عن عبدِ الله بنِ عمرٍورضي الله عنه عن النبيِّ ، قال:«أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا، وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنَ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا:إِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ،وَإِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ،وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ» متفق عليه

فقه

1- وهناك ذكر النبيُّ ﷺ لأصحابه أربع صفات التي لا ينبغي أن تكون في مسلمٍ، بل هي من صفات المنافقين، فإذا اجتمعن في رجلٍ فهو مكتملُ النفاق.

والنِّفاقُ: إظهارُ الإنسانِ خلافَ ما يبطن، وهو قسمان: نفاقٌ اعتقاديٌّ، بأن يظهر الإسلامَ ويضمر الكفر، وهو مُخرجٌ من الإسلام، وهؤلاء

قال الله تعالى فيهم:

﴿إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا (145) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا﴾

[النساء: 145، 146]،

والقسمُ الآخَر: نفاق عمليٌّ، كالكذب وإخلاف الوعد المذكور في هذا الحديث، فهذا لا يخرج من الإسلام، لكن فيه صفة من صفات النفاق، وصاحبها شبيه بالمنافقين، ومتوعد بالعذاب [1]

2- وقد لا تجتمع تلك الصفات الأربع في إنسان، ولكن فيه صفة منها، ففيه قدر من النفاق بقدر ما فيه من تلك الصفات:

3-الصفة الأولى: أنَّه يخون الأمانات، والخيانة: التصرُّفُ في الأمانة بغير وجه شرعيٍّ؛ كبَيعها، أو جَحدها، أو انتقاصها، أو التهاون في حفظها. والأمانة تشمل كلَّ ما اؤتُمِن عليه الإنسان من مال، أو عِرض، أو حقٍّ؛ وقد تعم الشرائعَ التي جعلها اللهُ أماناتٍ عندنا نعمل بها ونُعلِّمها للناس؛

ولذلك سمَّى اللهُ تعالى مخالفةَ كتابه وسُنَّة رسوله خيانةً:

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾

[الأنفال: 27][2]

4- الصفة الثانية: الكَذِب، وقد أمر اللهُ تعالى بالصِّدْق وأرشد إليه

فقال تعالى:

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ﴾

[التوبة: 119].

وحذَّر ﷺ من عاقبة الكذب فقال: «وإن الكذبَ يَهدي إلى الفجور، وإن الفجورَ يَهدي إلى النار، وإن الرجُلَ لَيكذبُ حتى يُكتَب عند الله كذَّابًا»[3]، ورأى النبيُّ ﷺ في نومه رجلًا يُشَقُّ شِدقه إلى قفاه ومنخراه إلى قفاه وعيناه إلى قفاه، فسأل عنه فقيل: الرجلُ يكذب الكذبة فتُحمل عنه حتى تبلغ الآفاق [4]

5- الصفة الثالثة: الغدر بالعهود، فإذا وضع عهدًا وعقدًا مع غيره خدعه بمخالفته. وقد حرَّم اللهُ تعالى الغدرَ ونهى عنه في غير موضعٍ في كتابه،

فقال تعالى:

﴿وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ﴾

[النحل: 91]

وقال سبحانه:

﴿وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا﴾

[الإسراء: 34].

6- الصفة الرابعة: أن يميل الإنسانُ في خصومته عن الحقِّ، ويحتال في ردِّه، ويحاول أن يأخذَ ما ليس له، خاصَّةً إذا كان له قدرةٌ على البيان والمحاجة.

وقد أمر الله تعالى عباده بالعدل في كل الأمور، ونهاهم أن تحملهم العداوة والخصومة على ظلم الطرف الآخر،

قال سبحانه:

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى﴾

[المائدة: 8].

وأخبر ﷺ عن عاقبة من أخذ حقَّ غيره بالباطل فقال: «إِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ، وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ، فَأَقْضِيَ لَهُ عَلَى نَحْوٍ مِمَّا أَسْمَعُ مِنْهُ، فَمَنْ قَطَعْتُ لَهُ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ شَيْئًا، فَلَا يَأْخُذْهُ، فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ بِهِ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ» [5]

وهذه الأربع تجمع أصول النفاق، وهناك صفات قد تندرج فيها كإخلاف الوعد [6] . فعلامات النفاق وصفاته كثيرة، يجمع أصلها تلك الصفات، فعلى المسلم أن يحرص على ألَّا يعلَق به من تلك الصفات شيءٌ.

اتباع

1- من حُسنِ تَعلِيمِ النبيِّ ﷺ لأصحابه تقريبُ المرادِ باستخدام شَتَّى الوسائلِ التَّعليميَّة؛ ومن ذلك استخدامُ العددِ، فإذا سمع المسلمُ أنَّ الصفات التي ستُذكر أربعًا كان متشوقاً لسماعها وحفظها. فينبغي على العلماء والدعاة استخدام مثل تلك الأساليب في الحديث مع النَّاس وتعليمهم.

2-  النفاق شر الصفات، وكل جزء منه فهو شر، والعاقل الصادق يحترز منها، ولا يبرئ نفسه، قال ابن أبي مليكة -أحد التابعين-:  « أَدْرَكْتُ ثَلاَثِينَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، كُلُّهُمْ يَخَافُ النِّفَاقَ عَلَى نَفْسِهِ، مَا مِنْهُمْ أَحَدٌ يَقُولُ: إِنَّهُ عَلَى إِيمَانِ جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ »[7]

3-  لتكن صاحب مسؤولية، منتبهًا لما يوكل إليك من الأمانات، سواء من والديك، أو رؤساء العمل، أو من الأصدقاء، فإن احتجت أن تكتبها حتى لا تنساها أو تضيع فاكتبها، وكان بعض الصالحين يقيّد كل أمانة لديه، حتى ولو كان قلمًا، أو مبلغًا زهيدًا لطفل.

4- أداء الأمانة من صفات الكرام، وكان المشركون في مكَّة قبل الإسلام يُلَقِّبون النبيَّ ﷺ بالأمين، لأنها تحتاج لصبر، ودقة، وحرص، فكن كذلك.

5- عوَّد نفسك على الصدق، ولو في صغير الأمور، فالصدق عادة، ولا تبرر لنفسك الكذب بأنه مزاح، أو مؤانسة، أو مصلحة، والأمر لا يتطلب ذلك، ولا يزال الرجل يكذب حتى ينطبع على الكذب، فلا يتحرز منه، وحتى يعرف به، وتذكر أن الكذب شر المساوئ، وقد أراد أبو سفيان رضي الله عنه أن يكذب في حديثه مع هرقل عن النبيِّ ﷺ إلَّا أنَّه أبى ذلك، وقد كان حينئذٍ كافرًا.

6- أمر ﷺ بالوفاء بالعهود حتى مع المشركين أثناء حربهم؛ فقد أقبل حذيفةُ بن اليمان وأبوه على النبيِّ ﷺ أثناء غزوة بدرٍ، فذكرا أن المشركين أخذوهما وقالوا: تريدان محمدًا لتقاتلا معه، فقالا: لا، ما نريد إلا المدينة، فأخذوا عليهما المواثيق والعهود أن يقصدا المدينة ولا يقاتلا مع النبيِّ ﷺ، فقال لهما النبيُّ ﷺ: «انْصَرِفَا، نَفِي لَهُمْ بِعَهْدِهِمْ، وَنَسْتَعِينُ اللهَ عَلَيْهِمْ» [8]، فلم يأمرهما بالقتال معه على عدو كافر، وفاء بالعهد.

7- على الغادر ألا يفرح بانتصارٍ أو مكسب موهوم يناله بغدره، فعاقبته فضيحة كبرى

قال ﷺ:

«لكلِّ غادر لواءٌ يُنصَب بغَدْرته يوم القيامة» [9]

فالخائنُ وإن عرف كَيفَ يرتِّب ويدبِّر أمورَه بحيث لا يُفتَضَحُ أمامَ نفر قليل من الناس، فأين يذهب يوم القيامة في لواء منصوب على غدرته أمام الخلق أجمعين؟!

8- لا تؤول لنفسك تضييع الأمانة، أو الكذب، أو الغدر، أو الفجور في الخصومة؛ لأن غيرك فعل ذلك، حتى ولو فعلته لمن فعل ذلك بك، فالمسلم يأتمر بأمر الله لا بهواه

قال ﷺ:

«أَدِّ الْأَمَانَةَ إِلَى مَنِ ائْتَمَنَكَ، وَلَا تَخُنْ مَنْ خَانَكَ» [10]

9- قال الشاعر:

واتْرُكْ خَلائِقَ قَوْمٍ لا خَلاقَ لَهُمْ = واعْمَدْ لأخْلاقِ أهلِ الفَضْلِ والأدَبِ

وإنْ دُعِيتَ لغدرٍ أو أُمِرْتَ به = فاهرُبْ بنفسِكَ عنه آبِدَ الهَرَبِ

10- وقال غيره:

والصّدقُ يألَفُهُ الكريمُ المرتجى = والكِذْبُ يألَفُهُ الدَّنيءُ الأَخْيَبُ

وَدَعِ الكَذُوبَ فلا يكن لك صاحبًا = إِنَّ الكذوبَ لَبِئْسَ خِلًّا يُصْحَب

المراجع

  1.  "شرح النوويِّ على مسلم" (2/ 47). 
  2. "الأدب النبويُّ" لمحمد عبد العزيز الخولي (ص: 18). 
  3.  البخاري (6094)، ومسلم (2607)، عن ابن مسعود . 
  4.  البخاري (6096)، عن سمرة بن جندب . 
  5.  البخاري (2680)، ومسلم (1713)، عن أم سلمة رضي الله عنها. 
  6.  البخاري (33)، ومسلم (59)، عن أبي هريرة . 
  7.  البخاري معلقًا، كتاب الإيمان، باب: خوف المؤمن أن يحبط عمله وهو لا يشعر. 
  8.  مسلم (1787). 
  9.  البخاري (3188)، ومسلم (1735). 
  10. أبوداود (3534).

مشاريع الأحاديث الكلية