عَنْ أَنَسٍ رضى الله عنه، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «مَا بُعِثَ نَبِيٌّ إِلَّا أَنْذَرَ أُمَّتَهُ الأعْوَرَ الكَذَّابَ، أَلا إِنَّهُ أَعْوَرُ، وَإِنَّ رَبَّكُمْ لَيْسَ بِأَعْوَرَ، وَإِنَّ بَيْنَ عَيْنَيْهِ مَكْتُوبٌ "كَافِرٌ"
عَنْ أَنَسٍ رضى الله عنه، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «مَا بُعِثَ نَبِيٌّ إِلَّا أَنْذَرَ أُمَّتَهُ الأعْوَرَ الكَذَّابَ، أَلا إِنَّهُ أَعْوَرُ، وَإِنَّ رَبَّكُمْ لَيْسَ بِأَعْوَرَ، وَإِنَّ بَيْنَ عَيْنَيْهِ مَكْتُوبٌ "كَافِرٌ"
اهتمَّ النبيُّ ﷺ كإخوانه من الأنبياء ببيان فتنة المسيح الدَّجَّال؛ لأنها شرُّ فتنةٍ على وجه الأرض،
قال ﷺ:
«مَا بَيْنَ خَلْقِ آدَمَ إِلَى أَنْ تَقُومَ السَّاعَةُ فِتْنَةٌ أَكْبَرُ مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ»
[1].
ولذلك لم يأتِ نبيٌّ إلا وحذَّر أُمَّته منه وبيَّن لهم فتنته، وإنَّما كان فِتْنَتُه أعظمَ فتنةٍ بسبب ما يَخلُق الله معه من الخَوارِق العظيمة التي تَبهَر العقول وتُحيِّر الألباب.
وسُمِّي بالمسيح لأنَّ إحدى عينيه ممسوحةٌ، وقيل لأنه يمسح الأرض أي يقطعها في أربعين يوما وسُمِّي بالدَّجال لما يُظهره من أعمال الدَّجل والكذب والخداع، فيدَّعي الألوهية، ويُجري الله على يده ما يبتلي به الخلقَ[2].
وقد أخبر ﷺ في أحاديث كثيرة عن أمْرِه ونزوله وطوافه الأرض - إلا مكة والمدينة فإنهما حرامٌ عليه -، وبيَّن أوصافه الشَّكْلِيَّة، وما يصنع المسلمُ إن لَقِيَه، إلى أن ذكر نزول عيسى ﷺ وصلاته خلف إمام المسلمين، ثم خروجه معهم للقاء الدَّجَّال وقتاله، حتى يقتله عند باب لُدٍّ في بيت المقدس، فخبر ظهور الدجال متواتر عن رسول الله ﷺ عن أكثر من أربعين صحابيًا، فهو ثابت نقلاً، ولا يوجد ما يمنعه عقلاً[3].
2. ثُمَّ أخبر ﷺ عن أهمِّ أوصافه الخَلْقِيَّة؛ وهو أن إحدى عينيه عوراء، والثانية جاحظة ناتئة عن وجهه، وعليها جلدة غليظة نابتة على مآقي العين، فكلُّ واحدة منهما عوراء، إحداهما بذَهابها، والأخرى بعَيبها[4].
وقد ذكر ﷺ من صفاته في الأحاديث الأخرى أنه شديد جعودة الشعر، قصيرٌ، جسيمٌ، كأنَّ عينَه عنبةٌ طافيةٌ[5].
3. ثُمَّ نزَّهَ النبيُّ ﷺ ربَّنا عن تلك الصفات؛ لما كان المسيح الدجال يدعي الألوهية، فالعَوَرُ من صفات النقص التي لا تنبغي في حق الله سبحانه. وكذلك سائر صفاتِ الدَّجال؛ فإنها صفاتٌ نقص إذا وُجدت مفردةً في الآدمي عيَّره الناسُ، فكيف إذا اجتمعت؟! ولله سبحانه المَثَلُ الأعلى، وصفاته كلها حُسْنَى.
4. ومن علامات الدَّجال كذلك أنه مكتوبٌ بين عينيه "كافرٌ"، يقرأها المسلمُ سواءً كان يعرف الكتابةَ أم أُمِّيًّا، لعموم قوله ﷺ: «يَقْرَؤُهُ كُلُّ مُسْلِم»[6]. فكلمة كل تدل على العموم، وهي كتابةً حقيقيَّةً، جعلها الله آيةً وعلامةً من جُملة العلامات القاطعة بكُفره وكَذِبه وإبطالِه، يُظهِرُها الله لكلِّ مسلم، ويُخفيها عمَّن أراد شَقاوتَه وفِتنتَه، ولا امتناع في ذلك"[7].
لم يترك النبيُّ ﷺ أُمَّتَه حتى جَلَّى لها حقيقة فتنة الدجَّال، وأرشدهم إلى ما يعصمهم من فتنته. فهو ﷺ لم يترك خيرًا إلا دلَّنا عليه، ولا شرًّا إلا حذَّر منه. وذلك يستوجب كمال محبته وطاعته وموالاته وتقديم سُنَّته على قول سائر الناس.
مما أخبر به ﷺ مما يعصم من فتنة المسيح الدَّجال حفظُ عشر آيات من أول سورة الكهف؛
قال ﷺ:
«مَنْ حَفِظَ عَشْرَ آيَاتٍ مِنْ أَوَّلِ سُورَةِ الْكَهْفِ عُصِمَ مِنَ الدَّجَّالِ»
[8]،
وفي حديث النَّوَّاسِ بن سمعان رضى الله عنه أن النبيَّ ﷺ قال:
«فَمَنْ أَدْرَكَهُ مِنْكُمْ، فَلْيَقْرَأْ عَلَيْهِ فَوَاتِحَ سُورَةِ الْكَهْفِ»
[9].
كان النبيُّ ﷺ حريصًا على الاستعاذة في كلِّ صلاة من فتنة الدَّجَّال؛
فعن عائشةَ رضي الله عنها أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَانَ يَدْعُو فِي الصَّلَاةِ:
«اللهم إني أعوذُ بكَ من عذاب القبر، وأعوذُ بك مِن فِتنة المسيح الدَّجَّال، وأعوذُ بك مِن فتنة الْمَحْيا والممات، اللهم إني أعوذُ بك من المأثَم والْمَغْرَم»
[10].
فإذا كان ذلك هو حال الرسول ﷺ، فينبغي علينا أن نُكثر من التعوِّذ بالله تعالى من فتنة المسيح الدجال.
على المعلم والداعية أن ينتهج نهج الأنبياء وأن يحذر الناس من الفتن الظاهرة والباطنة.
بين النبي ﷺ أن الله يعصم المؤمنين من فتنة الدجال فيلهمهم قراءة كلمة (كافر) بين عينيه دون غيرهم، فأعظم ما يعصم المؤمن من الدجال هو أن يزيد إيمانه ويثبت عليه.