    قال تعالى:

    ﴿إِنَّهُۥ لَيْسَ لَهُۥ سُلْطَٰنٌ عَلَى ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾

    [النحل: 99].

  12. اعلم أنه مع التوكُّل على الله تعالى، لابدَّ من العمل والجِدِّ والاجتهاد، والسعي والكَدِّ، وإلَّا لفسدت حياة الناس وهلكوا.

  13. من العقيدة أن تؤمن بأن الله هو الرزَّاق ذو القوَّة الْمَتين، وأن تؤمن بأن رزقك حقٌّ كما أنك تنطق؛ لأن هذا من شأنه أن تكون حرًّا من عبودية البشر وعبودية المادَّة، وتكون خالصًا لعبودية الله وحده.

  14. على المؤمن أن يتفكَّر في عظمة الكَون، ويتدبَّر في مخلوقات الله تعالى، وحكمته في هدايتها وحفظها ورزقها.

  15. اعلم أن صدق التوكُّل على الله سبب لتيسير الرزق.

  16. التوكُّل هو قطع علائق القلب بغير الله.

  17. عندما أراد الله سبحانه أن يُطعم السيدة مريم، أمرها سبحانه بهزِّ جذع النخلة، فأخذت بالأسباب رغم ضعفها، مع التوكُّل على الله تعالى؛

    قال تعالى:

    ﴿وَهُزِّىٓ إِلَيْكِ بِجِذْعِ ٱلنَّخْلَةِ تُسَٰقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا﴾

    [مريم: ٢٥].

  18. إن الاعتماد بشكل أساسيٍّ وقاطع على الأسباب فقط، ينافي التوكُّل على الله تعالى.

  19. إن التوكُّل على الله تعالى يُشعر العبد بضعفهِ، وفقرهِ، وحاجته لله - سبحانه وتعالى - فمهما بلغ من أسباب القوَّة يبقى ضعيفًا، لا يقوى إلا بالتوكُّل على الله تعالى؛

    قال تعالى:

    ﴿۞ يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ أَنتُمُ ٱلْفُقَرَآءُ إِلَى ٱللَّهِ ۖ وَٱللَّهُ هُوَ ٱلْغَنِىُّ ٱلْحَمِيدُ﴾

    [فاطر: 15] .

  20. لا بأس أن يأخذ الإنسان العِبرة من المخلوقات مِن حولِه وإن قلَّ شأنها، وهذا هو منهج القرآن الذي دائمًا يحثُّ الإنسان على النظر، وأَخْذِ الحكمة والعظمة، والتشبُّع باليقين.

  21. عليك بالتوكُّل على الله تعالى في كلِّ أمر، والثقة في مَعيَّة الله وحمايته ورعايته، والرضا بما يقدّر لك، والإيمان بأن النتيجة مهما كانت فهي الخير الذي يسوقه الله إليك.

  22. عليك بالأخذ بالأسباب وعدم تركها بحُجَّة التوكُّل؛ فإن هذا تواكُلٌ وليس توكُّلًا، ولا تَنافيَ بين التوكُّل والأخذ بالأسباب.

  23. إن العبد المؤمن إذا توكَّل على الله، وأخذ بالأسباب في كلِّ شأنه، وفوّض أمره لله، كفاه الله ما أَهَمَّه، ورزقه من حيث لا يحتسب؛

    قال الله تعالى:

    ﴿وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُۥٓ ۚ﴾

    [الطلاق: 3].

  24. عن ابن عباس رضي الله عنهما قال:

    كان رسول الله ﷺ إذا قام إلى الصلاة في جوف الليل قال: «اللَّهُمَّ لَكَ الحَمْدُ، أَنْتَ قَيِّمُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، وَلَكَ الحَمْدُ، لَكَ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، وَلَكَ الحَمْدُ، أَنْتَ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، وَلَكَ الحَمْدُ، أَنْتَ مَلِكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ، وَلَكَ الحَمْدُ، أَنْتَ الحَقُّ، وَوَعْدُكَ الحَقُّ، وَلِقَاؤُكَ حَقٌّ، وَقَوْلُكَ حَقٌّ، وَالجَنَّةُ حَقٌّ، وَالنَّارُ حَقٌّ، وَالنَّبِيُّونَ حَقٌّ، وَمُحَمَّدٌ ﷺ حَقٌّ، وَالسَّاعَةُ حَقٌّ، اللَّهُمَّ لَكَ أَسْلَمْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ، وَإِلَيْكَ أَنَبْتُ، وَبِكَ خَاصَمْتُ، وَإِلَيْكَ حَاكَمْتُ، فَاغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ، وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ، أَنْتَ الْمُقَدِّمُ، وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ، لاَ إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ»

    [7].

  25. تَوَكَّلْتُ في رِزقِي علَى اللهِ خالقِي = وَأَيْقَنْتُ أنَّ اللهَ لا شَكَّ رازِقي

وَمَا يَكُ مِنْ رزقِي فَلَيْسَ يَفُوتُني = وَلَوْ كَانَ فِي قَاعِ البِحارِ الغَوَامِقِ

سيأتي بهِ اللهُ العظيمُ بِفَضْلِهِ = ولو لم يكنْ مِنِّي اللِّسَانُ بنَاطِقِ

ففي أيِّ شيءٍ تَذْهَبُ النَّفْسُ حَسْرَةً = وَقَدْ قسَّمَ الرَّحمنُ رِزقَ الخلائِقِ

26. فعلى الرحمنِ توكَّلْنا = وإليهِ نَجِدُّ ونجتَهِدُ

وله أسلَمْنا عن طَوْعٍ = وبهِ نعتزُّ ونعتَضِدُ

وإليهِ أَنَبْنا في ذُلٍّ = من هَوْلِ جهنَّمَ نرتَعِدُ

27. تَوكَّلْ على مَولاكَ وارضَ بِحُكمهِ = وكُن مُخلِصًا لله في السِّرِّ والجَهْرِ

قنوعًا بما أَعطاكَ مُستغنيًا بهِ = له حَامدًا في حالَيِ العُسْرِ واليُسْرِ

وكُن باذلًا للفضْلِ سَمحًا ولا تَخَفْ = من الله إِقتارًا ولا تَخْشَ من فَقْرِ



المراجع

1. "جامع العلوم والحكم" لابن رجب (2/ 497). 

2. "جامع العلوم والحكم" لابن رجب (2/ 497).

3. "جامع العلوم والحكم" لابن رجب (2/ 497). 

4. "جامع العلوم والحكم" لابن رجب (2/ 498).

5.  "جامع العلوم والحكم" لابن رجب (2/ 493).

6. "شرح النوويِ على مسلم" (3/ 91).

7.  رواه البخاريُّ (1120)، ومسلم (199).

 

مشاريع الأحاديث الكلية