عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ«مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهَا أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ» يَعْنِي أَيَّامَ الْعَشْرِ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ قَالَ: «وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ، فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ».


هدايات الحديث

من رحمة الله تعالى وفضله على عباده المؤمنين أن مَنَّ عليهم بأيام العَشْرِ من ذي الحِجَّة الْمُبارَكة؛ رَحمةً منه وفضلًا وكرَمًا، حيث يُضاعِفُ لهم فيها الأجرَ على الطاعات، ويُكرمهم فيها بجَزيلَ الثَّوابِ، ويكفِّر عنهم السيِّئات.

  1. ينبغي للمؤمن أن يغتنم هذه النفحات الكريمة بأن يستقبلها بالتوبة إلى الله تعالى، وأن يبرأ إلى الله تعالى من كلِّ المعاصي والآثام التي يرتكبها، وأن يجتنب كلَّ ما نهى الله تعالى عنه ورسولُه؛ فالذنوب والمعاصي تُقسِّي القلب، وتُبعده عن الله تعالى، وتحرم الإنسان فضلَ ربِّه.

  2. على المسلم أن يحرص أشدَّ الحرص على أن يغتنم العشر الأُوَل من ذي الحِجَّة بالإكثار من الطاعات والأعمال الصالحة فيها، وأن يجتنب المعاصيَ والآثام.

  3. على المسلم أن يستقبل عَشْرَ ذي الحجة ونفحاتها المبارَكة بالنية الخالصة، والقلب الصافي، والعزم الأكيد على اغتنامها، والسعي لنيل رضا الله تعالى، وليحرص على اغتنام هذه الْمَكرُمات والفضائل والنفحات قبل أن تفوته، فلا يحصِّل إلا الحسرة والندم.

  4. على المسلم أن يحرص على صيام يوم عَرَفَةَ، الَّذِي قال رَسُولُ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم عن صِيَامِه:

    «أَحْتَسِبْ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الْمَاضِيَةَ وَالْآتِيَةَ»

    [1].

  5. اعلم أن مِن أعظم الأعمال الصالحة والطاعاتِ في عشر ذي الحجة: ذِكرَ اللهِ تعالى، وأعظمُ الذِّكرِ قِراءةُ القُرآنِ، والتَّهليلُ، والتَّكبيرُ، والتَّحميدُ.

  6. عن ابْنِ عُمَرَ عن النبيِّ ﷺ قال:

    «ما مِن أيَّامٍ أعظمُ عِندَ اللهِ، ولا أحَبُّ إليه، مِن العَملِ فيهنَّ مِن هذه الأيَّامِ العَشْرِ؛ فأَكْثِروا فيهِنَّ مِن التَّهليلِ، والتَّكبيرِ، والتَّحْمِيد»

    [2].

  7. اعلم أن مِن أعظم الأعمال الصالحة والطاعاتِ في عشر ذي الحجة: الصيامَ، وإن لم تستطع صيام التسع، فما استطعت، ومهما يكن، فلا تفرِّط في صيام يوم عرفة.

  8. كَانَ ابْنُ عُمَرَ وَأَبُو هُرَيْرَةَ يَخْرُجَانِ إِلَى السُّوقِ فِي أَيَّامِ العَشْرِ يُكَبِّرَانِ، وَيُكَبِّرُ النَّاسُ بِتَكْبِيرِهِمَا [3].

  9. لتحرصْ أيها المسلم في عشر ذي الحجة على إحسان الفَرائض والواجِبات، والإكثار من كلِّ أعْمالِ البِرِّ والمَعروفِ، والتزوُّد من التَّطوُّعِ في العِباداتِ؛ من صلاة النوافل، وقيام الليل، والصيام، وبِرِّ الوالدينِ، وصلة الرحم، والإكثار من الصدقة، والإكثار من قراءة القرآن، والإكثار من الدعاء، والحرص على الصلاة في جماعة، وعلى الوقوف في الصفِّ الأوَّل في الجماعة، وهَلُمَّ جرًّا.

  10. إن الجهاد في سبيل الله ذِرْوةُ سَنام الإسلام، وهو من أفضل الأعمال الصالحة، وله الأجر العظيم والثواب الجزيل من الله تعالى، وله قَدْرُه في دين الإسلام، وشَرَفُه الذاتيُّ الذي لا يرتبط بزمان ولا مكان.

  11. للهِ قَومٌ أَطَاعُوا اللهَ خَالِقَهُم = فآمنوا واسْتَقَامُوا مِثْلَ ما أُمِرُوا

وَالوَجْدُ والشَّوْقُ وَالأَفْكَارُ قُوتُهُمُ = وَلازَمُوا الجِدَّ والإدْلاجَ في البُكَرِ

وَبَادَرُوا لرِضَا مَوْلاهُمُ وَسَعَوْا = قَصْدَ السَّبِيلِ إليه سَعْيَ مُؤْتَمِرِ

وَشَمَّرُوا وَاسْتَعَدُّوا وَفْقَ ما طُلِبُوا = وَاسْتَغْرقوا وَقْتَهُمْ في الصَّوم والسَّهَرِ

وَجَاهَدُوا وانْتَهَوْا عَمَّا يُبَاعِدُهم = عَنْ بَابِهِ وَاسْتَلانُوا كُلَّ ذِي وَعِرِ

جَنَّاتُ عَدْنٍ لَهُم مَا يَشتهونَ بها = في مَقْعَدِ الصِّدْقِ بَيْنَ الرَّوْضِ والزَّهَرِ

لَهُم مِنَ اللهِ مَا لا شَيْءَ يَعْدِلُهُ = سَمَاعُ تَسْليمِهِ وَالفَوزُ بِالنَّظَرِ

13. طُوْبَى لِعَبْدٍ أَطَاعَ اللهَ خَالِقَهُ = وَقَامَ جَنْحَ الدُّجَى بالدَّمْعِ مُنْسَجِمِ

14. وَمَنْ لَمْ يَكُنْ في طَاعَةِ اللهِ شُغْلُهُ = عَلَى كُلِّ حَالٍ لا يَفُوزُ بِبُغْيَةِ

وَمَنْ أَكْثَرَ العِصْيَانَ مِن غَيْرِ تَوْبةٍ = فَذَاكَ طَرِيحٌ في فَيَافِي الغَوَايَةِ

بَعِيدٌ مِنَ الخَيْرَاتِ حَلَّ بِه البَلا = وَوَاجَهَهُ الخِذْلانُ من كُلِّ وِجْهَةِ

تَنَكَّبَ عَجْزًا عَنْ طَرِيقِ عَزِيمَةٍ = وَمَالَ لِتَأوِيلٍ ضَعِيفٍ وَرُخْصَةِ

يَهِمُّ بِلا جِدٍّ وَلَيْسَ بِنَاهِضٍ = عَلى قَدَمِ التَشْمِيرِ مِنْ فَرْطِ غَفْلَةِ

وَقَدْ سَارَ أَهْلُ العَزْمِ وَهْوَ مُخَلَّفٌ = وَقَدْ ظَفِرُوا بِالقُربِ مِنْ خَيْرِ حَضْرَةِ

وَقَدْ أَدْرَكُوا الْمَطْلُوبَ وَهْوَ مُقَيَّدٌ = بِقَيْدِ الأَمَانِي وَالحُظُوظِ الخَسِيسَةِ

وَلَمْ يَنْتَهِزْ مِن فَائِتِ العُمْرِ فُرْصَةً = وَلَم يَغْتَنِمْ حَالَيْ فَرَاغٍ وَصِحَّةِ

المراجع

  1. رواه مسلم (1162).
  2. رواه أحمد (5446)، وصحَّحه شعيب الأرنؤوط.
  3. "صحيح البخاريِّ" (2/ 20).

مشاريع الأحاديث الكلية