فقه:
1- نهى النبيُّ ﷺ أن يطلب الرجلُ ولايةَ أمرٍ من أمور المسلمين - كأن يكون أميرًا أو وزيرًا أو نحو ذلك -؛ لأنها مسؤولية عظيمةٌ وأمانةٌ كبيرةٌ في رقبة صاحبها، وقد قال ﷺ لأبي ذرٍّ حين سأله الإمارة:
«يَا أَبَا ذَرٍّ، إِنَّكَ ضَعِيفٌ، وَإِنَّهَا أَمَانَةُ، وَإِنَّهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ خِزْيٌ وَنَدَامَةٌ، إِلَّا مَنْ أَخَذَهَا بِحَقِّهَا، وَأَدَّى الَّذِي عَلَيْهِ فِيهَا»[1].
2- ثم أخبر ﷺ أنَّ الرجلَ إن طلب الإمارةَ لنفسه فأُوتيها، تُرِكت إليه ولم يُعِنه اللهُ سبحانه على مشاقِّها، فلا يُوَفَّقُ غالبًا في مَقْصِدِه، ولهذا
قال ﷺ: «إِنَّا وَاللهِ لَا نُوَلِّي عَلَى هَذَا الْعَمَلِ أَحَدًا سَأَلَهُ، وَلَا أَحَدًا حَرَصَ عَلَيْهِ»[2].
ويُستثنى من ذلك الأنبياء؛ فهم معصومون من الذنوب، ولا يطمعون في رئاسة أو منصب، ولهذا قال يوسف عليه السلام:
{قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ}
3- أما إن أتته الإمارةُ من غير طلبٍ منه، واستعان بالله تعالى ثم اجتهد في القيام بمسئولياتها، فإن اللهُ تعالى يعينه على نوائبِها، ويجعل التوفيقَ حليفَه.
4- ثم أخبر ﷺ أنَّه لا يصحُّ للمسلم أن يجعل يمينَه عائقًا له عن فعل الخير؛ فإن حلف على شيءٍ ثم رأى خيرًا مما حَلَفَ عليه، فليُكَفِّر عن يمينه، وليفعل الذي رآه خيرًا.
فإن كان حلف على معصيةٍ من المعاصي كقطع الرحم أو هجر الزوجة أو شكوى المَدينِ أو نحو ذلك، فإنه ينبغي عليه أن يُكفِّر عن يمينه ويصل رحمه وزوجتَه ويُمهل غريمَه؛ فإنَّ ذلك كله خيرٌ مما حلف عليه.
اتباع
1- (1) إياك أن تطلب إمارةً أو ولاية، واسأل اللهَ السلامةَ والخير؛ فقد تُعطاها ولا تقدر على مهامها.
2- (1) لا ينبغي لحريصٍ على الآخرة أن تكون المناصبُ همَّه؛ قال تعالى:
{تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ}
3- (1) احذر عاقبةَ الولايات؛ فقد
قال ﷺ: «لَيُوشِكَنَّ رَجُلٌ يَتَمَنَّى أَنَّهُ خَرَّ مِنْ عِنْدِ الثُّرَيَّا، وَأَنَّهُ لَمْ يَلِ مِنْ أَمْرِ النَّاسِ شَيْئًا»[3].
4- (1)
قال ﷺ: «مَا مِنْ رَجُلٍ يَلِي أَمْرَ عَشَرَةٍ فَمَا فَوْقَ ذَلِكَ إِلَّا أَتَى اللَّهَ مَغْلُولًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يَدُهُ إِلَى عُنُقِهِ، فَكَّهُ بِرُّهُ، أَوْ أَوْبَقَهُ إِثْمُهُ، أَوَّلُهَا مَلاَمَةٌ، وَأَوْسَطُهَا نَدَامَةٌ، وَآخِرُهَا خِزْيٌ يَوْمَ الْقِيَامَة»[4].
5- (1) كَانَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ رضي الله عنه فِي إِبِلِهِ، فَجَاءَهُ ابْنُهُ عُمَرُ رضي الله عنهما، فَلَمَّا رَآهُ سَعْدٌ قَالَ: أَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شَرِّ هَذَا الرَّاكِبِ، فَنَزَلَ فَقَالَ لَهُ: أَنَزَلْتَ فِي إِبِلِكَ وَغَنَمِكَ، وَتَرَكْتَ النَّاسَ يَتَنَازَعُونَ الْمُلْكَ بَيْنَهُمْ؟ فَضَرَبَ سَعْدٌ فِي صَدْرِهِ، فَقَالَ: اسْكُتْ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَقُولُ:
«إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْعَبْدَ التَّقِيَّ، الْغَنِيَّ، الْخَفِيَّ»[5].
6- (2) ليتَّقِ اللهَ أناسٌ طلبوا الإمارة وسعَوا إلى تولِّي أمور المسلمين؛ لِيَصِلوا بذلك إلى شهوات خسيسة، وأغراضٍ مِن أعراض الدنيا الزائلةِ البخيسة؛ فوكَلَهم اللهُ إلى أنفسهم، فضاعوا وأضاعوا، وخسروا الدنيا والآخرة.
7- (2) ينبغي على وُلاة الأمور ألَّا يستعملوا من طلب أمرًا من الرئاسة والولاية؛ فإنَّ عاقبةَ ذلك الخذلان، وقد قال ﷺ: «إِنَّا وَاللهِ لَا نُوَلِّي عَلَى هَذَا الْعَمَلِ أَحَدًا سَأَلَهُ، وَلَا أَحَدًا حَرَصَ عَلَيْهِ»[6].
8- (3) إذا أتتك المناصبُ طواعيةً من غير طلبٍ منك، فإن رأيتَ في نفسِك قوةً وأمانةً يُؤهلانك إلى قضاء حوائج النَّاس فلك أن تقبل ذلك محتسبًا، والله يعينك.
9- (3) على وليِّ الأمر أن يُحسن اختيار نُوَّابِه وعُمَّاله؛ فإنه مسؤولٌ عن أفعالهم.
10- (4) اليمين اللغو لا يؤاخذ به، فلا تشغل نفسك بما يسبق على لسانك من الأيمان من غير قصدٍ.
11- (4) إذا حلفت يمينًا على شيءٍ من الطاعات أو المعاصي أو المباحات، ثمَّ رأيتَ أنَّه يمنعك عن خيرٍ مما حلفت عليه؛ كأن تحلف على عدم الكلام اليومَ، ثم رأيت احتياج النَّاسِ إلى فتواك ووعظك، فكَفِّر عن يمينك وقدِّم الأهمَّ على المهم.
12- (4) الأصلُ في الأيمان أن يُوَفِّي الحالِف بما حلف، فلا يُحَنِّث نفسه إلا أن يكون السببُ مندوبًا إليه؛ فلو حلف لا يلبس هذا الثوب، فحِفْظُ اليمينِ أولى من التكفير عنه وإخلافه، قال سبحانه:
{وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ}
Refrance
- رواه مسلم (1825).
- رواه مسلم (1733).
- رواه أحمد (10940).
- رواه أحمد (22656).
- رواه مسلم (2965).
- رواه مسلم (1733).