عَنْ أَنَسِ بْن مَالِكٍ رضى الله عنه، أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: «العَبْدُ إِذَا وُضِعَ فِي قَبْرِهِ، وَتَوَلَّى وَذَهَبَ أَصْحَابُهُ حَتَّى إِنَّهُ لَيَسْمَعُ قَرْعَ نِعَالِهِمْ، أَتَاهُ مَلَكَانِ، فَأَقْعَدَاهُ، فَيَقُولانِ لَهُ: مَا كُنْتَ تَقُولُ فِي هَذَا الرَّجُلِ مُحَمَّدٍ ﷺ؟ فَيَقُولُ: أَشْهَدُ أَنَّهُ عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ، فَيُقَالُ: انْظُرْ إِلَى مَقْعَدِكَ مِنَ النَّارِ أَبْدَلَكَ اللَّهُ بِهِ مَقْعَدًا مِنَ الجَنَّةِ، قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: فَيَرَاهُمَا جَمِيعًا، وَأَمَّا الكَافِرُ - أَوِ المُنَافِقُ - فَيَقُولُ: لا أَدْرِي، كُنْتُ أَقُولُ مَا يَقُولُ النَّاسُ، فَيُقَالُ: لا دَرَيْتَ وَلا تَلَيْتَ، ثُمَّ يُضْرَبُ بِمِطْرَقَةٍ مِنْ حَدِيدٍ ضَرْبَةً بَيْنَ أُذُنَيْهِ، فَيَصِيحُ صَيْحَةً يَسْمَعُهَا مَنْ يَلِيهِ إِلَّا الثَّقَلَيْنِ». 

فوائد الحديث

الفوائد العلمية


  1. في الحديث دليل على أن القبر أوَّلُ منازل الآخرة، في السؤال والحساب، وفي الثواب أو العقاب، فهو حَدٌّ فاصل بين الدنيا بانقطاعها، والآخرة بالإقبال عليها.

  2. في الحديث تصوير لنعيم القبر بالنسبة للمؤمن، ولعذاب القبر بالنسبة للكافر والمنافق في عالم الغيب.

  3. في الحديث إظهارُ فضل الله تعالى على عباده المؤمنين الصالحين في تنعيمهم في الحياة البرزخِيَّة، وإذلالُ وتعذيب الْمُكذِّبين العاصين.

  4. قَوْله: «ملكان»، وهما الْمُنكَر والنكير، كَمَا فسِّر فِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة وَغَيره، وَإِنَّمَا سُمِّيا بِهَذَا الاسم لِأَن خَلقَهما لَا يُشبه خَلق الْآدَمِيّين، وَلَا خَلق الْمَلَائِكَة، وَلَا خلق الْبَهَائِم، وَلَا خلق الْهَوَام؛ بل لَهما خَلْقٌ بديع، وَلَيْسَ فِي خِلْقَتيهما أُنْسٌ للناظرين إِلَيْهِمَا، جَعلهمَا الله تَكرِمةً لِلْمُؤمنِ لتثبِّتَه وتبصِّره، وهتكًا لسِتر الْمُنَافِق فِي البرزخ من قَبْلِ أَن يُبْعَث حَتَّى يحلَّ عَلَيْهِ الْعَذَاب، وسُمِّيَا أَيْضًا: فتَّانا الْقَبْر؛ لِأَن فِي سؤالهما انتهارًا، أَو فِي خُلقهما صعوبة[1].

  5. «فيقولان له: ما كنت تقول في هذا الرجل، محمد؟» ولم يقولا: ما تقول في هذا النبيِّ؟ أو غيره من ألفاظ التعظيم؛ لقصد الامتحان للمسؤول، إذ ربما تلقَّن تعظيمه من ذلك؛ ولكن

    يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ 

    [إبراهيم: 27][2].

  6. الحِكمةُ في منع الثَّقلَيْن من سَماع صَيحة ذاك المعذَّب بِمِطْرَقَة الْحَدِيد أنهما لَو سمعا لارتفع الابتلاء، وصار الإيمان ضروريًّا، ولأعرضوا عَن التدابير والصنائع ونحومَا مِمَّا يتَوَقَّف عليه بقاؤهما[3].

المراجع

  1. "عمدة القاري شرح صحيح البخاري" للعينيِّ (8/ 144).
  2. "شرح القسطلانيِّ على صحيح البخاري" (2/ 434).
  3. "عمدة القاري شرح صحيح البخاري" للعينيِّ (8/ 145).
الفوائد الفقهية

7. في الحديث جواز المشي بالنعال في القبور.

8. في الحديث ذمُّ التقليد في أمور الدين، ولا سيَّما باب العقائد.

الفوائد العقدية

9. التصديق بالغَيبيَّات من دلائل الإيمان.

10. في الحديث إثبات النعيم في القبر للمؤمنين، والعذاب للكفّار والمنافقين.

11. وجوب الإيمان بالبعث بعد الموت.

12. وجوب الإيمان بالملائكة وإثبات اختلاف عملهم.

13. في الحديث إثبات سؤال الْمَلَكين للميِّت في القبر.

14. الإيمان بالنبيِّ من أركان الإسلام.

15. في الحديث إظهار قُدرة الله تعالى في تَعذيب العُصاة والكافرين، وتَنعيم المؤمنين في القبر دُون أن يَشعر بذلك سائرُ البَشر.

الفوائد الحديثية

16. قوله: «أَو الْمُنَافِق» شكٌّ من الرَّاوي، والمراد بالمنافق الذي يُقِرُّ بلسانه ولا يصدِّق بقلبه، وظاهر الكلام، وهو قوله: «لَا أَدْرِي، كنت أَقُول كَمَا يَقُول النَّاس»، يَشْمَل الكافر والْمُنَافِق؛ ولكن الكافر لا يقول ذلك، فتعيَّن الْمُنَافِق؛ كما في رواية التِّرْمِذِيِّ[1].

17. عَنِ البَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا،

عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ:

«إِذَا أُقْعِدَ الْمُؤْمِنُ فِي قَبْرِهِ أُتِيَ، ثُمَّ شَهِدَ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ [إبراهيم: 27]»

[2].

18. عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ:

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ:

«إِذَا مَاتَ أَحَدُكُمْ، فَإِنَّهُ يُعْرَضُ عَلَيْهِ مَقْعَدُهُ بِالْغَدَاةِ وَالعَشِيِّ، فَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ، فَمِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، فَمِنْ أَهْلِ النَّارِ»

[3].

19. عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رضى الله عنه أَنَّ النَّبِيّ قال:

«إِنَّ هَذِهِ الْأُمَّةَ تُبْتَلَى فِي قُبُورِهَا، فَلَوْلَا أَنْ لَا تَدَافَنُوا، لَدَعَوْتُ اللهَ أَنْ يُسْمِعَكُمْ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ الَّذِي أَسْمَعُ مِنْهُ»

[4].

20. كَانَ عُثْمَانُ رضى الله عنه إِذَا وَقَفَ عَلَى قَبْرٍ، بَكَى حَتَّى يَبُلَّ لِحْيَتَهُ، فَقِيلَ لَهُ: تُذْكَرُ الجَنَّةُ وَالنَّارُ فَلَا تَبْكِي، وَتَبْكِي مِنْ هَذَا؟ فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ:

«إِنَّ القَبْرَ أَوَّلُ مَنْزِلٍ مِنْ مَنَازِلِ الآخِرَةِ، فَإِنْ نَجَا مِنْهُ فَمَا بَعْدَهُ أَيْسَرُ مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَنْجُ مِنْهُ، فَمَا بَعْدَهُ أَشَدُّ مِنْهُ»

[5].

21. مُسْنَدُ أنس بن مالك رضي الله عنه: أَلْفَانِ وَمِائَتَانِ وَسِتَّةٌ وَثَمَانُون، اتَّفَقَ لَهُ البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَلَى مِائَةٍ وَثَمَانِينَ حَدِيثًا، وَانْفَرَدَ البُخَارِيُّ بِثَمَانِينَ حَدِيثًا، وَمُسْلِمٌ بِتِسْعِينَ"[6]

المراجع

  1. "عمدة القاري شرح صحيح البخاري" للعينيِّ (8/ 144).
  2. رواه البخاريُّ (1369)، ومسلم (2871).
  3. رواه البخاريُّ (3240)، ومسلم (2866).
  4. رواه مسلم (2867).
  5. رواه أحمد (454)، والترمذيُّ (2308)، وابن ماجه (4267)، وحسنه الألبانيُّ في "صحيح وضعيف سنن الترمذيِّ".
  6. "سير أعلام النبلاء" للذهبيِّ (4/423).
الفوائد اللغوية

22. «لا دَرَيْتَ وَلا تَلَيْتَ»: قوله: تَلَيْتَ: أصلُه تَلَوْتَ، يُقال: تلا يتلو القرآن؛ لكنه قال: تليتَ بالياء للازدواج مع دَرَيت؛ أي: لا كنتَ داريًا ولا تاليًا، والمعنى: لا دَرَيت ولا اتَّبَعتَ من يدري، وقيل: لا فَهِمْتَ، ولا قَرَأْتَ القرآن، وقيل: لم تتلُ الْقُرْآن، فَلم تنْتَفع بدرايتك وَلَا تلاوتك.

23. «صَيْحَة»: صاحَ صَيْحةً وصِياحًا وصُياحًا، وصيَّحَ: صوَّت بأقصى طاقته، يكون ذَلِك فِي النَّاس وَغَيرهم[1].

24. «إلَّا الثَّقَلَيْن»؛ أي: الجنَّ والإنس، وإنما قيل لهما: ثقلان؛ لثِقَلِهما على الأرض، وقيل: سُمِّيَا ثَقَلين لتفضيل الله إيَّاهما على سائر الحيوان المخلوق في الأرض بالتمييز والعقل، الذي خُصَّا به[2].

25. قرع النِّعَال: صَوتُهَا عند الْمَشْي، والقرع في الأصل: الضَّرْب، فكأنَّ أصحاب النِّعَال إِذا ضربوا الأرض بها، خرج منها صوت.

26. يدخل في قوله: (من يليه) الملائكة فقط؛ لأن (من) للعاقل. وقيل: يدخل غيرهم أيضًا تغليبًا، وهو أظهرُ[3].

المراجع

  1. ينظر: "المحكم والمحيط الأعظم" لابن سيده (3/ 421).
  2. "تهذيب اللغة" لأبي منصور الأزهريِّ (9/ 78).
  3. "شرح القسطلانيِّ على صحيح البخاري" (2/ 435).

مشاريع الأحاديث الكلية