عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَوَّلُ مَنْ بَدَأَ بِالخُطْبَةِ يَوْمَ العِيدِ قَبْلَ الصَّلاةِ مَرْوَانُ، فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ، فَقَالَ: الصَّلاةُ قَبْلَ الخُطْبَةِ، فَقَالَ: قَدْ تُرِكَ مَا هُنَالِكَ فَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ رضي الله عنه: أَمَّا هذَا فَقَدْ قَضَى مَا عَلَيْهِ؛ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَقُولُ: «مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الإِيمَانِ»

هدايات الحديث


  1. بابُ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بابٌ عظيم، به قِوامُ الأمر ومِلاكه، وإذا كثُر الخبثُ عمَّ العقابُ الصالحَ والطالحَ، وإذا لم يأخُذوا على يدِ الظالم أوشَكَ أن يعمَّهم اللهُ تعالى بعقابه، فينبغي لطالب الآخرة والساعي في تحصيل رِضا الله عز وجل أن يعْتنيَ بهذا الباب؛ فإنَّ نفْعَه عظيمٌ[1].

  2. على المسلم الصادق أن يُبادر للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولا يمنعه من ذلك هيبةُ مَن علَت به الرُّتب في الدنيا

    فإن اللهَ قال:

    ﴿وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾

       [الحج: 40].

  3. مِن أعظم البلايا على المرء أن يتركَ الأمرَ بالمعروف والنهيَ عن المنكر من أجْل كسْبِ مَودَّةِ حبيب، أو لقرابة قريب، أو صَداقة صديق، أو مُداهنة ذي سلطان؛ فإن اللعنةَ نزَلت على بني إسرائيل لَمَّا منَعهم مثلُ ذلك من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكَر فيما بينَهم

قال تعالى:

﴿ لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَىٰ لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ۚ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (78) كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ ۚ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ﴾

[المائدة: 78، 79].

  1. إن النهيَ عن المنكر ليس عقوبةً؛ إنما هو تذكير باللسان، أو تغيير وإزالة باليد، فإن لم يستطع فليُنكر بقلبه، ولا يجتمع مع المنكر، فإن لم يستطع إزالته، زال هو عن المنكر.

  2. لا ضَرَرَ ولا ضِرارَ؛ فإذا كانت حريةُ قومٍ مُضِرَّةً لآخرين، لم يجزْ لهم ذلك.

  3. تنتهي حرِّيتُك عندما تبدأ حرية الآخرين.

  4. لا يجوز لأحد الادِّعاء بحريته في الإضرار بالآخرين.

  5. إن ترك صاحب المنكر بلا إنكار قد يكون سببًا في هلاك المجتمع.

  6. إن أصحاب المنكرات يُظهرون منكرهم في قالَب خير للمجتمع؛ كما حكى الله تعالى عن المنافقين

    قال تعالى:

    { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ }

    [البقرة: ١١].

  7. من الرحمة بالمسلم العاصي وبالمجتمع المسلم نُصحه والأخذ على يديه.

  8. المؤمنُ الحقُّ لا يَكتفي بإصلاح نفْسه فحسبُ؛ بل يَحمل همَّ المجتمع من حوله، ويعمل على بيان الأخطار التي تهدِّدهم في دينهم ودنياهم.

  9. تَرْك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سبب في حلول الدمار، ووقوع الهلاك على المجتمع بأسره

    كما قال الله :

    ﴿ وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً ۖ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾

    [الأنفال: 25].

  10. الصبر على الناس وتحمُّل الأذى منهم، سبيلٌ لنجاة المجتمع بأسره.

  11. الأمرُ بالمعروف، والنهيُ عن المنكر من أجلِّ العبادات؛ فبه يقوم أمرُ المسلمين، وينصلح حالُهم، وبدونه تَنهدم عُرى الإسلام، ويتلاشى الإيمانُ من قلوب المسلمين وأفعالهم، ومن ثَمَّ ينزل الهلاكُ بالجميع.

  12. يبيِّن الرسول ﷺ حدود الحرية؛ فالأمر لا يخلو حينئذ من إحدى نتيجتين: إما أن يقوم أهل العُلْوِ بواجبهم في منع هذه الكارثة فينجو الجميع، وإما أن يتركوهم وشأنَهم بدعوى أن هذا نصيبهم يفعلون فيه ما يشاؤون، وحينئذ تكون النتيجة الحتمية هي هلاكَ الجميع.

  13. يبيِّن ﷺ حال الناس في المجتمع؛ فإنه لا يخلو مجتمع من بعض صور المنكر والفساد التي يُقدِم عليها ضعاف الإيمان، وقد يلتمس بعضهم لنفسه مبرِّرًا فيما يفعل؛ كأن يقول: هذه حرية شخصية، وأنا حرٌّ أصنع في ملكي ما أشاء، فإن قام أهل الرشد بواجبهم في إنكار هذه المنكرات والأخذ على أيدي الظالمين، صلح المجتمع، ونجا الجميع من غضب الله عزَّ وجلَّ، وأما إن تقاعسوا عن هذا الواجب، فإن العقوبة الإلهية تعمُّ الجميع.

  14. وتسري إلى الآفاقِ منها نسائمٌ = تقرِّب أربابَ الصلاحِ وتجتبي

على الأمر بالمعروفِ شادتْ حُصُونَها = حصونًا على أسوارها الغَيْمُ يَحْتَبي

المراجع

  1. "المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج" للنَّووي (2/ 24).

مشاريع الأحاديث الكلية