عن أنس رضي الله عنه قال: قَدِمَ رسولُ الله ﷺ المدينةَ ولهم يومانِ يَلعبون فيهما، فقال: «ما هذانِ اليومانِ؟!» قالوا: كنا نلعَب فيهما في الجاهلية، فقال رسول الله ﷺ: «إن الله قد أبدلَكم بهما خيرًا منهما؛ يومَ الأضحى، ويومَ الفِطر»

عناصر الشرح

المعنى الإجماليُّ للحديث:

قال أنس  رضي الله عنه : (قَدِمَ رسولُ الله ﷺ المدينةَ)؛ أَيْ: من مَكَّةَ بعد الهِجرة. (ولهم)؛ أي: لأهل المدينة. (يومانِ يَلعبون فيهما): هما يوما النَّيْرُوزِ وَالْمِهْرَجَانِ، كانا من أعياد الجاهلية. فقال ﷺ: «ما هذانِ اليومانِ؟!»، هذا استفهامٌ إنكاريٌّ، يُنكر ﷺ ما رآه من انهماك المسلمين في الاحتفال واللعب في أيام الجاهلية وأعيادها.

قالوا: كنا نلعَب فيهما في الجاهلية، فقال رسول الله ﷺ: «إن الله قد أبدلَكم بهما خيرًا منهما»؛ أي: إن الله جعل لكم بدلهما خيرًا منهما، وهذا يَقتضي تَرْك الْمُبْدَل منه، فلا خَيْرَ فيهما؛ إذ لا يُجمَع بينهما. «يوم الأضحى، ويوم الفِطر»، هما يوم عيد النحر، ويوم عيد الفطر.

الشرح المفصَّل للحديث:

في هذا الحديث بيانُ قاعدة من قواعد الولاء والبَراء، وهي عدم جواز الاحتفال بأعيادِ غير المسلمين، وأن في يومَيِ الفِطر والأضحى غنًى عنها.

فقول أنس رضى الله عنه: (ولهم يومانِ يَلعبون فيهما)، هما يوما النَّيْرُوزِ وَالْمِهْرَجَانِ، كانا من أعياد الجاهلية[1]

وقوله رضى الله عنه: «ما هذانِ اليومان؟!» استفهامٌ إنكاريٌّ منه ﷺ لما رأى من انهماك المسلمين في الاحتفال واللعب في أيام الجاهلية وأعيادها([2]

وقوله: «أبدلَكم بهما خيرًا» دليلٌ على تحريم الاحتفال بتلك الأعياد؛ فإن الإبدال من الشيء يَقتضي تَرْك الْمُبْدَل منه؛ إذ لا يُجمَع بينهما؛ كما في

قوله تعالى:

﴿فَبَدَّلَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ قَوۡلًا غَيۡرَ ٱلَّذِي قِيلَ لَهُمۡ﴾

[البقرة: 59]،

وقوله تعالى:

﴿وَلَا تَتَبَدَّلُواْ ٱلۡخَبِيثَ بِٱلطَّيِّبِۖ﴾  

[النساء: 2]،

وقوله تعالى:

﴿أَفَتَتَّخِذُونَهُۥ وَذُرِّيَّتَهُۥٓ أَوۡلِيَآءَ مِن دُونِي وَهُمۡ لَكُمۡ عَدُوُّۢۚ بِئۡسَ لِلظَّـٰلِمِينَ بَدَلٗا﴾

[الكهف: 50]،

وقوله عزَّ وجلَّ:

﴿وَبَدَّلۡنَٰهُم بِجَنَّتَيۡهِمۡ جَنَّتَيۡنِ ذَوَاتَيۡ أُكُلٍ خَمۡطٖ وَأَثۡلٖ وَشَيۡءٖ مِّن سِدۡرٖ قَلِيلٖ﴾

[سبأ: 16].

فذِكْر الإبدال يقتضي تَرْك الْمُبدَل منه، خاصَّةً مع قوله : «خيرًا منهما»[3]

ويشهَد لهذا التحريم أن هذَين العيدَين قد انْمَحى أثرُهما في الإسلام، فلم يبقَ لهما ذِكْر في عهد النبيِّ  ولا في عهد الخلفاء الراشدين، ولو لم يكُن قد نهى الناسَ عن اللعب فيهما ونحوه مما كانوا يفعلونه، لكانوا قد بقُوا على العادة؛ إذ العاداتُ لا تُغَيَّر إلا بمُغَيِّر يُزيلها، لا سيَّما أن طباع النساء والصبيان وكثير من الناس مُتشوِّفةٌ إلى اليوم الذي يتَّخِذونه عيدًا للبطالة واللعب[4]

وقوله: «قد أبدلَكم بهما خيرًا منهما؛ يومَ الأضحى ويوم الفطر» دليلٌ على إباحة اللعب في يومَيِ العيد، والمراد به اللعبُ الْمُباحُ في الشريعة، مما يُمدَح به، أو ما لا يكون فيه إثمٌ[5]

وعن عائشة رضي الله عنها، قالت:

دخل رسول الله ﷺ وعندي جاريتانِ تُغنِّيانِ بغِناء بُعَاث، فاضطجع على الفراش، وحوَّل وجهَه، فدخل أبو بكر فانتهَرَني، وقال: مِزمارُ الشيطان عند رسول الله ﷺ؟! فأقبلَ عليه رسولُ الله ﷺ، فقال: «دَعْهما»، فلما غفَل غمزتهما فخرَجَتا، وكان يوم عيد يلعَب السُّودان بالدَّرَق والحِراب، فإما سألتُ رسول الله ﷺ، وإما قال: «تَشتَهين تَنظُرين؟» فقلتُ: نعمْ، فأقامني وراءَه، خَدِّي على خَدِّه، وهو يقول: «دونَكم يا بَني أَرْفِدةَ» حتى إذا مَلِلتُ، قال: «حسبُكِ؟» قلتُ: نعمْ، قال: «فاذْهَبي»

[6]

وزاد أحمدُ:

قال رسول الله ﷺ يومئذ: «لتعلمَ يهود أن في ديننا فُسحةً؛ إني أُرسِلتُ بحنيفيَّة سَمْحة»

[7]

المراجع

  1.  انظر: "المفاتيح في شرح المصابيح" للمظهريِّ (2/ 342).
  2.  انظر: "شرح سنن أبي داود" لابن رسلان (5/ 665).
  3.  انظر: "اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم" لابن تيمية (1/ 486).
  4.  انظر: "اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم" لابن تيمية (1/ 488).
  5.  انظر: "شرح سنن أبي داود" لابن رسلان (5/ 666).
  6.  رواه البخاريُّ (949، 950)، ومسلم (829).
  7.  أخرجه أحمد (25962)، وصحَّحه الألباني في "سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها" (4/ 443).

النقول

قال ابن رجب رحمه الله: "والعيد الثاني: عيد النحر، وهو أكبر العيدين، وأفضلهما، وهو مترتِّب على إكمال الحج"[1]

قال ابن تيمية رحمه الله: "فإن ذَيْنِكَ اليومين الجاهليين قد ماتا في الإسلام، فلم يَبْقَ لهما أثر على عهد رسول الله ، ولا عهد خلفائه، ولو لم يكن قد نهى الناس عن اللعب فيهما ونحوه مما كانوا يفعلونه، لكانوا قد بَقُوا على العادة؛ إذ العاداتُ لا تُغيَّر إلا بمغيِّر يزيلها، لا سيَّما وطباع النساء والصبيان وكثير من الناس متشوِّفة إلى اليوم الذي يتَّخِذونه عيدًا للبطالة واللعب؛ ولهذا قد يَعجِز كثير من الملوك والرؤساء عن نقل الناس عن عاداتهم في أعيادهم؛ لقوَّة مقتضيها من نفوسهم، وتوفُّر هِمم الجماهير على اتِّخاذها، فلولا قوَّةُ المانع من رسول الله لكانت باقيةً، ولو على وجه ضعيف، فعُلم أن المانع القويَّ منه كان ثابتًا، وكلُّ ما منع منه الرسول منعًا قويًّا كان محرَّمًا؛ إذ لا يعني بالمحرَّم إلا هذا" [2]

قال بدر الدين العينيُّ رحمه الله: "وكانت أهل الجاهلية يلعبون في يومين كلَّ سنة، ويعملون ما لا يَرضى به الله تعالى، فلمَّا ظهر الإسلام، أبدل الله منهما هذين اليومين اللذينِ يظهر فيهما تكبيرُ الله تعالى وتحميده وتوحيده، ظهورًا شائعًا يَغِيظ المشركين، وقيل: إنهما يقعان شكرًا على ما أنعم به من أداء العبادات التي وَقتَهَا، فعيدُ الفطر شُكرًا لله تعالى على إتمام صوم رمضان، وعيد الأضحى شكرًا لله تعالى على العبادات الواقعة في العشر، وأعظمُها إقامةُ وظيفة الحجِّ"[3]

قال الْمُلَّا علي القاري رحمه الله: "عن أنس قال: (قدم النّبيُّ  المدينة)؛ أي: من مكّة بعد الهجرة. (ولهم) قال الطّيبيُّ: أي: لأهل المدينة، ولولا استدعاء الرّاجع من الحال؛ أعني: ولهم، لكانت لنا مندوحة عن التّقدير. اهـ. يعني: ولقلنا: للأنصار أو للأصحاب. (يومان يلعبون فيهما)، وهما: يوم النّيروز، ويوم الْمِهرجان. كذا قاله الشُّرّاح. وفي القاموس: النَّيروز: أوّل يوم السّنة، معرَّب نَوْروز. قدِّم إلى عليٍّ - رضي اللّه عنه - شيء من الحلاوي، فسأل عنه، فقالوا: للنَّيروز. فقال: نيروزنا كلَّ يوم. وفي المهرجان قال: مِهْرجاننا كلَّ يوم. اهـ. والنَّوْروز مشهور، وهو أوّل يوم تتحوّل الشّمس فيه إلى بُرج الحَمَل، وهو أوّل السّنة الشّمسيّة، كما أنّ غُرّة شهر المحرّم أوّل السّنة القمريّة. وأمّا مِهرجان، فالظّاهر بحُكم مقابلته بالنّيروز أن يكون أوّل يوم الميزان، وهما يومان معتدلان في الهواء، لا حرٌّ ولا برد، ويستوي فيهما اللّيل والنّهار، فكأنّ الحكماء المتقدّمين المتعلّقين بالهيئة اختاروهما للعيد في أيّامهم، وقلَّدَهم أهل زمانهم؛ لاعتقادهم بكمال عقول حكمائهم، فجاء الأنبياء، وأبطلوا ما بنى عليه الحكماء"[4]

قال ابن تيمية رحمه الله: "ولهذا أنزل الله هذه الآية[5] في أعظم أعياد الأمَّة الحنيفية؛ فإنه لا عيد في النوع أعظمُ من العيد الذي يجتمع فيه المكان والزمان، وهو عيد النحر، ولا عين من أعيان هذا النوع أعظم من يوم كان قد أقامه رسولُ الله بعامَّة المسلمين"([6]).

قال الْمُلَّا علي القاري رحمه الله: "فقال: «ما هذان اليومان؟!» قالوا: (كنّا نلعب فيهما)؛ أي: في اليومين. (في الجاهليّة)؛ أي: في زمن الجاهليّة قبل أيّام الإسلام. فقال رسول اللّه : «قد» للتّحقيق. «أبدلكم اللّه بهما خيرًا»: الباء هنا داخلة على المتروك، وهو الأفصح؛ أي: جعل لكم بدلًا عنهما خيرًا. «منهما»؛ أي: في الدّنيا والأخرى، وخيرًا ليست أفعل تفضيل؛ إذ لا خيريّة في يومَيْهما. «يوم الأضحى ويوم الفطر» وقدَّم الأضحى؛ فإنّه العيد الأكبر، قاله الطّيبيُّ. نُهِيَ عن اللّعب والسُّرور فيهما؛ أي: في النّيروز والْمِهرجان، وفيه نهاية من اللُّطْف، وأمر بالعبادة؛ لأنّ السُّرور الحقيقيَّ فيها.

قال اللّه تعالى:

﴿قُلۡ بِفَضۡلِ ٱللَّهِ وَبِرَحۡمَتِهِۦ فَبِذَٰلِكَ فَلۡيَفۡرَحُواْ هُوَ خَيۡرٞ مِّمَّا يَجۡمَعُونَ﴾

[يونس: 58].

قال المظهر: فيه دليل على أنّ تعظيم النّيروز والمهرجان وغيرهما - أي: من أعياد الكفّار - منهيٌّ عنه. قال أبو حفص الكبير الحنفيُّ: من أهدى في النّيروز بيضةً إلى مشرك تعظيمًا لليوم فقد كفر باللّه تعالى، وأحبط أعماله. وقال القاضي أبو المحاسن الحسن بن منصور الحنفيُّ: من اشترى فيه شيئًا لم يكن يشتريه في غيره، أو أهدى فيه هديّةً إلى غيره، فإن أراد بذلك تعظيم اليوم كما يعظِّمه الكفرة، فقد كفر، وإن أراد بالشّراء التّنعُّم والتّنزُّه، وبالإهداء التّحابَّ؛ جريًا على العادة، لم يكن كفرًا؛ لكنّه مكروه كراهة التّشبُّه بالكفرة، حينئذ فيُحترز عنه. اهـ"[7]

قال ابن تيمية رحمه الله: "أفضل أيّام الأسبوع يومُ الجمعة باتِّفاق العلماء، وأفضل أيّام العام هو يومُ النّحر، وقد قال بعضهم: يومُ عرفة، والأوّل هو الصّحيح؛ لأنّ في السُّنن عن النّبيِّ أنّه قال: «أفضل الأيّام عند اللّه يوم النّحر، ثمّ يوم القَرِّ[8]»[9] لأنّه يوم الحجِّ الأكبر في مذهب مالك والشّافعيِّ وأحمدَ؛ كما ثبت في الصّحيح عن النّبيِّ  أنّه قال: «يومُ النّحر هو يوم الحجِّ الأكبر»[10]. وفيه من الأعمال ما لا يُعمَل في غيره؛ كالوقوف بمزدلفة، ورمي جمرة العقبة وحدها، والنّحر، والحَلق، وطواف الإفاضة، فإنّ فعل هذه فيه أفضل بالسّنَّة، واتّفاق العلماء، واللّه أعلم"[11]

قال ابنُ بطَّال رحمه الله: "أَجمَع الفقهاء على أنّ العيد لا تصلَّى قبل طُلوع الشّمس، ولا عند طلوعها؛ وإنّما تجوز عند جواز النّافلة"[12]

قال ابن قدامة رحمه الله: "ويُظهرون التّكبير في ليالي العيدين، وهو في الفطر آكَدُ؛

لقول اللّه تعالى:

﴿وَلِتُكۡمِلُواْ ٱلۡعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَىٰكُمۡ وَلَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ﴾

[البقرة: 185]،

وجملتُه أنّه يُستحبُّ للنّاس إظهار التّكبير في ليلتَيِ العيدين في مساجدهم ومنازلهم وطُرقهم، مسافرين كانوا أو مقيمين"[13]

قال ابن تيمية رحمه الله: "ولهذا رجَّحنا أنّ صلاة العيد واجبة على الأعيان كقول أبي حنيفة وغيره، وهو أحد أقوال الشّافعيِّ، وأحد القولين في مذهب أحمد. وقول من قال: لا تجب، في غاية البُعد؛ فإنّها من أعظم شعائر الإسلام، والنّاس يجتمعون لها أعظم من الجمعة، وقد شُرع فيها التّكبير. وقول من قال: هي فرض على الكفاية، لا ينضبط؛ فإنّه لو حضرها في الْمِصر العظيم أربعون رجلًا، لم يحصل المقصود؛ وإنّما يحصل بحضور المسلمين كلِّهم كما في الجمعة"[14]

قال البخاريُّ رضى الله عنه: "بابُ مَن خَالَف الطريق إذا رجع يومَ العيد"، ثم ذكر الحديث:

عن جابرِ بنِ عبد اللَّه رضي اللَّه عنهما، قال:

«كَانَ النَّبِيُّ ﷺ إِذَا كَانَ يَوْمُ عِيدٍ خَالَفَ الطَّرِيقَ»

[15]

قال ابن حجر رحمه الله: "وفي هذا الحديث من الفوائد مشروعيّة التّوسعة على العيال في أيّام الأعياد بأنواع ما يحصل لهم بَسْط النّفس، وترويح البدن من كَلَف العبادة، وأنّ الإعراض عن ذلك أولى، وفيه أنّ إظهار السُّرور في الأعياد من شعار الدّين"[16]

 

المراجع

  1.  "لطائف المعارف" لابن رجب (ص 276).
  2.  انظر: "اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم" لابن تيمية (1/ 488).
  3.  "شرح سنن أبي داود" لبدر الدين العينيِّ (4/ 477).
  4.  "مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح" للملا علي القاري (3/ 1069).
  5. آية ﴿اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ﴾ [المائدة: 3].
  6.  "اقتضاء الصراط المستقيم" لابن تيمية (1/ 542). .
  7.  "مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح" للملا علي القاري (3/ 1069).
  8.  يوم القرّ: أول أيام التشريق، وهو يوم الحادي عشر من ذي الحجة.
  9.  أخرجه أحمد (19075)، وأبو داود (1765)، وابن خزيمة (2866)، وصحّحه الألبانيّ في "صحيح أبي داود" (1549).
  10.  أخرجه البخاريّ (3177)، ومسلم (1347).
  11. "مجموع الفتاوى" (25/ 288).
  12.  "فتح الباري" لابن حجر (2/ 457).
  13.  المغني (3/255).
  14.  "مجموع الفتاوى" (23/ 161، 162).
  15.  صحيح البخاري (2/ 23)، (986).
  16.  "فتح الباري" لابن حجر (2/ 443).

مشاريع الأحاديث الكلية