عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ  يَقُولُ عَامَ الفَتْحِ وَهُوَ بِمَكَّةَ:  «إِنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ حَرَّمَ بَيْعَ الخَمْرِ،  وَالْمَيْتَةِ،  وَالخِنْزِيرِ،  وَالأَصْنَامِ»،  فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ شُحُومَ الْمَيْتَةِ؛ فَإِنَّهَا يُطْلَى بِهَا السُّفُنُ، وَيُدْهَنُ بِهَا الجُلُودُ، وَيَسْتَصْبِحُ بِهَا النَّاسُ؟ فَقَالَ: «لَا، هُوَ حَرَامٌ»،  ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عِنْدَ ذَلِكَ: «قَاتَلَ اللَّهُ اليَهُودَ؛ إِنَّ اللَّهَ لَمَّا حَرَّمَ شُحُومَهَا، جَمَلُوهُ، ثُمَّ بَاعُوهُ، فَأَكَلُوا ثَمَنَهُ»

فقه

1. حرَّمَ اللهُ عزَّ وجلَّ ونبيُّه ﷺ الخمرَ؛ لأنَّها تُذْهِب العقلَ الذي هو مَناط التكليف، وتَحملُ الإنسانَ على ارتكاب المعاصي والإفساد في الأرض؛

قال تعالى:

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ}

[المائدة: 90، 91].

وإذا كانت الخمرُ حرامًا كان ثمنُها حرامًا كذلك، 

وقد قال أنسٌ رضي الله عنه:

«لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فِي الخَمْرِ عَشَرَةً: عَاصِرَهَا، وَمُعْتَصِرَهَا، وَشَارِبَهَا، وَحَامِلَهَا، وَالْمَحْمُولَةَ إِلَيْهِ، وَسَاقِيَهَا، وَبَائِعَهَا، وَآكِلَ ثَمَنِهَا، وَالْمُشْتَرِيَ لَهَا، وَالْمُشْتَرَاةَ لَهُ» وسأل أبو طَلحةَ ﷺ النبيَّ عن أيتامٍ وَرثوا خمرًا، فقال ﷺ: «أَهْرِقْهَا» قَالَ: أَفَلَا أَجْعَلُهَا خَلًّا؟ قَالَ: «لَا»

 [1]، [2].

2. وحرَّم بَيْعَ المَيتة كذلك؛ إذ يَحرم أكلُها والانتفاعُ بها؛

لقوله تعالى:

{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ}

[المائدة: 3]،

إلا ما استُثني من الانتفاع بجلدِ ما كان طاهرًا مباحًا في الحياة -كالشاةِ والبقرة ونحوهما- بعد الدِّباغ؛

فعن ابنِ عباسٍ رضي الله عنهما قال:

«تُصُدِّقَ على مَولاةٍ لمَيمونةَ بشاةٍ، فماتتْ، فمرَّ بها رسولُ الله ﷺ، فقال: هلَّا أخذتُم إهابَها، فدَبَغتُموه، فانتفعتُم به، فقالوا: إنَّها مَيتةٌ،  فقال: إنَّما حَرُم أكْلُها»

[3].

ويُستثنى كذلك جوازُ أكلِ مَيتة السَّمَكِ والجرادِ؛

لقوله ﷺ:

«أُحِلَّتْ لَكُمْ مَيْتَتَانِ وَدَمَانِ؛ فَأَمَّا الْمَيْتَتَانِ فَالْحُوتُ وَالْجَرَادُ، وَأَمَّا الدَّمَانِ فَالْكَبِدُ وَالطِّحَالُ»

[4].

3. ويَحرُم كذلك بيع الخنزير؛ إذ حرَّم اللهُ سبحانه أكلَه وقضى بنجاسته بقوله:

{قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ}

[الأنعام: 145].

4. ويَحرُم أيضًا بيعُ الأصنام وصُنعُها، سواءً كانت تُتَّخَذُ للعبادةِ أم لا؛ لأنَّ ذلك ذريعةٌ إلى الشِّركِ، وإنما دخَل الشِّركُ في الأرض مع اتِّخاذ تلك الأصنامِ وإن كانت مصنوعةً في البداية لغيرِ العبادة، خاصَّةً وأن النبيَّ ﷺ أخبَر أنَّه:

«لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَضْطَرِبَ أَلَيَاتُ نِسَاءِ دَوْسٍ حَوْلَ ذِي الْخَلَصَةِ»، وَكَانَتْ صَنَمًا تَعْبُدُهَا دَوْسٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ»

[5].

5. فلمَّا ذكَر النبيُّ ﷺ لهم حُرمةَ بيع الميْتة واستخدامها سألوه عن استخدام شُحوم الميتة ودُهنِها في غيرِ الأكل؛ فهل يجوزُ استعمالها في تَلطيخ السُّفن ودِهان الجلود ووَضعها في المصابيحِ للإنارة؟ فنَهاهم النبيُّ ﷺ عن ذلك وأخبَرهم أنَّه حرامٌ لا يجوز.

وإنَّما سألوه عن الانتفاع بشُحومِ الميتة وبيعِها لظَنِّهم أنها مثلُ الحُمر الأهلية؛ حيث حرَّم ﷺ أكلَها إلا أنَّه أجاز بَيعها وركوبَها ونحوَ ذلك، فبيَّن لهم ﷺ أن الأمر مختلِفٌ؛ فالميتة نَجِسةٌ، ولذلك لا يجوزُ أكلُها أو الانتفاعُ بها، ولهذا حَرُم بيعُها كذلك.

6. ثم دَعا النبيُّ ﷺ على اليهود؛ فإنَّهم احتالوا على شَرعِ اللهِ تعالى حين نهاهم عن أكلِ الشُّحوم واستعمالها وبيعِها كما قال تعالى:

{وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا}

[الأنعام: 146]،

فأذابوا الشُّحوم وباعوها وأكَلوا ثمنَها.

اتباعٌ

  1. (1) يَحرُم على المسلم بيعُ الخمر، سواءً باعها لمسلمٍ أم لكافرٍ؛ فإنَّ ثمنها حرامٌ على المسلمين.

  2. (1) اهتمَّ الإسلامُ بعقل الإنسان، وندَبه إلى التفكير والتأمُّل في خلْق الله تعالى، وأوجَب عليه طلبَ العلمِ، وحرَّم عليه ما يُفسِده من شُرب المُسكِراتِ ونحوها.

  3. (2) يَدخل في بيعِ الميتة بيعُ الحيوانات المُحَنَّطة، فلا يجوز للإنسان شِراؤها وبيعُها.

  4. (3) كما يَحرُم على المسلِم أكلُ الخنزير، فكذا يَحرُم عليه بيعُه، سواءً باعه لمسلمٍ أو لكافرٍ؛ لأنَّه مِن التعاوُن على الإثم والعدوان.

  5. (4) لا يجوز اتِّخاذُ الأصنام وصناعتها؛ فإنَّ ذلك من الكبائر، وقد قال ﷺ: «إِنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَذَابًا عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ القِيَامَةِ المُصَوِّرُونَ» [6].

  6. (4) دلَّ الحديثُ على وجوبِ الحذرِ من الوقوع في بَوادِر الشِّرْك؛ فقدْ نَذَر رجلٌ على عهد رسول الله ﷺ أن يَنحَر إِبِلًا ببُوَانةَ - موضع بأسفل مكةَ - فأتى النبيَّ ﷺ، فقال: إني نذَرتُ أن أَنحَر إبلًا ببُوَانةَ،

    فقال النبيُّ ﷺ:

    «هل كان فيها وَثَنٌ من أوثانِ الجاهلية يُعبَدُ؟» قالوا: لا، قال: «هل كان فيها عيدٌ مِن أعيادهم؟»، قالوا: لا، قال رسول الله ﷺ: «أَوْفِ بنَذْرِكَ؛ فإنه لا وفاءَ لنَذر في مَعصيةِ الله، ولا فيما لا يَملِك ابنُ آدم»

    [7].

  7. (5) لم يَستحِ الصحابةُ رضوانُ اللهِ عليهم مِن سؤال النبيِّ ﷺ عن شُحوم الميتة، وليس ذلك من السؤال المذمومِ ولا مِن الاعتراض على حُكمه، وإنَّما لِما رأوه مِن الفائدة المرجوَّة التي لا تتعلَّق بالأكل والشُّربِ، وظنِّهم أنَّ الحرمة متعلِّقةٌ بالأكل. فينبغي ألَّا يَرُدَّ الحياءُ سائلًا عن مَسألته.

  8. (6) التحايُل على شرع اللهِ تعالى ليس من طِباع المؤمنينَ الذين قال سبحانه فيهم:

    {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}

    [النور: 51]،

    وإنما هو مِن أخلاقِ اليهود المغضوبِ عليهم؛ فاحذَرْ أن تكون منهم.

  9. (6) حذَّر ﷺ مِن اتِّباع اليهود في تحايلهم على الشَّرع،

    فقال ﷺ:

    «لَا تَرْتَكِبُوا مَا ارْتَكَبَتِ الْيَهُودُ، فَتَسْتَحِلُّوا مَحَارِمَ اللَّهِ بِأَدْنَى الْحِيَلِ»

    [8].

  10. (6) كانت عاقبةُ التحايُل على شَرع الله تعالى أنَّه مسَخ أصحاب السبتِ قِردةً حين تحايَلوا على نهيِه عن الصَّيدِ يومَ السبت، فرَمُوا الشِّبَاكَ يوم الجمعةِ وترَكوها للسبت؛ فلْيَخْشَ الذين يَتحايَلون أن يُصابَوا بمِثلِ ما أصابِهم.

المراجع

1. رواه الترمذيُّ (1295)، وابن ماجه (3381).

2. رواه أبو داود (3675).

3. رواه البخاري (1492)، ومسلم (363).

4. رواه أحمد (5723)، وابن ماجه (3314).

5. رواه البخاريُّ (7116)، ومسلم (2906).

6. رواه البخاري (5950)، ومسلم (2109).

7. رواه أبو داود (3313).

8. رواه ابن بطة العكبري في إبطال الحيل (ص: 47).





مشاريع الأحاديث الكلية