عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ - رضي اللَّه عنهمَا - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: «مَا حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَهُ شَيْءٌ يُوصِي فِيهِ، يَبِيتُ لَيْلَتَيْنِ إِلَّا وَوَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةٌ عِنْدَهُ»
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ - رضي اللَّه عنهمَا - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: «مَا حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَهُ شَيْءٌ يُوصِي فِيهِ، يَبِيتُ لَيْلَتَيْنِ إِلَّا وَوَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةٌ عِنْدَهُ»
يروي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ - رضي اللَّه عنهمَا - عن رَسُول اللَّهِ ﷺ أنه قَالَ: «مَا حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَهُ شَيْءٌ يُوصِي فِيهِ، يَبِيتُ لَيْلَتَيْنِ إِلَّا وَوَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةٌ عِنْدَهُ»: يحثُّ النَّبيُّ ﷺ على الْمُبادَرة بكتابة الوصية قبل مُباغَتة الموت، ويبيِّن أنه لا ينبغي للمسلم - رجُلًا كان أو امرأةً - ولا يحقُّ له إذا كان يمتلك شَيئًا يُوصي فيه من الأموال ونحوها، أو عليه من الحقوق والديون، أو فرَّط في شيء من الكفَّارات والزَّكوات، وهَلُمَّ جرًّا، أن تَمضِيَ عليه لَيلتانِ أو أكثرُ إلَّا ووَصيَّتُه بما يتطلَّب الإيصاء به مَكتوبةٌ ومَحفوظةٌ عندَه، فإذا وصَّى بذلك، أُخرِجَت الدِّيونُ مِن رأس المال، وأُخرج غيرُها مِن ثُلثِ التَّرِكة.
الشرح المفصَّل للحديثلقد كتب اللهُ تعالى الموتَ على الإنسان، فيحيا المؤمنُ في الدنيا الفانية ليتزوَّد للآخرة الباقية، ومما يُعِين على ذلك ذِكْرُ الموت، والخوفُ والحَذَر من سوء الخاتمة، وتجديد التوبة، والإنابة لله تعالى، فتذكُّرُ الموت والاستعداد الدائم له مما يُعِين المسلمَ على الاستقامة والتقوى، وكان النبيُّ ﷺ يوضِّح للمؤمنين حقيقة الدنيا؛
فعن عبد الله بنِ عمرَ - رضي الله عنهما - قال:
أخَذَ رَسولُ اللهِ ﷺ بمَنْكِبِي، فَقالَ: «كُنْ في الدُّنْيا كَأنَّكَ غَرِيبٌ أوْ عابِرُ سَبِيلٍ»، وكانَ ابنُ عُمَرَ، يقولُ: «إذا أمْسَيْتَ فلا تَنْتَظِرِ الصَّباحَ، وإذا أصْبَحْتَ فلا تَنْتَظِرِ المَساءَ، وخُذْ مِن صِحَّتِكَ لِمَرَضِكَ، ومِنْ حَياتِكَ لِمَوْتِكَ»
[1].
فعلى المسلم أن يجعل الموتَ نُصبَ عينيه، فيستعدَّ له بالعمل الصالح، ويقصِّر أمله في الدنيا، ويترك الْمَيل إلى غرور الدنيا.
لقد حثَّ الإسلام ونَدَب إلى التَّأهُّبِ للموت، والاحترازِ قبلَ الفَوت؛ لأنَّ الإنسانَ لا يَدْري متى يَفجَؤُه الموت. لذا؛ شَرَعَ اللهُ - عزَّ وجلَّ – الوصيَّةَ؛ رحمةً بعباده ولُطفًا بهم؛ حيث يتذكَّر المؤمن دائمًا الموت، ويؤدِّي ما عليه من حقوق، أو يوصي بما عليه من الحقوق متذكِّرًا الموتَ، مستعدًّا له، ويُوصي مما رزقه الله في أعمالِ البِرِّ التي تَعُود على الناس بالخيرِ، وتَعود على الموصي بالأجْرِ والثَّوابِ.
وفي حديث الباب يروي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ - رضي اللَّه عنهما - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ:
«مَا حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَهُ شَيْءٌ يُوصِي فِيهِ، يَبِيتُ لَيْلَتَيْنِ إِلَّا وَوَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةٌ عِنْدَهُ»
فيحثُّ النَّبيُّ ﷺ على الْمُبادَرة بكتابة الوَصيَّةِ قبلَ مُباغَتة الموت، ويبيِّن أنه لا ينبغي للمسلم -رجُلًا كان أو امرأةً - ولا يحقُّ له إذا كان يمتلك شَيئًا يُوصِي فيه من الأموال ونحوها، أو عليه من الحقوق والديون، أو فرَّط في شيء من الكفَّارات والزَّكواتِ، وهَلُمَّ جرًّا، أن تَمضِيَ عليه لَيلتانِ أو أكثرُ إلَّا ووَصيَّتُه بما يتطلَّب الإيصاءَ به مَكتوبةٌ ومَحفوظةٌ عِندَه، فإذا وصَّى بذلك، أُخرِجَت الدِّيونُ من رأس المال، وأُخرِجَ غيرُها مِن ثُلثِ التَّرِكة.
و"الوصيَّة: مشتقَّة من وَصَيْتُ الشيءَ أُوصيه إذا وَصَلْتُهُ، وَسُمِّيَتْ وصيَّةً؛ لأَنَّه وَصَلَ ما كان في حياته بما بَعْدَه، ويُقال: وَصَّى وَأَوْصَى إِيصاءً، والاسمُ الْوَصِيَّةُ وَالْوَصَاةُ" [2].
"قوله ﷺ:
«ما حقُّ امرئ مسلم له شيء يوصي فيه يبيت ليلتين إلا ووصيَّتُه مكتوبة عنده»
يعني: ما حقُّه أن يَبِيت ليلتين إلا وقد كَتَب وصيَّتَه التي يريد أن يوصيَ بها، وكان ابن عمرَ - رضي الله عنهما - منذ سمع هذا الكلام من رسول الله لا يَبِيت ليلةً إلا وقد كتب وصيَّته.
والوصيةُ معناها: العَهد، وهي أن يَعهَد الإنسانُ بعد موته لشخص في تصريف شيء من ماله، أو يَعهَد لشخص بالنظر على أولاده الصغار، أو يَعهَد لشخص في أيِّ شيء من الأعمال التي يَملِكها بعد موته، فيُوصي به؛ مِثْلُ أن يَكتُب الرجل: وصيَّتي إلى فلان بن فلان، بالنظر على أولادي الصغار، ووصيَّتي إلى فلان بن فلان بتفريق ثُلث مالي أو رُبعه أو خُمُسه في سبيل الله. وصيَّتي إلى فلان في أن ينتفع بما خلَّفت من عقار أو غيره، أو ما أشبه ذلك؛ فالوصيةُ: عهدُ الإنسان بعد موته إلى شخص بشيء يَملِكه" [3].
"قوله ﷺ:
«يَبِيت ليلتين إلّا ووصيَّتُه مكتوبةٌ عنده»
وفي رواية: «ثلاثَ لَيَالٍ»: فيه الحثُّ على الوصيَّة، وقد أجمع المسلمون على الأمر بها؛ لكنَّ مذهب الجماهير أنّها مندوبةٌ لا واجبة، وقال داود وغيره من أهل الظّاهر: هي واجبةٌ؛ لهذا الحديث، ولا دلالةَ لهم فيه؛ فليس فيه تصريح بإيجابها؛ لكن إن كان على الإنسان دَيْنٌ أو حقٌّ، أو عنده وَدِيعة ونحوُها، لَزِمه الإيصاء بذلك. قال الشّافعيُّ - رحمه اللّه -: معنى الحديث: ما الحَزْمُ والاحتياط للمسلم إلّا أن تكون وصيَّتُه مكتوبةً عنده، ويُستحبُّ تعجيلُها، وأن يَكتُبها في صحَّتِه، ويُشهِدَ عليه فيها، ويَكتُب فيها ما يحتاج إليه، فإن تجدَّد له أمرٌ يحتاج إلى الوصيَّة به، ألحقه بها. قالوا: ولا يُكلَّف أن يَكتُب كلَّ يوم محقَّرات المعاملات، وجُزئيَّات الأمور المتكرِّرة، وأمّا قوله ﷺ: «ووصيَّتُه مكتوبة عنده»، فمعناه: مكتوبةٌ وقد أَشهَد عليه بها، لا أنّه يَقتصِر على الكتابة؛ بل لا يُعمَل بها، ولا تَنفَع إلَّا إذا كان أَشهَد عليه بها، هذا مذهبُ الجمهور، وقال الإمام محمّدُ بنُ نصرٍ الْمَرْوَزيُّ: يكفي الكتابُ من غير إشهاد؛ لظاهر الحديث" [4].
"قولُه: «ما حقُّ امرئٍ مسلم»: كذا في أكثر الرّوايات، وسقط لفظ (مسلم) من رواية أحمد عن إسحاق بن عيسى عن مالك، والوصفُ بالمسلم خَرَج مَخرَج الغالب، فلا مفهومَ له، أو ذُكِر للتَّهْيِيج لتقع المبادرة لامتثاله؛ لِما يَشعُر به من نفيِ الإسلام عن تارك ذلك، ووصيَّة الكافر جائزةٌ في الجُمْلة، وحكى ابنُ الْمُنذِر فيه الإجماعَ، وقد بحث فيه السُّبكيُّ من جهة أنّ الوصيَّةَ شُرِعت زيادةً في العمل الصّالح، والكافرُ لا عَمل له بعدَ الموت، وأجاب بأنّهم نظروا إلى أنّ الوصيّة كالإعتاق، وهو يصحُّ من الذِّمِّيِّ والحربيِّ" [5].
"والوصية أنواع: واجبة، ومحرَّمة، وجائزة:
أولًا: الوصية الواجبة: وهي أن يُوصِيَ الإنسان بما عليه من الحقوق الواجبة؛ لئلَّا يَجحَدها الوَرَثة، لا سيَّما إذا لم يكن عليها بيِّنة؛ كأن يكون على الإنسان دَيْنٌ أو حقٌّ لغيره، فيجب أن يُوصيَ به، لا سيَّما إذا لم يكن فيه بيِّنة؛ لأنه إذا لم يوصِ به، فإن الورثة قد يُنكِرونه، والورثة لا يُلزَمون أن يصدِّقوا كلَّ من جاء من الناس وقال: إن لي على ميِّتِكم كذا وكذا، لا يَلزَمهم أن يصدِّقوا، فإذا لم يوصِ الميِّت بذلك، فإنه ربما يكون ضائعًا، فمن عليه دَيْنٌ؛ يعني: حقٌّ في ذمَّته لأحد، فإنه يجب عليه أن يوصيَ به. كذلك أيضًا أن يوصيَ لأقاربه غير الوارثين بما تيسَّر؛
لقول الله تعالى:
{كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ ٱلْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْرًا ٱلْوَصِيَّةُ لِلْوَٰلِدَيْنِ وَٱلْأَقْرَبِينَ بِٱلْمَعْرُوفِ ۖ }
ﱠ [البقرة: 180]
يعني مالًا كثيرًا. (الْوَصِيَّة): نائب الفاعل، (لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ) فخرج من ذلك، من الوالدين والأقربين من كانوا ورثةً؛ فإن الورثة لا يُوصى لهم، وبَقِيت الآيةُ مُحكَمةً فيما عدا الوارثين. هكذا دلالة الآية، وبها فسَّرها ابن عباس - رضي الله عنهما - وذهب إليها كثيرٌ من أهل العلم، أن الإنسان يجب أن يُوصيَ إذا كان عنده مالٌ كثيرٌ بما تيسَّر لأقاربه غير الوارثين، أما الوارثُ، فلا يجوز أن يوصى له؛ لأن حقَّه من الإرث يكفيه، فهذان أمران تجب فيهما الوصية: الأول: إذا كان عليه دَيْنٌ؛ يعني حقًّا للناس. والثاني: إذا ترك مالًا كثيرًا، فإنه يَلزَمه أن يوصيَ لأقاربه من غير الوارثين.
ثانيًا: الوصيَّة المحرَّمة: وهي محرَّمة إذا أوصى لأحد من الورثة، فإنه حرامٌ عليه؛ مثلُ أن يوصيَ لولده الكبير بشيء من بين سائر الوَرَثة، أو يوصيَ لزوجته بشيء من بين سائر الورثة، فإن هذا حرامٌ عليه، حتى ولو قدِّر أن المرأة – أي: الزوجة - كانت تَخدُمه في حياته وتُطيعه وتحترمه، وأراد أن يكافئها؛ فإنه لا يحلُّ له أن يوصيَ لها بشيء، وكذلك لو كان أحد أولاده يَبَرُّ به ويَخدُمه ويسعى في ماله، فأراد أن يوصيَ له بشيء؛ فإن ذلك حرامٌ عليه. وكذلك ما يَفعَله بعض الناس إذا كان له أولاد عِدَّةٌ، وزوَّج الكبير، أوصى للصغار بمثل المال الذي زوَّج به الكبير، فإن هذا حرامٌ أيضًا؛ لأن التزويج دَفْعُ حاجةٍ كالأكل والشُّرب، فمن احتاج إليه من الأولاد وعند أبيهم قُدرةٌ، وجب عليه أن يزوِّجه، ومن لم يحتَجْ إليه، فإنه لا يحلُّ له أن يُعطيَه شيئًا مثل ما أعطى أخاه الذي احتاج للزواج. وهذه مسألة تخفى على كثيرٍ من الناس، حتى على طلبة العلم، يظنُّون أنك إذا زوَّجتَ ولدك، فإنك يجب أن توصيَ للأولاد الصغار بمثل ما زوَّجته به، وهذا ليس بصحيح؛ فالوصيةُ للوارث لا تجوز مُطلَقًا، فإن قدِّر أن أحدًا كان جاهلًا، وأوصى لأحد الورثة بشيء، فإنه يُرجَع إلى الورثة بعد موته، إن شاؤوا نفَّذوا الوصية، وإن شاؤوا ردُّوها.
ثالثًا: الوصية المباحة: فهي أن يوصيَ الإنسان بشيء من ماله لا يتجاوز الثُّلث؛ لأن تجاوُزَ الثُّلث ممنوع؛ لكن ما دون الثُّلث أنت حرٌّ فيه، ولك أن توصيَ فيه لمن شئتَ إلا الورثةَ؛ هذه جائزة.
ولكن هل الأفضل الثُّلث أو الربع أو ما دون ذلك؟ نقول: أكثرُ شيء الثُّلث لا تَزِد عليه، وما دون الثُّلث فهو أفضلُ منه؛ ولهذا قال ابن عباس - رضي الله عنهما -: لو أن الناس غضُّوا من الثُّلث إلى الربع، فإن النبيَّ ﷺ قال لسعدِ بن أبي وقَّاص: «الثُّلث والثُّلث كثير» [6]، وكان أبو بكر - رضي الله عنه - أوصى بخُمس ماله، وقال: أرضى بما رضيَ الله لنفسه الخُمس، فأوصى بخُمس ماله؛ وهذا أحسن ما يكون.
وليت طلبةَ العلم والذين يَكتُبون الوَصايا ينبِّهون الموصِين على أن الأفضل الوصيةُ بالخُمس لا بالثُّلث، وقد شاع عند الناس الثُّلث دائمًا، وهذا الحدُّ الأعلى الذي حدَّه الرسول ﷺ وما دونه أفضلُ منه؛ فالرُّبع أفضلُ من الثُّلث، والخُمس أفضلُ من الرُّبع. وإذا كان الورثة محتاجين، فتركُ الوصية أولى، هم أحقُّ من غيرهم؛
قال النبيُّ ﷺ:
«إِنَّكَ أَنْ تَذَرَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ، خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَذَرَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ»
[7].
فإذا كان الورثةُ الذين يَرِثونك تَعرِف أن حالهم وَسَطٌ والمالُ شَحيحٌ عندهم، وأنهم إلى الفقر أقربُ، فالأفضلُ ألَّا توصِي" [8].
"قوله: «يبيت»: كأنَّ فيه حذفًا، تقديرُه: (أن يبيت)، ويجوز أن يكون (يبيت) صفةً لمسلم، وبه جزم الطّيبيُّ، قال: هي صفة ثانية، وقولُه: «يوصي فيه» صفةُ (شيء)... نعم قال العلماء: لا يُندَب أن يَكتُب جميع الأشياء المحقَّرة، ولا ما جرت العادة بالخروج منه والوفاء له عن قُرب.
قوله: «ليلتين» كذا لأكثر الرّواة، ولأبي عوانة والبيهقيِّ من طريق حمّاد بن زيد عن أيّوبَ: «يبيت ليلةً أو ليلتين»، ولمسلم والنّسائيِّ من طريق الزُّهْريِّ عن سالم عن أبيه: «يبيت ثلاث ليال»، وكأنّ ذكر اللّيلتين والثّلاث لرفع الحرج؛ لتزاحُم أشغال المرء الّتي يحتاج إلى ذكرها، ففسح له هذا القدر ليتذكَّر ما يحتاج إليه، واختلاف الرّوايات فيه دالٌّ على أنه للتقريب لا التَّحديد، والمعنى: لا يمضي عليه زمان وإن كان قليلًا إلّا ووصيّته مكتوبة، وفيه إشارة إلى اغتفار الزّمن اليسير، وكأنّ الثّلاث غاية للتّأخير؛ ولذلك قال ابن عمر في رواية سالم المذكورة: لم أبت ليلةً منذ سمعتُ رسول اللّه ﷺ يقول ذلك إلّا ووصيَّتي عندي. قال الطِّيبيُّ في تخصيص اللّيلتين والثّلاث بالذّكر: تسامح في إرادة المبالغة؛ أي: لا ينبغي أن يبيت زمانًا ما، وقد سامحناه في اللّيلتين والثّلاث، فلا ينبغي له أن يتجاوز ذلك" [9].
"ولفظُه عند الدَّارَقُطْنيّ: «لا يَحِلُّ لمسلم أن يَبيت ليلتين إلَّا ووصيَّتُه مكتوبةٌ عنده» واستُدِلَّ بهذا الحديث مع ظاهر الآية على وجوب الوصيَّة، وبه قال الزُّهْريُّ وأبو مِجْلَز وعطاء وطلحةُ بنُ مصرِّف في آخرين، وحكاه البيهقيُّ عن الشّافعيِّ في القديم، وبه قال إسحاق وداودُ، واختاره أبو عوانة الإسفرايينيِّ وابن جرير وآخرون، ونسب ابن عبد البرِّ القول بعدم الوجوب إلى الإجماع سوى من شذَّ، كذا قال، واستُدِلَّ لعدم الوجوب من حيث المعنى؛ لأنّه لو لم يوصِ لقُسِّم جميع ماله بين ورثته بالإجماع، فلو كانت الوصيَّةُ واجبةً، لأُخرِج من ماله سهمٌ يَنُوب عن الوصيَّة، وأجابوا عن الآية بأنّها منسوخة كما قال ابن عبَّاس: كان المال للولد، وكانت الوصيَّة للوالدينِ، فنسخ اللّه من ذلك ما أحبَّ، فجعل لكلِّ واحد من الأبوين السُّدُس. الحديث، وأجاب من قال بالوجوب بأنّ الّذي نُسِخ الوصيَّة للوالدينِ والأقارب، الّذين يرثون، وأمّا الّذي لا يَرِث، فليس في الآية ولا في تفسير ابن عبّاس ما يقتضي النّسخ في حقِّه، وأجاب من قال بعدم الوجوب عن الحديث بأنّ قوله: (ما حقّ امرئ) بأنّ المراد الحزم والاحتياط؛ لأنّه قد يفجؤه الموت وهو على غير وصيّة، ولا ينبغي للمؤمن أن يَغفُل عن ذكر الموت والاستعداد له، وهذا عن الشّافعيِّ، وقال غيره: الحقُّ لغةً: الشّيء الثّابت، ويُطلَق شرعًا على ما ثبت به الحكم، والحُكم الثّابت أعمُّ من أن يكون واجبًا أو مندوبًا، وقد يُطلَق على الْمُباح أيضًا؛ لكن بقلَّة، قاله القرطبيُّ، قال: فإن اقترن به على أو نحوها، كان ظاهرًا في الوجوب، وإلّا فهو على الاحتمال، وعلى هذا التّقدير فلا حجَّةَ في هذا الحديث لمن قال بالوجوب؛ بل اقترن هذا الحقُّ بما يدلُّ على النَّدْب، وهو تفويض الوصيّة إلى إرادة الموصي، حيث قال: «له شيء يريد أن يوصي فيه» فلو كانت واجبةً، لَمَا علَّقها بإرادته، وأمّا الجواب عن الرّواية الّتي بلفظ (لا يحلُّ) فلاحتمال أن يكون راويها ذكرها وأراد بنفي الحلِّ ثبوتَ الجَوَاز بالمعنى الأعمِّ الّذي يَدخُل تحته الواجب والمندوب والمباح" [10].
"وفي حديث ابن عمرَ - رضي الله عنهما - العملُ بالكتابة؛
لقوله ﷺ:
«إلا ووصيته مكتوبة عنده»،
فدلَّ هذا على جواز العمل؛ بل وجوب العمل بالكتابة. وفي قوله: «مكتوبة» اسم مفعول إشارة إلى أنه لا فرق بين أن يكون هو الكاتبَ أو غيرَه ممن تَثبُت الوصية بكتابته، فلا بدَّ أن تكون الكتابة معلومةً، إما بخطِّ الموصي نفسِه، أو بخطِّ شخص معتمَد، وأما إذا كانت بخطٍّ مجهول، فلا عبرةَ بها، ولا عَمَلَ عليها.
وفي قوله: «عنده» إشارةٌ إلى أنه ينبغي أن يحتفظ الإنسان بالوثائق، وألَّا يسلِّط عليها أحدًا؛ بل تكون عنده في شيء محفوظ محرَّز؛ كالصندوق وغيره؛ لأنه إذا أهملها، فربَّما تضيع منه، أو يسلَّط عليها أحد يَأخُذها ويُتلِفها، أو ما أَشبَه ذلك.
المهمُّ في هذا الاعتناءُ بالوصية، وأن يحتفظ بها الإنسان حتى لا تضيع. وفيه أيضًا سرعةُ امتثال الصحابة لأمر النبيِّ ﷺ، لذلك؛ قال ابن عمر - رضي الله عنهما - بعد ما سمع هذا الحديث من النبيِّ ﷺ:
(ما مرَّت علي ليلة منذ سمعتُ النبيَّ ﷺ يقول هذا إلا ووصيَّتي مكتوبةٌ عندي)
فالذي ينبغي للإنسان أن يهتمَّ بالأمر حتى لا يَفْجَأَه الموت، وهو قد أضاع نفسه، وأضاع حقَّ غيره" [11].
"واختلف القائلون بوجوب الوصيَّة، فأكثرُهم ذَهَب إلى وجوبها في الجُملة، وعن طاوسٍ وقتادةَ والحسن وجابر بن زيد في آخرين: تجب للقَرابة الّذين لا يَرِثون خاصّة، أخرجه ابن جرير وغيره عنهم، قالوا: فإن أوصى لغير قَرابته، لم تَنْفُذ، ويُرَدُّ الثُّلث كلُّه إلى قرابته، وهذا قول طاوس، وقال الحسن وجابر بن زيد: ثُلثا الثُّلث، وقال قتادة: ثُلث الثُّلث، ونقل ابن المنذر عن أبي ثور أنّ المراد بوجوب الوصيّة في الآية والحديث يختصُّ بمن عليه حقٌّ شرعيٌّ يَخشى أن يَضيع على صاحبه إن لم يُوصِ به؛ كوديعة ودَين للّه أو لآدميٍّ، قال: ويدلُّ على ذلك تقييده بقوله: «له شيء يريد أن يوصي فيه»؛ لأنَّ فيه إشارةً إلى قدرته على تنجيزه ولو كان مؤجَّلًا، فإنّه إذا أراد ذلك، ساغ له، وإن أراد أن يوصيَ به، ساغ له، وحاصله يرجع إلى قول الجمهور: إنّ الوصيّة غير واجبة لعَيْنها، وإنّ الواجب لعَينه الخروجُ من الحقوق الواجبة للغير، سواء كانت بتنجيز أو وصيَّة، ومحلُّ وجوب الوصيّة إنّما هو فيما إذا كان عاجزًا عن تنجيز ما عليه، وكان لم يعلم بذلك غيره ممَّن يَثبُت الحقُّ بشهادته، فأمّا إذا كان قادرًا أو عَلم بها غيره، فلا وجوب، وعُرف من مجموع ما ذكرنا أنّ الوصيّة قد تكون واجبةً، وقد تكون مندوبةً فيمن رجا منها كثرة الأجر، ومكروهةً في عكسه، ومباحةً فيمن استوى الأمران فيه، ومحرَّمةً فيما إذا كان فيها إضرارٌ؛ كما ثبت عن ابن عبّاس: الإضرار في الوصيّة من الكبائر، رواه سعيد بن منصور موقوفًا بإسناد صحيح، ورواه النّسائيُّ، ورجاله ثقات" [12].
"واستُدِلَّ بقوله: «مكتوبة عنده» على جواز الاعتماد على الكتابة والخطِّ، ولو لم يقترن ذلك بالشّهادة، وخصَّ أحمدُ ومحمّد بن نصر من الشّافعيَّة ذلك بالوصيّة؛ لثبوت الخبر فيها دون غيرها من الأحكام، وأجاب الجمهور بأنّ الكتابة ذُكِرت لِما فيها من ضبط المشهود به، قالوا: ومعنى (وصيّته مكتوبة عنده)؛ أي: بشرطها، وقال المحبُّ الطّبريُّ: إضمار الإشهاد فيه بُعْدٌ، وأُجيب بأنّهم استَدلُّوا على اشتراط الإشهاد بأمر خارج؛
كقوله تعالى:
{شَهَٰدَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ ٱلْمَوْتُ حِينَ ٱلْوَصِيَّةِ}
[المائدة: ١٠٦]
فإنّه يدلُّ على اعتبار الإشهاد في الوصيَّة، وقال القرطبيُّ: ذكر الكتابة مبالغة في زيادة التّوثُّق، وإلّا فالوصيَّةُ المشهود بها متَّفق عليها ولو لم تكن مكتوبةً.
واستُدِلَّ بقوله: «وصيته مكتوبة عنده» على أنّ الوصيّة تَنفُذ وإن كانت عند صاحبها ولم يجعلها عند غيره، وكذلك لو جعلها عند غيره وارتجعها، وفي الحديث منقبة لابن عمر لمبادرته لامتثال قول الشّارع ومواظبته عليه، وفيه النَّدب إلى التّأهُّب للموت والاحتراز قبل الفَوت؛ لأنّ الإنسان لا يدري متى يَفجَؤُه الموت؛ لأنّه ما من سنٍّ يُفرَض إلّا وقد مات فيه جمعٌ جمٌّ، وكلُّ واحد بعينه جائز أن يموت في الحال، فينبغي أن يكون متأهِّبًا لذلك، فيكتب وصيَّتَه، ويجمع فيها ما يَحصُل له به الأجر، ويُحبِط عنه الوِزْرَ من حقوق اللّه وحقوق عباده، واللّه المستعان" [13].
"واستُدِلَّ بقوله: «له شيء» أو «له مال» على صحّة الوصيَّة بالمنافع، وهو قول الجمهور، ومنعه ابن أبي ليلى وابن شبرمة وداود وأتباعه، واختاره ابن عبد البرِّ، وفي الحديث الحضُّ على الوصيّة، ومُطلَقُها يتناول الصّحيح؛ لكنّ السَّلَف خصُّوها بالمريض؛ وإنّما لم يقيَّد به في الخبر لاطَّرِاد العادة به، وقوله: (مكتوبة) أعمُّ من أن تكون بخَطِّه أو بغير خطِّه، ويُستفاد منه أنّ الأشياء الْمُهمَّة ينبغي أن تُضبَط بالكتابة؛ لأنّها أثبتُ من الضَّبط بالحفظ؛ لأنّه يَخُون غالبًا" [14].
1. رواه البخاريُّ (6416).
2. "شرح النوويِّ على مسلم" (11/ 74).
3. "شرح رياض الصالحين" لابن عثيمين (3/ 460، 461).
4. "شرح النوويِّ على مسلم" (11/ 74 - 76).
5. "فتح الباري" لابن حجر (5/ 357).
6. رواه البخاريُّ (1295)، ومسلم (1628).
7. رواه البخاريُّ (1295)، ومسلم (1628).
8. "شرح رياض الصالحين" لابن عثيمين (3/ 461 - 464).
9. "فتح الباري" لابن حجر (5/ 357، 358).
10. "فتح الباري" لابن حجر (5/ 358).
11. "شرح رياض الصالحين" لابن عثيمين (3/ 464، 465).
12. "فتح الباري" لابن حجر (5/ 358، 359).
13. "فتح الباري" لابن حجر (5/ 359، 360).
14. "فتح الباري" لابن حجر (5/ 360).
قال النوويُّ رحمه الله: "كتاب الوصيَّة: قال الأزهريُّ: هي مشتقَّة من وَصَيْتُ الشَّيْءَ أُوصِيهِ إذا وَصَلْتُهُ، وَسُمِّيَتْ وَصِيَّةً؛ لأَنَّه وَصَلَ ما كان في حياته بما بَعْدَه، ويُقال: وَصَّى وَأَوْصَى إِيصَاءً، والاسمُ الْوَصِيَّةُ وَالْوَصَاةُ" [1].
قال ابن عثيمين رحمه الله: "«ما حقُّ امرئ مسلم له شيء يوصي فيه يبيت ليلتين إلا ووصيَّتُه مكتوبة عنده»؛ يعني: ما حقُّه أن يَبِيت ليلتين إلا وقد كَتَب وصيَّتَه التي يريد أن يوصيَ بها، وكان ابن عمرَ - رضي الله عنه - منذ سمع هذا الكلام من رسول الله لا يَبِيت ليلةً إلا وقد كتب وصيَّته.
والوصيةُ: معناها: العَهد، وهي أن يَعهَد الإنسانُ بعد موته لشخص في تصريف شيء من ماله، أو يَعهَد لشخص بالنظر على أولاده الصغار، أو يَعهَد لشخص في أيِّ شيء من الأعمال التي يَملِكها بعد موته، فيُوصي به؛ هذه هي الوصية؛ مِثْلُ أن يَكتُب الرجل: وصيَّتي إلى فلان بن فلان، بالنظر على أولادي الصغار، ووصيَّتي إلى فلان بن فلان بتفريق ثُلث مالي أو رُبعه أو خُمُسه في سبيل الله. وصيَّتي إلى فلان في أن ينتفع بما خلَّفت من عقار أو غيره، أو ما أشبه ذلك. المهمُّ أن هذه هي الوصية؛ عهدُ الإنسان بعد موته إلى شخص بشيء يَملِكه، هذه هي الوصية" [2].
قال ابن حجر رحمه الله: "قولُه: «ما حقُّ امرئٍ مسلم»: كذا في أكثر الرّوايات، وسقط لفظ (مسلم) من رواية أحمد عن إسحاق بن عيسى عن مالك، والوصفُ بالمسلم خَرَج مَخرَج الغالب، فلا مفهومَ له، أو ذُكِر للتَّهْيِيج لتقع المبادرة لامتثاله؛ لِما يَشعُر به من نفيِ الإسلام عن تارك ذلك، ووصيَّة الكافر جائزةٌ في الجُمْلة، وحكى ابنُ الْمُنذِر فيه الإجماعَ، وقد بحث فيه السُّبكيُّ من جهة أنّ الوصيَّةَ شُرِعت زيادةً في العمل الصّالح، والكافرُ لا عَمل له بعدَ الموت، وأجاب بأنّهم نظروا إلى أنّ الوصيّة كالإعتاق، وهو يصحُّ من الذِّمِّيِّ والحربيِّ، واللّه أعلمُ" [3].
قال ابن عثيمين رحمه الله: "والوصية أنواع: واجبة، ومحرَّمة، وجائزة.
أولًا: الوصية الواجبة: وهي أن يُوصِيَ الإنسان بما عليه من الحقوق الواجبة؛ لئلا يَجحَدها الوَرَثة، لا سيَّما إذا لم يكن عليها بيِّنة؛ كأن يكون على الإنسان دَيْنٌ أو حقٌّ لغيره، فيجب أن يُوصيَ به، لا سيَّما إذا لم يكن فيه بيِّنة؛ لأنه إذا لم يوصِ به، فإن الورثة قد يُنكِرونه، والورثة لا يُلزَمون أن يصدِّقوا كلَّ من جاء من الناس وقال: إن لي على ميِّتِكم كذا وكذا، لا يَلزَمهم أن يصدِّقوا، فإذا لم يوصِ الميت بذلك، فإنه ربما يكون ضائعًا، فمن عليه دَيْنٌ؛ يعني: حقٌّ في ذمَّته لأحد، فإنه يجب عليه أن يوصيَ به. كذلك أيضًا أن يوصيَ لأقاربه غير الوارثين بما تيسَّر؛
لقول الله تعالى:
{كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ ٱلْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْرًا ٱلْوَصِيَّةُ لِلْوَٰلِدَيْنِ وَٱلْأَقْرَبِينَ بِٱلْمَعْرُوفِ ۖ }
[البقرة: 180]
؛ يعني مالًا كثيرًا. (الْوَصِيَّة): هذه نائب الفاعل، (لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ) فخرج من ذلك، من الوالدين والأقربين من كانوا ورثةً؛ فإن الورثة لا يُوصى لهم، وبَقِيت الآيةُ مُحكَمةً فيما عدا الوارثين. هكذا دلالة الآية، وبها فسَّرها ابن عباس - رضي الله عنهما - وذهب إليها كثيرٌ من أهل العلم، أن الإنسان يجب أن يُوصيَ إذا كان عنده مالٌ كثيرٌ بما تيسَّر لأقاربه غير الوارثين، أما الوارثُ، فلا يجوز أن يوصى له؛ لأن حقَّه من الإرث يكفيه، فهذان أمران تجب فيهما الوصية: الأول: إذا كان عليه دَيْنٌ؛ يعني حقًّا للناس. والثاني: إذا ترك مالًا كثيرًا، فإنه يَلزَمه أن يوصيَ لأقاربه من غير الوارثين.
ثانيًا: الوصيَّة المحرَّمة: وهي محرَّمة إذا أوصى لأحد من الورثة، فإنه حرامٌ عليه؛ مثلُ أن يوصيَ لولده الكبير بشيء من بين سائر الوَرَثة، أو يوصيَ لزوجته بشيء من بين سائر الورثة، فإن هذا حرامٌ عليه، حتى ولو قدِّر أن المرأة – أي: الزوجة - كانت تَخدُمه في حياته وتُطيعه وتحترمه، وأراد أن يكافئها؛ فإنه لا يحلُّ له أن يوصيَ لها بشيء، وكذلك لو كان أحد أولاده يَبَرُّ به ويَخدُمه ويسعى في ماله، فأراد أن يوصيَ له بشيء؛ فإن ذلك حرامٌ عليه.
وكذلك ما يَفعَله بعض الناس إذا كان له أولاد عدَّةٌ، وزوَّج الكبير، أوصى للصغار بمثل المال الذي زوَّج به الكبير، فإن هذا حرامٌ أيضًا؛ لأن التزويج دَفْعُ حاجةٍ كالأكل والشُّرب، فمن احتاج إليه من الأولاد وعند أبيهم قُدرةٌ، وجب عليه أن يزوِّجه، ومن لم يحتَجْ إليه، فإنه لا يحلُّ له أن يُعطيَه شيئًا مثل ما أعطى أخاه الذي احتاج للزواج.
وهذه مسألة تخفى على كثيرٍ من الناس، حتى على طلبة العلم، يظنُّون أنك إذا زوَّجتَ ولدك، فإنك يجب أن توصيَ للأولاد الصغار بمثل ما زوَّجته به، وهذا ليس بصحيح؛ فالوصيةُ للوارث لا تجوز مُطلَقًا، فإن قدِّر أن أحدًا كان جاهلًا، وأوصى لأحد الورثة بشيء، فإنه يُرجَع إلى الورثة بعد موته، إن شاؤوا نفَّذوا الوصية، وإن شاؤوا ردُّوها.
ثالثًا: الوصية المباحة: فهي أن يوصيَ الإنسان بشيء من ماله لا يتجاوز الثُّلث؛ لأن تجاوُزَ الثُّلث ممنوع؛ لكن ما دون الثُّلث أنت حرٌّ فيه، ولك أن توصيَ فيه لمن شئتَ إلا الورثةَ؛ هذه جائزة.
ولكن هل الأفضل الثُّلث أو الربع أو ما دون ذلك؟ نقول: أكثرُ شيء الثُّلث لا تَزِد عليه، وما دون الثُّلث فهو أفضلُ منه؛ ولهذا قال ابن عباس - رضي الله عنهما -: لو أن الناس غضُّوا من الثُّلث إلى الربع، فإن النبيَّ ﷺ قال لسعدِ بن أبي وقَّاص: «الثُّلث والثُّلث كثير»، وكان أبو بكر - رضي الله عنه - أوصى بخُمس ماله، وقال: أرضى بما رضيَ الله لنفسه الخُمس، فأوصى بخُمس ماله؛ وهذا أحسن ما يكون.
وليت طلبةَ العلم والذين يَكتُبون الوَصايا ينبِّهون الموصِين على أن الأفضل الوصيةُ بالخُمس لا بالثُّلث، وقد شاع عند الناس الثُّلث دائمًا، وهذا الحدُّ الأعلى الذي حدَّه الرسول - عليه الصلاة والسلام - وما دونه أفضلُ منه؛ فالرُّبع أفضلُ من الثُّلث، والخُمس أفضلُ من الرُّبع. وإذا كان الورثة محتاجين، فتركُ الوصية أولى، هم أحقُّ من غيرهم؛
قال النبيُّ - عليه الصلاة والسلام -:
«إِنَّكَ أَنْ تَذَرَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ، خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَذَرَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ»
[4].
فإذا كان الورثةُ الذين يَرِثونك تَعرِف أن حالهم وَسَطٌ والمالُ شَحيحٌ عندهم، وأنهم إلى الفقر أقربُ، فالأفضلُ ألَّا توصِي.
ففي هذا الحديث الإشارةُ إلى أن الإنسان يوصي؛ ولكن الوصية تنقسم إلى أقسام كما أشرنا، منها واجبة، ومنها محرَّمة، ومنها مباحة؛ فالواجبة: أن يوصيَ الإنسان بما عليه من الحقوق الواجبة؛ لئلَّا يَجحَدها الورثةُ، فيَضِيع حقُّ مَن هي له، لا سيَّما إذا لم يكن بها بيِّنة.
والثانية من الوصية الواجبة: وصيةُ من ترك مالًا كثيرًا لأقاربه الذين لا يَرِثون بدون تقدير؛ لكن لا تَزيد عن الثلث.
والوصية المحرَّمة نوعان أيضًا: أن تكون لأحدٍ من الورثة، وأن تكون زائدةً على الثُّلُث.
والمباحة: ما سوى ذلك؛ ولكن الأفضل أن تكون المباحةُ من الخُمُس فأقلَّ، وإن زاد للرُّبع، فلا بأس، وإلى الثُّلث فلا بأس، ولا يَزيد على الثُّلث" [5].
قال ابن حجر رحمه الله: "قوله: «يبيت»: كأنَّ فيه حذفًا، تقديرُه: (أن يبيت)، ويجوز أن يكون (يبيت) صفةً لمسلم، وبه جزم الطّيبيُّ، قال: هي صفة ثانية، وقولُه: «يوصي فيه» صفةُ (شيء)، ومفعول (يبيت) محذوف، تقديرُه: (آمنًا أو ذاكرًا)، وقال ابن التِّين: تقديره: موعوكًا، والأوّل أولى؛ لأنّ استحباب الوصيّة لا يختصُّ بالمريض، نعم قال العلماء: لا يُندَب أن يَكتُب جميع الأشياء المحقَّرة، ولا ما جرت العادة بالخروج منه والوفاء له عن قُرب، واللّه أعلم. قوله: «ليلتين» كذا لأكثر الرّواة، ولأبي عوانة والبيهقيِّ من طريق حمّاد بن زيد عن أيّوبَ: «يبيت ليلةً أو ليلتين»، ولمسلم والنّسائيِّ من طريق الزُّهْريِّ عن سالم عن أبيه: «يبيت ثلاث ليال»، وكأنّ ذكر اللّيلتين والثّلاث لرفع الحرج؛ لتزاحُم أشغال المرء الّتي يحتاج إلى ذكرها، ففسح له هذا القدر ليتذكَّر ما يحتاج إليه، واختلاف الرّوايات فيه دالٌّ على أنه للتقريب لا التَّحديد، والمعنى: لا يمضي عليه زمان وإن كان قليلًا إلّا ووصيّته مكتوبة، وفيه إشارة إلى اغتفار الزّمن اليسير، وكأنّ الثّلاث غاية للتّأخير؛ ولذلك قال ابن عمر في رواية سالم المذكورة: لم أبت ليلةً منذ سمعتُ رسول اللّه ﷺ يقول ذلك إلّا ووصيَّتي عندي. قال الطِّيبيُّ في تخصيص اللّيلتين والثّلاث بالذّكر: تسامح في إرادة المبالغة؛ أي: لا ينبغي أن يبيت زمانًا ما، وقد سامحناه في اللّيلتين والثّلاث، فلا ينبغي له أن يتجاوز ذلك" [6].
قال النوويُّ رحمه الله: "قوله ﷺ: «ما حقُّ امرئ مسلم له شيءٌ يريد أن يُوصِيَ فيه، يَبِيت ليلتين إلّا ووصيَّتُه مكتوبةٌ عنده»، وفي رواية: «ثلاثَ لَيَالٍ»: فيه الحثُّ على الوصيَّة، وقد أجمع المسلمون على الأمر بها؛ لكنَّ مذهبنا ومذهب الجماهير أنّها مندوبةٌ لا واجبة، وقال داود وغيره من أهل الظّاهر: هي واجبةٌ؛ لهذا الحديث، ولا دلالةَ لهم فيه؛ فليس فيه تصريح بإيجابها؛ لكن إن كان على الإنسان دَيْنٌ أو حقٌّ، أو عنده وَدِيعة ونحوُها، لَزِمه الإيصاء بذلك. قال الشّافعيُّ - رحمه اللّه -: معنى الحديث: ما الحَزْمُ والاحتياط للمسلم إلّا أن تكون وصيَّتُه مكتوبةً عنده، ويُستحبُّ تعجيلُها، وأن يَكتُبها في صحَّتِه، ويُشهِدَ عليه فيها، ويَكتُب فيها ما يحتاج إليه، فإن تجدَّد له أمرٌ يحتاج إلى الوصيَّة به، ألحقه بها. قالوا: ولا يُكلَّف أن يَكتُب كلَّ يوم محقَّرات المعاملات، وجُزئيَّات الأمور المتكرِّرة، وأمّا قوله ﷺ: «ووصيَّتُه مكتوبة عنده»، فمعناه: مكتوبةٌ وقد أَشهَد عليه بها، لا أنّه يَقتصِر على الكتابة؛ بل لا يعمل بها، ولا تَنفَع إلَّا إذا كان أَشهَد عليه بها، هذا مَذهَبنا ومذهبُ الجمهور، وقال الإمام محمّدُ بنُ نصرٍ الْمَرْوَزيُّ من أصحابنا: يكفي الكتابُ من غير إشهاد؛ لظاهر الحديث، واللّه أعلم" [7].
قال ابن حجر رحمه الله: "ولفظُه عند الدَّارَقُطْنيّ: «لا يَحِلُّ لمسلم أن يَبيت ليلتين إلَّا ووصيَّتُه مكتوبةٌ عنده» واستُدِلَّ بهذا الحديث مع ظاهر الآية على وجوب الوصيَّة، وبه قال الزُّهْريُّ وأبو مِجْلَز وعطاء وطلحةُ بنُ مصرِّف في آخرين، وحكاه البيهقيُّ عن الشّافعيِّ في القديم، وبه قال إسحاق وداودُ، واختاره أبو عوانة الإسفرايينيِّ وابن جرير وآخرون، ونسب ابن عبد البرِّ القول بعدم الوجوب إلى الإجماع سوى من شذَّ، كذا قال، واستُدِلَّ لعدم الوجوب من حيث المعنى؛ لأنّه لو لم يوصِ لقُسِّم جميع ماله بين ورثته بالإجماع، فلو كانت الوصيَّةُ واجبةً، لأُخرِج من ماله سهمٌ يَنُوب عن الوصيَّة، وأجابوا عن الآية بأنّها منسوخة كما قال ابن عبَّاس: كان المال للولد، وكانت الوصيَّة للوالدينِ، فنسخ اللّه من ذلك ما أحبَّ، فجعل لكلِّ واحد من الأبوين السُّدُس. الحديث، وأجاب من قال بالوجوب بأنّ الّذي نُسِخ الوصيَّة للوالدينِ والأقارب، الّذين يرثون، وأمّا الّذي لا يَرِث، فليس في الآية ولا في تفسير ابن عبّاس ما يقتضي النّسخ في حقِّه، وأجاب من قال بعدم الوجوب عن الحديث بأنّ قوله: (ما حقّ امرئ) بأنّ المراد الحزم والاحتياط؛ لأنّه قد يفجؤه الموت وهو على غير وصيّة، ولا ينبغي للمؤمن أن يَغفُل عن ذكر الموت والاستعداد له، وهذا عن الشّافعيِّ، وقال غيره: الحقُّ لغةً: الشّيء الثّابت، ويُطلَق شرعًا على ما ثبت به الحكم، والحُكم الثّابت أعمُّ من أن يكون واجبًا أو مندوبًا، وقد يُطلَق على الْمُباح أيضًا؛ لكن بقلَّة، قاله القرطبيُّ، قال: فإن اقترن به على أو نحوها، كان ظاهرًا في الوجوب، وإلّا فهو على الاحتمال، وعلى هذا التّقدير فلا حجَّةَ في هذا الحديث لمن قال بالوجوب؛ بل اقترن هذا الحقُّ بما يدلُّ على النَّدْب، وهو تفويض الوصيّة إلى إرادة الموصي، حيث قال: «له شيء يريد أن يوصي فيه» فلو كانت واجبةً، لَمَا علَّقها بإرادته، وأمّا الجواب عن الرّواية الّتي بلفظ (لا يحلُّ) فلاحتمال أن يكون راويها ذكرها وأراد بنفي الحلِّ ثبوتَ الجَوَاز بالمعنى الأعمِّ الّذي يَدخُل تحته الواجب والمندوب والمباح" [8].
قال ابن عثيمين رحمه الله: "وفي حديث ابن عمرَ - رضي الله عنهما - العملُ بالكتابة؛ لقوله ﷺ: «إلا ووصيته مكتوبة عنده»، فدلَّ هذا على جواز العمل؛ بل وجوب العمل بالكتابة. وفي قوله: «مكتوبة» اسم مفعول إشارة إلى أنه لا فرق بين أن يكون هو الكاتبَ أو غيرَه ممن تَثبُت الوصية بكتابته، فلا بدَّ أن تكون الكتابة معلومةً، إما بخطِّ الموصي نفسِه، أو بخطِّ شخص معتمَد، وأما إذا كانت بخطٍّ مجهول، فلا عبرةَ بها، ولا عَمَلَ عليها.
وفي قوله: «عنده» إشارةٌ إلى أنه ينبغي أن يحتفظ الإنسان بالوثائق، وألَّا يسلِّط عليها أحدًا؛ بل تكون عنده في شيء محفوظ محرَّز؛ كالصندوق وغيره؛ لأنه إذا أهملها، فربَّما تضيع منه، أو يسلَّط عليها أحد يَأخُذها ويُتلِفها، أو ما أَشبَه ذلك.
المهمُّ في هذا الاعتناءُ بالوصية، وأن يحتفظ بها الإنسان حتى لا تضيع. وفيه أيضًا سرعةُ امتثال الصحابة لأمر النبيِّ ﷺ، لذلك؛ قال ابن عمر - رضي الله عنهما - بعد ما سمع هذا الحديث من النبيِّ ﷺ:
(ما مرَّت علي ليلة منذ سمعتُ النبيَّ ﷺ يقول هذا إلا ووصيَّتي مكتوبةٌ عندي)؛ فالذي ينبغي للإنسان أن يهتمَّ بالأمر حتى لا يَفْجَأَه الموت، وهو قد أضاع نفسه، وأضاع حقَّ غيره"
[9].
قال ابن حجر رحمه الله: "واختلف القائلون بوجوب الوصيَّة، فأكثرُهم ذَهَب إلى وجوبها في الجُملة، وعن طاوس وقتادة والحسن وجابر بن زيد في آخرين: تجب للقَرابة الّذين لا يَرِثون خاصّة، أخرجه ابن جرير وغيره عنهم، قالوا: فإن أوصى لغير قَرابته، لم تَنْفُذ، ويُرَدُّ الثُّلث كلُّه إلى قرابته، وهذا قول طاوس، وقال الحسن وجابر بن زيد: ثُلثا الثُّلث، وقال قتادة: ثُلث الثُّلث، ونقل ابن المنذر عن أبي ثور أنّ المراد بوجوب الوصيّة في الآية والحديث يختصُّ بمن عليه حقٌّ شرعيٌّ يَخشى أن يَضيع على صاحبه إن لم يُوصِ به؛ كوديعة ودَين للّه أو لآدميٍّ، قال: ويدلُّ على ذلك تقييده بقوله: «له شيء يريد أن يوصي فيه»؛ لأنَّ فيه إشارةً إلى قدرته على تنجيزه ولو كان مؤجَّلًا، فإنّه إذا أراد ذلك، ساغ له، وإن أراد أن يوصيَ به، ساغ له، وحاصله يرجع إلى قول الجمهور: إنّ الوصيّة غير واجبة لعَيْنها، وإنّ الواجب لعَينه الخروجُ من الحقوق الواجبة للغير، سواء كانت بتنجيز أو وصيَّة، ومحلُّ وجوب الوصيّة إنّما هو فيما إذا كان عاجزًا عن تنجيز ما عليه، وكان لم يعلم بذلك غيره ممَّن يَثبُت الحقُّ بشهادته، فأمّا إذا كان قادرًا أو عَلم بها غيره، فلا وجوب، وعُرف من مجموع ما ذكرنا أنّ الوصيّة قد تكون واجبةً، وقد تكون مندوبةً فيمن رجا منها كثرة الأجر، ومكروهةً في عكسه، ومباحةً فيمن استوى الأمران فيه، ومحرَّمةً فيما إذا كان فيها إضرارٌ؛ كما ثبت عن ابن عبّاس: الإضرار في الوصيّة من الكبائر، رواه سعيد بن منصور موقوفًا بإسناد صحيح، ورواه النّسائيُّ، ورجاله ثقات" [10].
قال ابن حجر رحمه الله: "واستُدِلَّ بقوله: «مكتوبة عنده» على جواز الاعتماد على الكتابة والخطِّ، ولو لم يقترن ذلك بالشّهادة، وخصَّ أحمدُ ومحمّد بن نصر من الشّافعيَّة ذلك بالوصيّة؛ لثبوت الخبر فيها دون غيرها من الأحكام، وأجاب الجمهور بأنّ الكتابة ذُكِرت لِما فيها من ضبط المشهود به، قالوا: ومعنى (وصيّته مكتوبة عنده)؛ أي: بشرطها، وقال المحبُّ الطّبريُّ: إضمار الإشهاد فيه بُعْدٌ، وأُجيب بأنّهم استَدلُّوا على اشتراط الإشهاد بأمر خارج؛
كقوله تعالى:
{شَهَٰدَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ ٱلْمَوْتُ حِينَ ٱلْوَصِيَّةِ}
[المائدة: ١٠٦]،
فإنّه يدلُّ على اعتبار الإشهاد في الوصيَّة، وقال القرطبيُّ: ذكر الكتابة مبالغة في زيادة التّوثُّق، وإلّا فالوصيَّةُ المشهود بها متَّفق عليها ولو لم تكن مكتوبةً واللّه أعلم.
واستُدِلَّ بقوله: «وصيته مكتوبة عنده» على أنّ الوصيّة تَنفُذ وإن كانت عند صاحبها ولم يجعلها عند غيره، وكذلك لو جعلها عند غيره وارتجعها، وفي الحديث منقبة لابن عمر لمبادرته لامتثال قول الشّارع ومواظبته عليه، وفيه النَّدب إلى التّأهُّب للموت والاحتراز قبل الفَوت؛ لأنّ الإنسان لا يدري متى يَفجَؤُه الموت؛ لأنّه ما من سنٍّ يُفرَض إلّا وقد مات فيه جمعٌ جمٌّ، وكلُّ واحد بعينه جائز أن يموت في الحال، فينبغي أن يكون متأهِّبًا لذلك، فيكتب وصيَّتَه، ويجمع فيها ما يَحصُل له به الأجر، ويُحبِط عنه الوِزْرَ من حقوق اللّه وحقوق عباده، واللّه المستعان" [11].
قال ابن حجر رحمه الله: "واستُدِلَّ بقوله: «له شيء» أو «له مال» على صحّة الوصيَّة بالمنافع، وهو قول الجمهور، ومنعه ابن أبي ليلى وابن شبرمة وداود وأتباعه، واختاره ابن عبد البرِّ، وفي الحديث الحضُّ على الوصيّة، ومُطلَقُها يتناول الصّحيح؛ لكنّ السَّلَف خصُّوها بالمريض؛ وإنّما لم يقيَّد به في الخبر لاطَّرِاد العادة به، وقوله: (مكتوبة) أعمُّ من أن تكون بخَطِّه أو بغير خطِّه، ويُستفاد منه أنّ الأشياء الْمُهمَّة ينبغي أن تُضبَط بالكتابة؛ لأنّها أثبتُ من الضَّبط بالحفظ؛ لأنّه يَخُون غالبًا" [12].
1."شرح النوويِّ على مسلم" (11/ 74).
2. "شرح رياض الصالحين" لابن عثيمين (3/ 460، 461).
3. "فتح الباري" لابن حجر (5/ 357).
4. رواه البخاريُّ (1295)، ومسلم (1628).
5. "شرح رياض الصالحين" لابن عثيمين (3/ 461 - 464).
6. "فتح الباري" لابن حجر (5/ 357، 358).
7. "شرح النوويِّ على مسلم" (11/ 74 - 76).
8. "فتح الباري" لابن حجر (5/ 358).
9. "شرح رياض الصالحين" لابن عثيمين (3/ 464، 465).
10. "فتح الباري" لابن حجر (5/ 358، 359).
11. "فتح الباري" لابن حجر (5/ 359، 360).
12. "فتح الباري" لابن حجر (5/ 360).