الفوائد العلمية
1. في الحديث ضربٌ لأمثلة بليغة، فيها تصوير موقف الناس من الهدى والرشاد والعلم النافع، الذي جاء من عند الله تعالى.
2. في الحديث تشبيه ما أرسل به النبيُّ ﷺ من الهدى والرشاد والعلم النافع المستمَدُّ من الكتاب والسُّنَّة بالمطر الغزير الذي يأتي الناس حالَ حاجتهم إليه.
3. تشبيه النبيِّ ﷺ للهدى والعلم بالمطر، الذي عبَّر عنه بلفظ الغيث لحاجة الناس إليه، وعدم استغنائهم عنه، واضطرارهم إليه
﴿وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ ۚ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ﴾
4. في الحديث إشارة إلى حالة الناس قبل بعثة النبيِّ ﷺ، حيث "كان الناس قبل المبعَث قد امتُحِنوا بموت القلوب، ونُضوب العلم، حتى أصابهم الله برحمةٍ من عنده"[1] ببعثة النبيِّ ﷺ.
5. في الحديث بيانُ أن كلَّ ما جاء به النبيُّ ﷺ هو وحيٌ من الله تعالى
﴿وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ 3 إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ﴾
6. في الحديث بيان أنه لا يَقبَل ما أَنزَل اللهُ من الهدى والدين إلا مَن كان قلبُه نَقيًّا من الإشراك والشكِّ؛ فالتي قَبِلَت العلم والهُدى كالأرض المتعطِّشة إليه، فهي تنتفع به، فتحيا فتُنبت، فكذلك هذه القلوب البريئة من الشكِّ والشرك، المتعطِّشة إلى معالم الهدى والدين، إذا وَعَت العلم، حَيَتْ به، فعَمِلت وأنبتت بما تحيا به أرماق الناس المحتاجين إلى مثل ما كانت القلوب الواعية تحتاج إليه[2].
7. في الحديث إشارة إلى أن من الناس مَن قلوبُهم متهيئةٌ لقَبول العلم؛ لكنها ليس لها رسوخ؛ فهي تَقبَل وتُمسك حتى يأتيَ متعطِّش فيَرْوَى منها، ويَرِدُ على مَنهَل يحيا به، وتسقى به أرض نقيَّة فتُنبت وتُثمر، وهذه حال من يَنقُل العلم ولا يعرفه ولا يفهمه[3].
8. الحديث بديع في التشبيه وتقسيم الكلام وترتيبه، وهو من بديع الإيجاز والبلاغة، ويدلُّ بعضه على بعض.
9. في الحَدِيث تنْبِيه على شرف الْعلم والتعليم، وَعظم موقعه، وشقاء من ليس من أهله، وذكر أقسام بني آدم بالنسبة فيه إلى شَقِيِّهم وسَعِيدهم، وتقسَّم سعيدهم إلى سَابق مقرَّب، وَصَاحبِ يَمِين مقتصِد[4].
المراجع
- "عمدة القاري شرح صحيح البخاري" لبدر الدين العينيِّ (2/ 80).
- "شرح صحيح البخاريِّ" لابن بطَّال (1/ 163).
- "شرح صحيح البخاريِّ" لابن بطَّال (1/ 163، 164).
- "مفتاح دار السعادة" لابن القيم (1/ 60، 61).
الفوائد التربوية
10. كان النبيُّ ﷺ أحسنَ الناس تربيةً وتعليمًا وقُدرةً على الإيضاح والبيان، وأحرصَ الناس على هداية الخَلْق، فسلك جميع السُّبل والوسائل المتاحة لتبليغ دعوة ربه، ومنها في هذا الحديث: ضربُ الأمثال؛ لأن ضرب الأمثال الحسية يقرِّب المعانيَ العقلية؛ أي: ما يُدرَك بالعقل يقرِّبه ما يُدرَك بالحِسِّ، وهذا مشاهَد؛ فإن كثيرًا من الناس لا يفهم، فإذا ضربتَ له مثلاً محسوسًا فَهِم وانتفع؛
{ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ ۖ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ}
{وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَٰذَا الْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ}
فضرب الأمثال من أحسن طرق التعليم ووسائل العلم[1].
11. على الداعية التنويعُ في أساليب دعوته وحديثه، وتلقين المدعوِّ العلم بصورة سهلة يسيرة، واستعمال الصور البلاغية التي تُبرز المعنى وتؤكِّده، وضرب الأمثال، واستخدام القصص؛ مما يجذب انتباه المدعوِّ.
المراجع
- "شرح رياض الصالحين" للعثيمين (2/ 295).
الفوائد اللغوية
12. الغَيْثُ هو المطر، وأمَّا العُشْبُ والكَلأ والحشيش فكلُّها أسماء للنّبات؛ لكنَّ الحشيش مختصٌّ باليابس، والعُشْبُ، والكَلَا مقصورًا، مختصَّان بالرَّطْب، والكَلأُ بالهمز يقع على اليابس والرَّطْب، وأمّا الأجادبُ، فهي الأرض التي لا تُنبت كلأً، أو هي الأرض الّتي تُمسك الماء، فلا يُسرع فيه النُّضُوب[1].
13. (أجادب) جمع جَدْب على غير قِيَاس، كما قالوا في (حَسَن) جمعُه (محاسن)، والقياسُ أنّ (محاسن) جمع مُحْسِن، وكذا قالوا: (مُشَابِه) جمع (شَبَه)، وقياسُه أن يكون جمع (مُشبَّه)، وأمّا القيعانُ، فجمع (القاع)، وهو الأرض الْمُستوِيَة، وقيل: الْمَلْساء، وقيل: الّتي لا نبات فيها، وهذا هو المراد في هذا الحديث كما صرَّح به ﷺ، ويُجمَع أيضًا على أَقْوُعٍ وأَقْوَاع، والقِيعَة بكسر القاف بمعنى القَاعل[2].
14. قَوْلُهُ ﷺ: «سَقَوْا» قال أهلُ اللُّغَة: سَقَى وَأَسْقَى بِمَعْنًى، لُغتانِ، وقيل: سَقَاهُ: نَاوَلَهُ لِيَشْرَبَ، وَأَسْقَاهُ: جَعَلَ له سَقْيًا[3].
15. الفقه في اللغة هو الفَهم. يُقَالُ مِنْهُ: فَقِهَ بِكَسْرِ الْقَافِ يَفْقَهُ فقَهًا بفتحها؛ كَفَرِحَ يَفْرَحُ فَرَحًا، وقيل: الْمَصْدَرُ (فِقْهًا) بإسكان القاف، وأمَّا الْفِقْهُ الشَّرْعِيُّ فيُقال منه: فَقُهَ بضمِّ القاف. وقال ابن دُرَيْدٍ: بكسرها كالأَوَّل، والْمُرادُ بقوله ﷺ: «فَقُهَ فِي دِينِ اللَّهِ» هذا الثَّانِي، وقد رُوِيَ بالوجهينِ، والمشهورُ الضَّمُّ[4].
16. في الحديث تشبيه تمثيليٌّ، وجهُ الشَّبَه فيه بين الهدى والعلم الذي جاء به النبيُّ ﷺ، وبينَ الغَيث النازل من السماء: أن الغيثَ به حياةُ البلد الميت، وكذا العلمُ به حياةُ القلب الميِّت[5].
المراجع
- "شرح النوويِّ على مسلم" (15/ 46، 47).
- "شرح النوويِّ على مسلم" (15/ 46، 47).
- "شرح النوويِّ على مسلم" (15/ 47).
- "شرح النوويِّ على مسلم" (15/ 47).
- انظر: "مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح" للطِّيبيِّ (2/ 616).
الفوائد الحديثية
17. قَوْلُهُ ﷺ: «فَكَانَتْ مِنْهَا طَائِفَةٌ طَيِّبَةٌ قَبِلَتِ الْمَاءَ»: هكذا هو في جميع نُسخ مسلم: «طائفة طيِّبة»، ووقع في البخاريِّ «فكان منه نَقيَّةٌ قَبِلت الماء»، وهو بمعنى طيِّبة، هذا هو المشهور في روايات البخاريِّ، ورواه الخطّابيُّ وغيره (ثَغْبةٌ)، قال الخطّابيُّ: هو مستنقَع الماء في الجبال والصّخُور، وهو الثَّغْب أيضًا، وجمعُه ثُغْبَانٌ. وهذه الرّواية غلطٌ من النّاقلين، وتصحيفٌ، وإحالة للمعنى؛ لأنّه إنّما جُعِلت هذه الطّائفةُ الأولى مَثَلًا لِما يُنبت، والثَّغْبةُ لا تُنبِت[1].
18. قوله: «قبلت الماء»: واختَلفت الرواية في صحيح البخاريِّ، ففي بعضها (قيَّلت)، فزعم الأصيليُّ وغيرُه أنه تصحيف. وقال غيره: بل هو صواب، ومعناه بمعنى: قيَّلت؛ أي: شَرِبت. والقيل: الشُّرب نصف النهار، وقيَّلت الإبل: شربت قائلةً. وقال غيره: معناه: جمعت وحبست ورَوِيت، فهي بمعنى قيَّلت أيضًا. قال أبو عبيد البكريُّ: قال أبو بكر: تَقيَّل الماء بالمكان المنخفض: اجتمع فيه[2].
المراجع
- "شرح النوويِّ على مسلم" (15/ 47).
- "إكمال المعلم بفوائد مسلم" للقاضي عياض (7/ 249).