الفوائد العلمية
1. في الحديث توجيه وإرشاد للمسلم إلى خطورة حبِّ الإمارة والرياسة، وسؤالها، والغفلة عن حقيقة أمرها؛ فإنها في الدنيا أمانة كبرى ومسؤولية عظمى، ويوم القيامة ستكون على من لم يقم بحقِّها خِزْيًا وندامة.
2. في الحديث إشارة إلى أن الإمارة وغيرها من الولايات التي تتعلَّق بها مصالح الناس، ينبغي أن يُسعى بها إلى أهلها ومستحقِّيها، ولا ينبغي للناس أن يَتَصارعوا عليها؛ بل على العبد أن يسأل الله العافية والسلامة؛ فإنه لا يدري هل تكون الولاية خيرًا له أو شرًّا؟ وهل يستطيع القيام بحقِّها أو لا؟
3. في الحديث بيان أن الإمارة أمر شاقٌّ لا يَخرُج عن عُهدتها إلَّا الأفرادُ من الرجال، فلا يسألها أحدٌ عن تشوُّف نفس.
4. في الحديث دليلٌ على أنه من تعاطى أمرًا وسوَّلت له نفسه أنه قائم بذلك الأمر، أنه يُخذَل فيه في أغلب الأحوال؛ لأنه من سأل الإمارة لم يسألها إلا وهو يرى نفسه أهلًا لها؛ فقد قال : «وُكِل إليها»؛ بمعنى: لم يُعَنْ على ما أُعْطيَه، والتعاطي أبدًا مقرونٌ بالخِذلان[1].
5. من دُعيَ إلى عمل أو إمامة في الدين فقَصَّر نفسه عن تلك المنزلة وهاب أمرَ الله، رزقه الله المعونة، وهذا إنما هو مبنيٌّ على أنه مَن تَواضَع لله رَفَعه[2].
6. إن طلب الشَّرفِ بالوِلايةِ والسُّلطانِ والمال خطرٌ جدًّا، يَمنَعُ خيرَ الآخرةِ وشَرَفَها وكرامَتها وعزَّها؛ قال الله تعالى:
﴿ تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا ۚ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ﴾
وقَلَّ مَن يحرص على رياسة الدنيا بطلب الولاياتِ فوُفِّق؛ بل يُوكَلُ إلى نفسه[3].
7. قال بعضُ السَّلفِ: ما حرصَ أحدٌ عَلَى ولايةٍ فعَدَل فيها[4].
8. كان يَزيدُ بنُ عبد الله بن وهبٍ من قضاةِ العدلِ والصَّالحين، وكان يقولُ: من أَحَبَّ المالَ والشَّرف، وخافَ الدوائِرَ، لم يَعدِلْ فيها[5].
9. عن أبي هريرةَ، عن النبيِّ ﷺ قال:
«إِنكم سَتحرصونَ عَلَى الإمارة، وستكونُ ندامةً يوم القيامةِ»[6].
10. عن أبي موسى الأشعريِّ
أنَّ رجلين قالا للنبيِّ ﷺ: يا رسولَ الله، أَمِّرْنا. قال: «إِنَّا لاَ نُوَلِّي أَمرَنَا هذا مَن سأَلَه، ولا من حَرَصَ عليه»[7].
11. مَن لَم يحرص على الإمارة، ولم يتشوَّف لها، بل أتتْه مِن غير مسألة، فخاف أن يُقصِّرَ في القيامِ بأعبائها، فإن الله يُعينه عليها، ويوفِّقه فيها؛ لأنَّه في هذه الحالة يَقْوَى توكُّلُه على الله تعالى، ومتى أخذ العبدُ بالأسباب متوَكِّلًا على الله أفلح ونجح.
المراجع
- "شرح صحيح البخاريِّ" لابن بطَّال (8/ 217).
- "شرح صحيح البخاريِّ" لابن بطَّال (8/ 217).
- "مجموع رسائل ابن رجب" (1/ 71).
- "مجموع رسائل ابن رجب" (1/ 71).
- "مجموع رسائل ابن رجب" (1/ 71).
- رواه البخاريُّ (7148).
- رواه البخاريُّ (7149)، ومسلم (1733).
الفوائد الفقهية
12. يتعيَّن على الإمام أن يبحث عن أرضى النّاس وأفضلِهم فيُولِّيه؛ لِما أخرجه الحاكم والبيهقيُّ أنّ النّبيَّ ﷺ قال: «
مَنْ اسْتَعْمَلَ رَجُلًا عَلَى عِصَابَةٍ، وَفِي تِلْكَ الْعِصَابَةِ مَنْ هُوَ أَرْضَى لِلَّهِ تَعَالَى مِنْهُ، فَقَدْ خَانَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَجَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ»[1].
13. إن الإمارة وسياسة الناسِ مِن فروض الكفايات؛ حيث تتوقَّف كثيرٌ من الواجبات عليها، وهي مِن أعظم العبادات لِمَن أَخلَص فيها وقام بحقِّها، ومن أكبر السيِّئات لِمَن لَم يكُن كذلك.
14. في الحديث كراهةُ سؤال الولاية، سواءً ولايةُ الإمارةِ والقضاءِ والحِسبة وغيرها، وبيان أنّ من سأل الولاية لا يكون معه إعانة من اللّه تعالى، ولا تكون فيه كفاية لذلك العمل، فينبغي أن لا يولَّى؛ ولهذا قال ﷺ: «لَا نُوَلِّي عَمَلَنَا مَنْ طَلَبَهُ أَوْ حَرَصَ عَلَيْهِ»[2].
15. إنّما نهى ﷺ عن طلب الإمارة؛ لأنّ الولاية تُفيد قوّةً بعد ضعف، وقدرةً بعد عجز تتَّخِذها النّفس المجبولة على الشّرِّ وسيلةً إلى الانتقام من العدوِّ، والنّظر للصَّدِيق، وتتبُّع الأغراض الفاسدة، ولا يوثَق بحُسن عاقبتها، ولا سلامة مجاورتها، فالأَوْلى أن لا تُطلَب ما أَمكَن[3].
16. يمكِن الجمعُ بين قول يوسف - عليه السلام -:
﴿قَالَ اجْعَلْنِي عَلَىٰ خَزَائِنِ الْأَرْضِ﴾
وقول الرسول ﷺ: «لا تسأل الإمارة» بأن ذلك لغير الأنبياء؛ بسبب عصمتهم من الذنوب، وأن شرع مَن قبلنا شرعٌ لنا ما لم يأتِ شرعُنا بخلافه، وقد جاء شرعنا بالنَّهي عن سؤال الإمارة، أو أنه يجوز طلبُ الإمارة إذا دعت مصلحة الدين، لا حظوظ النفس.
17. قال سليمانُ :
وسؤاله الْمُلكَ خارجٌ عن مَحَلِّ النِّزاع؛ إذ مَحَلُّهُ سؤالُ المخلوقين لا سؤالُ الخالق، وسليمانُ - عليه السلام - إنما سأل الخالق[4].
18. إذا تعيَّنت الإمارة على الشخص، واحتِيج إليه، فلا بأس أن يسألها إذا رأى المصلحة في ذلك؛ لا للعُلوِّ في الأرض، ولا للفساد، ولا للطمع؛ ولكن لمصلحة المسلمين؛ تأسِّيًا بيوسفَ عليه السلام.
19. قال تعالى: وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ ﱠ عن الحَلِف بالله كاذبًا، وعن كثرة الأَيمان، واحفظوها إذا حَلفتُم عن الحِنث فيها؛ إلا إذا كان الحنث خيرًا، فتمامُ الحفظ: أن يفعل الخير، ولا يكون يمينُه عُرضةً لذلك الخير[5].
20. من حَلَف يمينًا، جَزْمًا لا لَغْوًا، ثم بدا له أمرٌ آخَرُ، إمضاؤه أفضلُ من إبرار يمينه، فليأتِ ذلك الأمرَ، وليكفِّرْ عن يمينه[6].
21. اختلفوا في تقديم كفَّارة اليمين على الحِنْثِ، فذهب أكثرُ الصحابة وغيرهم إلى جوازه، وإليه ذهب الشافعيُّ ومالكٌ وأحمدُ، إلا أن الشافعيَّ يقول: إن كفَّر بالصَّوم قبلَ الحِنث، فلا يجوز؛ وإنما يجوز العِتْقُ أو الإطعام أو الكِسوة، كما يجوز تقديم الزكاة على الحَوْل، ولا يجوز تعجيلُ صوم رمضان قبل وقته[7].
22. من حَلَف على معصية؛ مثل: لا يصلِّي أو لا يكلِّم أباه، أو ليَقْتُلنَّ فلانًا، يَجِب عليه أن يحنِّث نفسَه ويكفِّر عن يمينه[8].
23. إذا كان الْمَحْلُوفُ عليه فعلَ معصية، أو تركَ فرض، فالحِنثُ واجب[9].
24. إذا كان المحلوفُ عليه غيرُه أَوْلى منه؛ كالحَلِف على ترك وطء زوجته شهرًا أو نحوه، فإنّ الحِنْث أفضلُ؛ لأنّه الرِّفْق[10].
25. الْحِنْثُ أفضل إذا أقسم ليضربنَّ عبدَه، وهو يستأهل ذلك، أو ليَشْكُوَنَّ مديونه إن لم يوافِه غدًا؛ لأنّ العفوَ أفضل، وكذا تيسير المطالَبة[11].
26. إذا أقسم على شيء، وضدُّه مثله؛ كالحَلِف لا يأكل هذا الخُبز، ولا يَلبَس هذا الثّوب، فالبرُّ في هذا وحفظ اليمين أَوْلى، ولو قال قائل: إنّه واجب؛ لقوله تعالى:
﴿ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ ﴾
على ما هو المختار في تأويلها أنّه فيما أمكن، لا يَبعُد[12].
المراجع
- "سبل السلام" للصنعانيِّ (2/ 567).
- "شرح النوويِّ على مسلم" (11/116).
- "سبل السلام" للصنعانيِّ (2/ 567).
- "نيل الأوطار" للشوكانيِّ (8/ 296).
- "مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح" للملا علي القاري (6/ 2239).
الفوائد اللغوية
27. قَوْله: (فَرَأَيْتَ) من الرَّأْي لَا من الرُّؤْيَة بالبصر.
28. قَوْله: (غَيرهَا) مرجع الضَّمِير للْيَمِين؛ وَلكنه يؤوَّل بالشيء المحلوف عليه.