فقهٌ:
1- أمر اللهُ سبحانه بالإحسان في كلِّ أمرٍ من الأمور، قال سبحانه:
{وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}
والإحسانُ: فِعْلُ الحَسَنِ، وذلك شاملٌ لجميع أمورِ الحياة؛ ففي العبادات: أن تعبدَ اللهَ سبحانه كأنك تراه، والإحسانُ إلى نفسك ألَّا تُلْجِئَها إلى النَّار، وألَّا تُحَمِّلْها ما لا تطيق، والإحسانُ إلى النَّاسِ أن تُخالِقَهم بأخلاق الإسلام؛ فلا تظلمُ أحدًا، ولا تهضم النَّاسَ حقوقَهم، وتعاملَهم بالحُسْنى فتقبل من مُحسنِهم وتُكافئه بالإحسان، وتصفح عن مُسِيئهم ولا تجازي السيئةَ بالسيئة.
والإحسانُ المأمورُ به نوعان: واجبٌ، وهو العدلُ والإنصافُ وإيتاءُ كلِّ ذي حقٍّ حقَّه، والقيامُ بما عليك من الواجبات. ومستحبٌّ وهو ما زاد على ذلك من بذلِ النَّفعِ البدنيِّ أو الماديِّ أو العلميِّ للنَّاس، وتوجيههم إلى ما ينفعهم في الدنيا والآخرة، وكلُّ معروفٍ صدقةٌ.
2- حتَّى إنَّ الإحسانَ ليجب في إزهاقِ الرُّوحِ، فلا يجوز سفكُ دمِ آدميٍّ مسلمًا أو كافرًا بغير وجه حقٍّ، بل إذا وجب قتلُه لَزم الإحسانُ في القتل؛ فلا يُعذَّب حتى الموت، ولا لا يُقتلُ بسُمٍّ أو يُضربُ في غير مقتلٍ ويترك حتى يموت، وإنما يُختار أسهلَ الطرق وأقلَّها إيلامًا عليه.
واستثنى الشرعُ من ذلك الساعي في الأرضِ فسادًا حين يُقام عليه حدَّ الحرابة؛ زجرًا وترهيبًا لغيره عن القيام بما قام به.
واستثنى كذلك القِصاصَ في القتل؛ حيث يُقتل القاتلُ بمثل ما فعل؛ فإنْ قَتَلَ بسقي السُّمِّ أو رميًا بالرصاصِ أو إلقاءً من شاهقٍ أو غير ذلك فُعِل به مثل ما فَعَل بالقاتل، قال سبحانه:
{وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ}
وقَتلَ يهوديٌّ جاريةً بالمدينة بحجرٍ، فأتى به النبيُّ ﷺ فرضخ رأسه بين حَجَرَين[1].
ومن الإحسان في القَتْلِ أيضًا ألَّا يُمَثَّل بجثة القتيل ولا يُنَكِّلَ به أو يتشفَّى منه؛ فإنَّ ذلك من الإسرافِ في القتل الذي نهى اللهُ سبحانه عنه بقوله:
{وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا}
3- كذلك يجب الإحسانُ في ذَبْحِ الحيوانِ، فلا يجوز ابتداءً ذبحُ حيوانٍ لغير مأكلةٍ، ولا يجوز اتخاذ الحيوان هدفًا يرميه النَّاس تسليةً أو مسابقةً، قال عبدُ اللهِ بن عمر رضي الله عنهما: «إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَعَنَ مَنِ اتَّخَذَ شَيْئًا فِيهِ الرُّوحُ غَرَضًا»[2]، ثُمَّ إذا أرادَ ذبح حيوانٍ فإنَّه يُحسن ذبحه، فلا يجرُّه إلى موضع الذبح جرًّا، ولا يذبحه بين الحيوانات، ولا يبدأ بسلخه وتقطيعه قبل أن يبرُد وتخرج روحُه، بل يفعل ما يساعد على إراحةِ الحيوانِ وإخراج روحه بسهولةٍ من غير إيلامٍ، فيُحِدُّ الشفرةَ أو السكين التي يذبحُ بها، ويتخيَّر الهيئة التي تُريحُها، ويقطع الوَدَجين والحلقوم والمريء حتى يُسَهِّل خروجَ الرُّوح، ثم يتركها إلى أن تبرد وتخرج الرُّوح تمامًا.
اتباعٌ:
1- (1) مِن أَجَلِّ أنواع الإحسانِ: الإحسانُ إلى مَن أساء إليك، ذكر اللهُ سبحانه أنها مرتبةٌ عظيمةٌ لا يصل إليها إلا مَن أوتي حظًّا عظيمًا من الإيمان والصبر. قال تعالى:
{ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34) وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ}
2- (1) الجزاءُ من جنس العمل، فأحسِن يُحسِن اللهُ تعالى إليك،
{هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ}
3- (1) من أنواعِ الإحسانِ الواجبِ: الإحسانُ إلى الأهل؛ بتقويمهم، والتلطُّف معهم، والقيام على شؤونهم، وتلمُّس حاجاتهم.
4- (1) من الإحسانِ الواجب على المسلم: أداءُ الواجباتِ وتركُ المنهيَّات؛ فيؤدي الواجبات كاملةً لا نقص في أركانها وواجباتها، وينتهي عن المُحَرَّمات وما يؤدي إليها من الوسائل.
5- (2) إذا كان الإنسانُ مأمورًا بالإحسان في قتلِ مَن وجب قتلُه، فلا شكَّ أنَّ حفظَ دماءِ النَّاس وتحريمَها، والسعيَ في حقنِها من أوجب أنواع الإحسان.
6- (2) مِن إحسان القِتْلةِ ألَّا نَسُبَّ المقتول في حدٍّ أو قصاصٍ، وقد قال ﷺ في شأن المرأة التي رُجمت في الزنا حين سبَّها خالدُ بنُ الوليدِ :
«مَهْلًا يَا خَالِدُ، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ تَابَتْ تَوْبَةً لَوْ تَابَهَا صَاحِبُ مَكْسٍ لَغُفِرَ لَهُ»[3].
7- (3) مِن إحسانِ الذَّبح أن يتولاه مَن يُحسن القيامَ به، ولا يقوم بذلك كلُّ أحدٍ.
8- (3) إذا هممتَ بالذبحِ فاشكر الله تعالى على ما أَوْلَاك من النِّعمة، حيث سخَّر لك من الأنعام ما لو شاء لسخَّره عليك.
9- (3) احرص على استخدام السكين الحادَّة، وأن تُنَحِّي الذبيحة عن سائر الحيوانات، وأن تتمكن منها بحيث لا تفرُّ منك عند الذَّبح فتتألم، وأن تُسرع في ذبحها ولا تريَها السكينَ قبل الذَّبح، وأن تقطع الوَدَجين والحلقوم والمريء فإنَّ ذلك أدعى إلى سرعة إخراج روحها.
10- قال الشاعر:
أَحْسِنْ إلى النَّاسِ تَسْتَعبِدْ قُلوبَهمُ = فَطَالَمَا اسْتَعْبَدَ الإنسانَ إِحسانُ
مَنْ جَادَ بالْمَالِ مَالَ النَّاسُ قاطبةً = إليه والمالُ للإنسانِ فتَّانُ
أَحْسِنْ إذا كان إمكانٌ ومَقْدِرَةٌ = فَلَنْ يَدُومَ على الإنسانِ إِمْكَانُ
References
- رواه البخاري (5295)، ومسلم (1672).
- رواه مسلم (1958).
- رواه مسلم (1695).