عن أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه  عَنِ النَّبِيِّ قَالَ: «إِذَا اقْتَرَبَ الزَّمَانُ، لَمْ تَكَدْ رُؤْيَا الْمُسْلِمِ تَكْذِبُ، وَأَصْدَقُكُمْ رُؤْيَا أَصْدَقُكُمْ حَدِيثًا، وَرُؤْيَا الْمُسْلِمِ جُزْءٌ مِنْ خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ، وَالرُّؤْيَا ثَلَاثَةٌ: فَرُؤْيَا الصَّالِحَةِ بُشْرَى مِنَ اللهِ، وَرُؤْيَا تَحْزِينٌ مِنَ الشَّيْطَانِ، وَرُؤْيَا مِمَّا يُحَدِّثُ الْمَرْءُ نَفْسَهُ، فَإِنْ رَأَى أَحَدُكُمْ مَا يَكْرَهُ، فَلْيَقُمْ فَلْيُصَلِّ، وَلَا يُحَدِّثْ بِهَا النَّاسَ»


فقه

  1. يخبر ﷺ أنَّ مع اقتراب القيامة تصدق رُؤى المسلم، فلا تكاد تكذب، والرؤيا الصادقة لها شأنٌ عظيم، فهي من بقايا النبوة كما

    قال ﷺ في مرضِ موته:

    «أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِنْ مُبَشِّرَاتِ النُّبُوَّةِ إِلَّا الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ، يَرَاهَا الْمُسْلِمُ، أَوْ تُرَى لَهُجامعُ أَدَبِ الرُّؤيا

    [1]

  2. ويكون أصدقُ النَّاسِ حديثًا حينئذٍ أصدقَهم رؤيا؛ فالمؤمن الصَّدُوق الذي يتحرى الصدقَ في حديثه تناله البشارة في الدنيا والآخرة، وكما كان صادقًا في يقظته يكون منامُه صادقًا كذلك، بخلاف الكاذب والفاسق؛ فإنَّ أكثر منامه يكون تخليطًا وأضغاثَ أحلام.

  3. وإنَّ الرؤيا الصالحة خصلةٌ من خصال النبوة؛ فإذا كان النبيُّ ﷺ لرفعة شأنه اختصَّه اللهُ سبحانه بخمسٍ وأربعين خصلةً، فإنَّ الرؤيا الصالحة إحدى تلك الخصال، وقد مكث ﷺ ستةَ أشهرٍ قبل أن ينزل عليه الوحي يرى الرؤيا فتأتي كفَلَقِ الصُّبحِ.

  4. ثم أخبر ﷺ أنَّ ما يراه الإنسانُ في منامه على ثلاثة أنواع؛ فإما أن يكون رؤيا صالحةً مبشرةً بالخير من الله تعالى أو مخبرةً ببعض أخبار الغيب الذي هو بعض ثمرات النبوة.

  5. وإما أن تكون حلمًا من الشيطان، وهي التي يراها الإنسان في حلمه فتصيبه بالهَمِّ والحزن، من الكوابيس والأشباح ونحو ذلك.

  6. أو تكونُ حديثًا من أحاديث النَّفس، وهو ما يتمنى الإنسانُ تحقيقَه في اليقظة؛ كأن يطمع في الغِنى فيرى في منامه أنه أصاب مالًا ونحو ذلك.

  7. ثم أرشد ﷺ أن المسلمَ إذا وجد ما يُحزنه من الأحلام والرؤى، فليقم ويتوضأ ويصلي للهِ سبحانه ما شاء، ثم لا يُخبر بها أحدًا؛ فإنَّها لن تضرَّه.

اتباع

  1. (1) الرؤيا الصادقة تكون من المؤمنٍ، وقد يرى الكافرُ والفاسقُ أحيانًا ما يصدق تعبيرُه، لكن أصدق الناس رؤيا هو المؤمن الحريص على الصدق في حديثه. 

  2. (2) ينبغي على المؤمن أن يتحرى الصدق في حياته كلها قولًا وفعلًا؛ فمتى استقامت حياته نالته البشريات في الدُّنيا والآخرة.

  3.  (3) احرص على أن تتحلَّى بإحدى خصال الأنبياء، فإذا تحلَّيتَ بالصِّدقِ أُوتيتَ خصلة الرُّؤى الصالحة.

  4. (4) الرؤيا الصالحة بشرى من اللهِ تعالى يُبَشِّر بها عباده،

وقد فسَّر ﷺ

قولَه تعالى: {لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [يونس: 64] بأنَّها «الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ، يَرَاهَا الْمُسْلِمُ، أَوْ تُرَى لَه»

[2]

5. (4) صلاحُ الرؤيا لا يعني أن تكونَ مبشرةً بالخير فحسب، بل قد تبدو فيها بعض الأخبار السيئة، من موتٍ أو مرضٍ أو مصيبةٍ تنزل على النفس أو الأهل، فالمقصود من صلاحِها أنَّها صالحةٌ للتأويل.

6. (4) إذا رأى مسلمٌ رؤيا تخيَّر مَن يُحسن تفسيرَها من أهل العلم المعروفين بالتقوى وحبِّ الخير للناس، ولا يخبر بها كارهًا أو عدوًّا.

7. (4) يجوز لمن وجد في نفسه القدرةَ على تعبير الرُّؤى أن يجالسَ النَّاسَ ويُؤول لهم ما رأوه

، كما كان ﷺ يفعل بعد صلاة الفجر؛ فقد كان يقول لأصحابه

: «هل رأى أحدٌ منكم الليلة رؤيا؟»

[3]

8. (4) إياك أن تعتمد على رؤياك، فتتكاسل عن الأعمال، بل اجتهد في الطاعات وأَبْشِر بما بشَّرك اللهُ تعالى به.

9. (5) ما كان من الأحلام فيه كوابيسٌ وأهوالٌ ونحو ذلك ولم تتحقق فيها صفات الرؤيا فلا عبرةَ بها، ولا تُفَسَّر؛ فإنها من الشيطان يريد أن يُضعف بها إيمانَ العبدِ ويصيبَه بالحزن والغَمِّ.

10. (6) من الطبيعي أن يرى الجائعُ في نومه طعامًا شهيًّا، والفقيرُ مالًا وكنوزًا وخيرًا، والطَّالبُ نتيجةَ امتحانه. وهذا كلُّه من حديث النَّفس الذي يدور في خلجات النَّفس في اليقظة.

11. (7) إذا رأى المسلمُ ما يسوؤُه في منامه؛ فإنه يُسَنُّ له أن يقوم فيُصَلِّي، ولا يُخبر أحدًا بما رآه.

12. (7) من آداب النبي ﷺ إذا رأى المسلمُ ما يزعجه: أن يستعيذ بالله تعالى ويتفل عن يسارِه ثلاثًا، وأن يحول نفسه إلى جنبه الآخر،

قال ﷺ:

«إِذَا رَأَى أَحَدُكُمُ الرُّؤْيَا يَكْرَهُهَا، فَلْيَبْصُقْ عَنْ يَسَارِهِ ثَلَاثًا، وَلْيَسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ ثَلَاثًا، وَلْيَتَحَوَّلْ عَنْ جَنْبِهِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ»

[4]

المراجع

  1. رواه مسلم (479).
  2.  رواه أحمد (23063)، وابن ماجه (3898)، والترمذيُّ (2273).
  3.  رواه أحمد (8296)، وأبو داود (5017)، والترمذيُّ (2294).
  4. رواه مسلم (2262).


مشاريع الأحاديث الكلية