عنْ أَبي سَعيدٍ وأَبي هُرَيْرة - رضيَ اللَّه عَنْهُمَا - عن النَّبيِّ قَالَ: «مَا يُصِيبُ الْمُسْلِمَ مِنْ نَصَبٍ وَلا وَصَبٍ وَلا هَمٍّ وَلا حَزَنٍ وَلا أَذًى وَلا غمٍّ، حتَّى الشَّوْكَةُ يُشَاكُها، إِلَّا كفَّر اللَّه بهَا مِنْ خطَايَاه»

فوائد الحديث

الفوائد العلمية
  1. في هذا الحديث بيان صورة من صور فضل الله - عزَّ وجلَّ - على عباده، حيث يبيِّن أنه ما يُصيب المسلمَ من ابتلاءٍ، أيًّا كانت صورتُه، فإن الله تعالى يكفِّر به من سيِّئاته.

  2. في الحديث بيان أن ما يُصيب المسلمَ من الأوجاع - مهما قلَّت - يكون سببًا في غفران ذنوبه ومَحْوِها، وهذا من تطهير الله تعالى للمؤمن بما يَبتَليه به من أمور الدنيا؛ حتى يُنقِّيَه من ذنوبه، فيلقى الله خاليًا منها، فيُنعِم عليه من فضله.

  3. المرادُ بتكفير الذنب: سَتْرُه، ومحوُ أثره المترتِّب عليه من استحقاق العقوبة[1].

  4. في الحديث إشارةٌ إلى أن الأمراض ونحوَها تَرفَع الدرجاتِ، كما تَحُطُّ الخطيئاتِ، فتجمع بين الاثنين.

  5. في الحديث إشارةٌ إلى أنّ السّالك إن عَجَز عن مرتبة الرّضا، وهي التّلذُّذ بحلاوة البلاء، أن لا يفوته تجرُّع مرارة الصّبر في حبِّ الْمَولى؛ فإنّه وَرَد: الْمُصاب من حُرِم الثّواب[2].

  6. قيل: إن الهمَّ يَنشَأ عن الفِكر فيما يُتوقَّع حصوله مما يُتَأذَّى به، والحَزَنُ يَحدُث لفَقْدِ ما يشقُّ على المرء فَقْدُه، والغمُّ كَرْبٌ يَحدُث للقلب بسبب ما حصل[3]

  7. «حَتَّى الشَّوْكَةُ يُشاكها»؛ أي: يُصاب بها، وحقيقةُ قوله: (يُشاكها) أن يُدخِلها غيرُه في جَسَده[4].

  8. الأذى كُلُّ ما لا يلائِم النفسَ؛ فهو أَعَمُّ من الكُلِّ، والظاهر أنه مُخْتَصٌّ بما يتأذَّى الإنسان من غيره كما أشار إليه

    قوله تعالى:

    لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا ۚ

     [آل عمران: 186] [5].


  9. الغَمُّ هو الحُزْن الّذي يَغُمُّ الرّجل؛ أي: يُصيِّره بحيث يَقرُب أن يُغمى عليه، فالهمُّ والحَزَن ما يُصيب القلبَ من الألم بفَوْت محبوب، إلّا أنّ الغمَّ أَشَدُّها، والحَزَن أسهلُها[6].

  10. روى التّرمذيُّ أنّ وكيعًا قال: لم يُسمَع في الهمِّ أن يكون كفَّارةً إلّا في هذا الحديث[7].

  11. «إِلَّا يُكَفِّرُ اللَّهُ بِهِ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ»: ظاهره تعميم جميع السَّيِّئَاتِ؛ لكن الجمهور خَصُّوا ذلك بالصغائر؛ لحديث: «الصلواتُ الخمسُ، والجُمُعة إلى الجُمُعة، ورمضان إلى رمضان، كفَّاراتٌ لما بينهن ما اجتُنبت الكبائر»[8]، فحملوا الْمُطلَقاتِ الواردةَ في التفكير على هذا الْمُقَيَّد[9]

المراجع

  1.  "طرح التثريب في شرح التقريب" للعراقيِّ (3/ 238).
  2. "مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح" للملا علي القاري (3/ 1128).
  3. شرح القسطلانيِّ على صحيح البخاريِّ (8/ 340).
  4. "إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري" للقسطلانيِّ (8/ 341).
  5. "مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح" للملا علي القاري (3/ 1128).
  6. مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح" للملا علي القاري (3/ 1128).
  7. مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح" للملا علي القاري (3/ 1128).
  8.  رواه مسلم (233).
  9. "تحفة الأحوذي" للمباركفوري (4/ 35).


الفوائد اللغوية


12 .  «مَا يُصِيبُ الْمُسْلِمَ مِنْ نَصَبٍ، وَلَا وَصَبٍ، وَلَا هَمٍّ، ولا غمٍّ، وَلَا حَزَنٍ»: (مَا) نَافِيَةٌ، وَ(مِن) زَائِدَةٌ لتأكيد المعنى وتقويته؛ أي: لا يُصيبُ المسلمَ نَصَبٌ ولا وَصَبٌ ولا همٌّ ولا غمٌّ ولا حزنٌ. فإعراب (نَصَبٍ): فاعل مجرور لفظًا بمن الزائدة، مرفوع محلًّا على أنه فاعل. (ولَا) المتكرِّرة: حرفُ نفيٍ لا محلَّ له من الإعراب؛ لِتَأْكِيدِ النَّفْيِ فِي كُلِّهَا، والمعطوفات يجوز عطفها على اللفظ بالجرِّ، أو على المحلِّ بالرفع.

13. الفرق بين حرف الجرِّ الأصليِّ، والزائد، والشَّبِيهِ بالزائد؛ كالتالي: حرفُ الجرِّ الأصليُّ: لا يُمكِن إسقاطه من الكلام وإلا اختلَّ المعنى والسياق، وله متعلَّق كالفعل أو الشبيه به من المشتقَّات، ويفيد معنى مع الاسم المجرور بعده؛ مثل: محمدٌ في البيت، مررتُ بأحمدَ.

14 . حرف الجرِّ الزائد: هو حرف يمكِن إسقاطه دون اختلال السياق، وهو حرفٌ لا يفيد معنى خاصًّا مع مجروره، وليس له متعلَّق، ويُذكَر في السياق لتأكيد المعنى وتقويته، ويسبقه غالبًا نفيٌ أو نهيٌ أو استفهام؛ مثل (بحسب ابن آدم)؛ أي: حسبُ ابنِ آدم، و(أليس الله بكاف عبده)؛ أي: أليس الله كافيًا عبده، و(كفى بالله شهيدًا)؛ أي: كفى اللهُ شهيدًا.

15 . حرف الجرِّ الشبيه بالزائد: هو حرفٌ له معنًى، ولو أُسقط من السياق يظلُّ المعنى والعمل كما هو، وليس له متعلَّق؛ مثل: "رُبَّ" للتقليل، و"لعلَّ" للترجِّي عند عَقِيلٍ، حيث يستعملونها حرفَ جرٍّ، مخالفين بقية العرب في استعمالها ضمن أخوات (إنَّ)؛ مثل: (ربَّ أشعثَ أغبرَ..)، ربَّ رجلٍ كريم في البيت. فأشعث: مجرور لفظًا بالفتحة لأنه ممنوع من الصرف مرفوع محلًّا على أنه مبتدأ، ورجل: مجرور لفظًا بالكسرة مرفوع محلًّا، ومثل: (وليلٍ كموج البحر أرخى سدوله): الواو: واو ربَّ، وليل: مجرور بـ(ربَّ) المحذوفة لفظًا في محل رفع مبتدأ.

16. النَّصَب: التَّعَب، والوَصَبُ: هو دَوَامُ الوجع ولزومه[1].

17. الهمُّ والحَزَن: هما من أمراض الباطن؛ ولذلك ساغ عطفهما على الوَصَب، والهمُّ هو الحَزَن الذي يُذيب الإنسان، والحَزَن: خشونةٌ في النفس لِما يَحصُل فيها من الغَمِّ، فعلى هذا؛ الهمُّ أخصُّ وأبلغ من الحَزَن[2]. وقيل: الهمُّ يختصُّ بما هو آتٍ، والحُزْنُ بما مضى[3]

18. «ولا حَزَن»: بفتح الحاء والزاي، ويجوز ضمُّ الحاء وتسكين الزاي (حُزْن).

19. «ولا أذًى» يَلحَقُه من تعدِّي الغَير عليه، «ولا غَمٍّ» وهو ما يضيِّق على القلب[4]

20 . «حَتَّى الشَّوْكَةُ»: الأقوى هنا بالنسبة للمعنى أن تكون (حتى) عاطفة؛ حيث يُشترط في المعطوف بحتَّى أن يكون بعضًا مما قَبْلَه، وغايةً له في زيادة أو نقص؛ ففي الزيادة نحو: مات الناسُ حتى الأنبياءُ (أي: غاية في السُّموِّ) وفي النقص: حتى الشوكة (غاية في القلَّة)، ومن ثمَّ فالشوكة معطوفة مثل سابقيها على اللفظ بالجرِّ أو المحلِّ بالرفع. وهناك وجه أن تكون (حَتَّى) ابتدائيةً؛ بمعنى أن الكلام انتهى قبلها ونبتدئ بها جملة جديدة، تكون (الشوكة) مبتدأ مرفوعًا، وجملة (يُشاكها) خبرها، والجملة من المبتدأ والخبر لا محلَّ لها من الإعراب لأنها ابتدائية، أو ننصب (الشوكة) على أنها مفعول به لفعل محذوف تقديره (يَجِدَ)، وجملة (يُشاكها) في محلِّ نصب حال من (الشوكة)، والجملة الفعلية لا محل لها من الإعراب. وهناك وجه أن تكون (حتى) للغاية، حرف جرٍّ بمعنى (إلى) و(الشوكة) اسم مجرور بحتى، وجملة (يشاكها) في محل نصب حال من (الشوكة). أما أقوى الوجوه فهو جعل (حتى) عاطفة لما تفيده من معنى الغاية في القلَّة المقصودة من الحديث.

21. (الشَّوْكَة) يجوز جعلها النبات، ويجوز جعلها اسم مرَّة على وزن (فَعْلة)، والمعنى: يُشاك هو الشوكةَ، فعلى جعلها النبات، إعراب (ها) العائد عليها: ضمير مبنيٌّ على السكون في محل نصب مفعول به ثانٍ. وعلى جعلها اسم مرَّة، إعراب (ها): ضمير مبنيٌّ على السكون في محل نصب نائب عن المفعول المطلَق (المصدر).

22 .«إِلَّا كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا»: (بها): الباء للسببية؛ أي: بِسَبَبِهَا، أو للعِوَض؛ أَيْ: بعِوَضها أو بِمُقابَلتها. «مِنْ خَطَايَاهُ»؛ أَيْ: بعضِها، والاستثناء من أَعَمِّ الأحوال الْمُقَدَّرَة، وجملة (كفَّر) في محل نصب حال.

المراجع

  1.  "النهاية في غريب الحديث والأثر" لابن الأثير (5/ 190).
  2.  "الميسر في شرح مصابيح السنة" للتوربشتيِّ (2/ 373)، "فتح الباري" لابن حجر (10/ 106).
  3.  "الميسر في شرح مصابيح السنة" للتوربشتيِّ (2/ 373)، "فتح الباري" لابن حجر (10/ 106).
  4.  "شرح القسطلانيِّ على صحيح البخاريِّ (8/ 340).

مشاريع الأحاديث الكلية