108 - أقسامُ النَّاسِ مع الوَحْي

عن أبي موسى الأشعريِّ، عن النبيِّ ﷺ قال:«مَثَلُ ما بعَثَني اللهُ به من الهُدى والعِلم، كمَثَل الغَيث الكثيرِ أصاب أرضًا: فكان منها نَقِيَّةٌ، قبِلَت الماءَ، فأنبتَت الكَلَأَ والعُشبَ الكثير، وكانت منها أجادبُ، أمسكت الماءَ، فنفعَ اللهُ بها الناسَ، فشَرِبوا وسَقَوْا وزرعوا، وأصابت منها طائفةٌ أخرى، إنما هي قِيعانٌ لا تُمسِك ماءً ولا تُنبتُ كلأً، فذلك مثَلُ مَن فَقُه في دِين الله، ونفَعه ما بعَثَني الله به فعَلِم وعَلَّم، ومَثلُ مَن لم يرفَعْ بذلك رأسًا، ولم يَقبَلْ هُدى الله الذي أُرسِلْتُ به» متفق عليه.

هدايات الحديث

1. اعلمْ أنه لا يَقبل ما أنزل اللهُ من الهدى والدين إلا مَن كان قلبُه نقيًّا من الإشراك والشكِّ، فالقوب التي قبِلت العلم والهدى هي كالأرض المتعطِّشة إلى الغيث، فهي تنتفعُ به فتَحْيا فتُنبِت.

2. إن القلوب البريئة من الشكِّ والشرك، المتعطِّشة إلى معالم الهدى والدين، إذا وعَتِ العلمَ، حَيَتْ به، فعمِلت، وأنبتت ما تَحْيا به أرواح الناس المحتاجين إلى مثل ما كانت القلوب الواعية تحتاجُ إليه[1].

3. إن حاجة العباد إلى العلم كحاجتهم إلى الْمَطَر؛ بل أعظم، وإنهم إذا فقدوا العلم، فهم بِمَنْزِلَة الأرض التي فقدت الْغَيْث.

4. إقبالُ القلوب على الله، وقَبولها الهدى والعلم، والانتفاع بهما، ونفعُ الناس بذلك - هي مِنَحٌ من الله وعطاءاتٌ قبل أن تكون جِدًّا واكتسابًا؛ فالاستعدادات ليست بمكتسَبة؛ بل هي مواهبُ ربَّانية، وكمالها أن تنهَل من مِشْكاة النبوَّة، فلا خيرَ فيمَن يشتغل بغير الكتاب والسُّنة[2].

5. الكِبر عن الحقِّ، والإعراض عن قَبوله، شرُّ الأمراض التي تُهلك صاحبها في الدنيا والآخرة، وتَصرِفه عن قَبول الحقِّ والانتفاع به

قال الله تعالى:

﴿سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِن يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَّا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِن يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِن يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ﴾

[الأعراف: 146]

6. النَّاس محتاجون إلى الْعلم أكثرَ من حاجتهم إلى الطعام والشراب؛ لأن الطعام والشراب يُحْتَاج إليه في اليوم مرَّةً أو مرَّتَيْنِ، وَالعلم يُحْتَاج إليه بِعَدَد الأنفاس[3].

7. القلوبُ أَوْعِيَةٌ فخَيْرُهَا أَوْعاها[4].

8. الْقُلُوبُ آنِيَةُ اللَّه في أرضه، فَأَحَبُّهَا إلى اللَّه تعالى أَرَقُّهَا وأصْفاها[5].

9. إنّ القلبَ إذا كان رقيقًا ليِّنًا، كان قبوله للعلم سهلًا يسيرًا، ورَسَخ العلم فيه، وثَبَت وأثَّر، وإن كان قاسيًا غليظًا، كان قبوله للعلم صعبًا عسيرًا. ولا بدَّ مع ذلك أن يكون زكيًّا صافيًا سليمًا؛ حتى يَزْكُوَ فيه العلم ويُثمر ثمرًا طيِّبًا، وإلّا فلو قَبِل العلم وكان فيه كَدَر وخُبث، أفسد ذلك العلمَ، وكان كالدَّغَل في الزّرع، إن لم يَمنَع الحَبَّ من أن يَنبُت مَنَعه من أن يزكوَ ويَطِيب، وهذا بيِّن لأولي الأبصار[6].

10. ما الفضلُ إِلا لأهلِ العلمِ إِنهمُ = على الهُدى لمن استهدى أَدِلَّاءُ

وقيمةُ المرءِ ما قد كان يُحْسِنُهُ = والجاهِلونَ لأهل العلمِ أعداءُ

فقمْ بعلمٍ ولا تَطلُبْ به بدلاً = فالناسُ مَوْتى وأهلُ العلمِ أحياءُ

11. كن عالِمًا في الناسِ أو متعلِّمًا = أو سامعًا فالعلمُ ثَوْبُ فَخَارِ

من كلِّ فنٍّ خُذْ ولا تجهلْ به = فالحُرُّ مطَّلِعٌ على الأسرارِ

وإِذا فَهِمْتَ الفقهَ عشتَ مُصَدَّرًا = في العالمينَ مُعَظَّمَ المقدارِ

المراجع

  1. "شرح صحيح البخاري لابن بطال" ابن بطال (1/ 163).
  2. "مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح" الطيبي (1/ 248).
  3. "مفتاح دار السعادة" لابن القيم (1/ 60، 61).
  4. "مجموع الفتاوى" (9/ 315).
  5. "مجموع الفتاوى" (9/ 315).
  6. "مجموع الفتاوى" (9/ 315).


مشاريع الأحاديث الكلية