عن ابن عمرَ وأبي هُريرةَ رضي الله عنهم، أنهما سَمعا رسولَ الله يقولُ على أعوادِ مِنْبَرِه: «لَيَنْتَهِيَنَّ أقْوامٌ عن وَدْعِهمُ الجُمُعاتِ، أو لَيَخْتِمَنَّ اللهُ على قُلوبِهم، ثم لَيَكونُنَّ منَ الغافِلينَ»

هدايات الحديث

  1. يوم الجمعة هو خير يوم طلعت عليه الشمس، وله مزايا وفضائل كثيرة، منها: أن من مات فيه أو في ليلته وهو مؤمن وُقي فتنة القبر وعذابه، والاغتسال، والتطيُّب، والتطهُّر، ولُبس أحسن الثياب، والتبكير إلى المسجد، وقراءة سورة الكهف في يومها، والإكثار من الدعاء، وتحرِّي ساعة الإجابة، والإكثار من الصلاة على النبيِّ ، وغيرها.
  2. صلاة الجمعة تكليف فرديٌّ في ذاته، ولكنه فردٌّي في صورة جماعية، ففيها تظهر قوَّة المجتمع الإسلاميِّ، ونظامه، ووَحدته، وجماله، ونظافته، واجتماعه. لذا؛ وردت أحاديثُ كثيرةٌ في فضلها، والحثِّ عليها، والتهيُّؤ لها بالاغتسال، والثياب النظيفة، والطِّيب.
  3. قال : «أَوْ لَيَخْتِمن اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ» يَطبَع الله عليها، والمرادُ بالطَّبْع على القلب أن يصير القلبُ قلبَ مُنافق[1]
  4. يظهر التوازن الذي يتَّسِم به المنهج الإسلاميُّ في الأمر بترك التجارة بمجرَّد سماع الأذان ثم العودة إليها وابتغاء فضل الله، التوازن بين مقتضيات الحياة في الأرض، من عمل وكدٍّ ونشاط وكسب، وبين عُزلة الروح فترة عن هذا الجوِّ، وانقطاع القلب، وتجرُّده للذكر، وهي ضرورة لحياة القلب لا يصلح بدونها للاتِّصال والتلقِّي والنهوض بتكاليف الأمانة الكبرى.
  5. ذكر الله لا بدَّ منه في أثناء ابتغاء المعاش، والشعور بالله فيه هو الذي يحوِّل نشاط المعاش إلى عبادة؛ ولكنه - مع هذا - لا بدَّ من فترة للذكر الخالص، والتجرُّد والانقطاع الكامل.
  6. إن الانخلاع من شؤون التجارة والمعاش من أجل الصلاة تعليم وتربية للنفوس؛ فلا بد من فترات ينخلع فيها القلب من شواغل المعاش وجواذب الأرض؛ ليخلوَ إلى ربِّه، ويتجرَّد لذكره، ويتذوَّق هذا الطعم الخاصَّ للتجرُّد، والاتصال بالملأ الأعلى، ويملأ قلبه وصدره من ذلك الهواء النقيِّ الخالص العطر ويستروح شذاه، ثم يعود إلى مشاغل العيش مع ذكر الله؛

    قال تعالى:

      ﱞ ﱟ ﱠ ﱡ فَإِذَا قُضِيَتِ ٱلصَّلَوٰةُ فَٱنتَشِرُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَٱبۡتَغُواْ مِن فَضۡلِ ٱللَّهِ وَٱذۡكُرُواْ ٱللَّهَ كَثِيرٗا لَّعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَﱢ ﱣ ﱠ

    [الجمعة: ١٠].

  7. يَا لَيَوْمٍ حُسْنُهُ مَا أَبْدَعَهْ = وَلأنوارِ الهُدَى مَا أَجْمَعَهْ

هُوَ يَوْمٌ رَسَمَ اللهُ له = خُطَّةً مُحْكَمَةً مُتَّبَعَةْ

حَقَّقَ اللهُ به وَحْدتَنا = في اجْتِمَاعٍ شامِلٍ مَا أَرْوَعَهْ

كُلُّ أُسْبُوعٍ بِهِ مَوْعِظَةٌ = لإمامٍ كَمْ هَدَى مَنْ سَمِعَهْ

إِنَّ يَوْمًا هُوَ خَيْرٌ كُلُّهُ = هُوَ يَوْمُ الأُمَّةِ الْمُجْتَمِعَةْ

لَيْسَ في الأيَّامِ مَا يَفْضُلُهُ = أَفْضَلُ الأيَّامِ يَوْمُ الجُمُعةْ

وَحْدَةُ الأمَّةِ عُنْوانٌ عَلَى = أنها في القِمَّةِ الْمُرْتَفِعةْ

المراجع

  1. "نيل الأوطار" للشوكانيِّ (3/ 265، 266).

مشاريع الأحاديث الكلية