121 - فضلُ سورتَي المعوِّذتين

عَنْ عُقبةَ بنِ عَامرٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ : «أَلَمْ تَرَ آيَاتٍ أُنْزِلَتِ اللَّيْلَةَ لَمْ يُرَ مِثْلُهُنَّ قَطُّ: ﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ﴾ [الفلق: 1]، و ﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ﴾ [الناس: 1]»

عناصر الشرح

المعنى الإجماليُّ للحديث

يروي عُقبةُ بنُ عَامرٍ رضي الله عنه أن رَسُول اللهِ ﷺ قال له:

«أَلَمْ تَرَ آيَاتٍ أُنْزِلَتِ اللَّيْلَةَ لَمْ يُرَ مِثْلُهُنَّ قَطُّ»؛ هي: سورة الفلق: ﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ﴾؛

 أي: (قل) متعوِّذًا: (أَعُوذُ)؛ أي: ألجأ وأَلُوذ وأعتصم (بِرَبِّ الْفَلَقِ)؛ أي: فالق الحبِّ والنَّوى، وفالق الإصباح.

وسورة الناس:

﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ﴾

أي: (قل) متعوِّذًا: (أَعُوذُ)؛ أي: ألجأ وألوذ وأعتصم (بِرَبِّ الناس).

الشرح المفصَّل للحديث

اختصَّ الله تعالى بعض سور القرآن بمَزيَّة خاصَّة، وفضَّل بعض القرآن على بعضه؛

قال تعالى:

﴿مَا نَنسَخْ مِنْ ءَايَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍۢ مِّنْهَآ أَوْ مِثْلِهَآ ۗ أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍۢ قَدِيرٌ﴾

[البقرة : 106]،

ومن بين هذه السور المعوِّذتان، وكان النبيُّ ﷺ حريصًا على ما يَنفَع أصحابه رضي الله عنهم وأمَّته في الدنيا والآخرة، فأخبر الصحابيَّ الجليل عقبةَ بنَ عامرٍ رضي الله عنه بفضل وعِظم هاتين السورتين: سورةِ الفَلَق، وسورة الناس، فقال: «أَلَمْ تَرَ آيَاتٍ أُنْزِلَتِ اللَّيْلَةَ»: والرؤية المرادُ يها هنا: العلمُ، والاستفهام تقريريٌّ، حاصلُه:  إثبات ما بعد النفيِ؛ أي: أَعلَمُ آياتٍ أُنزلت الليلةَ، «لَمْ يُرَ مِثْلُهُنَّ قَطُّ:

﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلْفَلَقِ﴾

و

﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ﴾

والمعنى: أنه لم يُنزِل اللهُ تعالى عليَّ فيما مضى من الزمان مثل هؤلاء الآيات في بابهن، وهو الاستعاذة؛ يعني: أنه لم تكن آياتُ سورةٍ كُلُّهُنَّ تعويذٌ للقارئ غير هاتين السورتين [1]، والمراد: فيما أُنزلن لأجله، وهو الاستعاذة، ودفع الأعين، وكفاية شرِّ الحاسد في العائن والنفَّاثات [2].

وقد ورد في فضل هاتين السورتين الكثيرُ من الأحاديث، وأنهما كافيتان للمسلم من كلِّ شيء، وتَدفَعان السوء عن قارئهما؛

فعن عبد الله بن خُبَيْبٍ رضي الله عنه قال:

خرجنا في ليلة مَطيرة وظُلمة شديدة نَطلُب رسول الله ﷺ يصلِّي لنا، قال: فأدركتُه، فقال: «قل» فلم أقُلْ شيئًا، ثم قال: «قل»، فلم أقل شيئًا، قال: «قل»، فقلتُ: ما أقول؟ قال: «قل: قل هو الله أحد، والمعوِّذتين حين تُمسي وتُصبح ثلاثَ مرَّات تَكفِيك من كلِّ شيء»

[3]،

وكان النبيُّ ﷺ يتعوَّذ بالله تعالى من أَعْيُن الإنس والجانِّ، ويُكثِر من ذلك، حتى نزلت سورتا الفلق والناس، فأخذهما واكتفى بهما عن غيرهما؛

فعن أبي سعيدٍ الخدريِّ رضي الله عنه قال:

«كان رسول الله ﷺ يتعوَّذ من الجانِّ، وعَين الإنسان، حتى نزلت المعوِّذتان، فلمَّا نزلتا، أخذ بهما، وترك ما سواهما»

[4]

وكان ﷺ إذا مَرِض قرأهما في نفسِه، ومَسَح بيده على جسده، وكذلك كانت تفعل عائشةُ رضي الله عنها في مرضه الذي توفِّي فيه؛

فعن عائشةَ زوجِ النبيِّ ﷺ:

«أن رسول الله ﷺ كان إذا اشتكى، يقرأ في نَفْسِهِ بِالْمُعَوِّذَاتِ ويَنفُث، فلما اشتدَّ وَجَعُه، كنتُ أقرأ عليه، وأمسح عليه بيده؛ رجاءَ بركتها»

[5].


المراجع

1.  " البحر احمليط الثجاج" حملمد بن علي اإلتيويب 821/11(.

2. " التنوير شرح اْلامع الصغري " للصنعاين /8 242(. 

3. رواه أبو داود (5082)، والترمذيُّ (3575)، وقال الترمذيُّ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ، وقال الألبانيُّ في "صحيح الترغيب والترهيب" (1/ 158): حسن صحيح.

4. رواه النسائيُّ (7804)، والترمذيُّ (2058)، وقال الترمذيُّ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ، وصحَّحه الألبانيُّ في "صحيح الجامع الصغير وزيادته" (4902).

5. رواه أبو داود (3902)، وصحَّحه الألبانيُّ في "صحيح وضعيف سنن أبي داود".



النقول

قال الطيبيُّ رحمه الله: قوله: «ألم تر» هي كلمةُ تعجُّب وتَعجِيب؛ ولذلك بيَّن معنى التعجُّب بقوله: «لم يُرَ مثلُهن»؛ يعني: لم تكن آياتُ سورة كلُّهن تعويذًا للقارئ من شرِّ الأشرار غيرَ هاتين السورتين. وأقول: ولذلك كان رسول الله ﷺ يتعوَّذ من عين الجانِّ، وعين الإنسان. فلمَّا نزلت المعوِّذتان، أخذ بهما، وتَرَك ما سواهما، ولَمَّا سُحِر استشفى بهما. وإنما كان كذلك؛ لأنهما من الجوامع في هذا الباب، فتأمَّل في أوَّلهما، كيف خصَّ وصف الْمُستعاذ به بـ «ربِّ الفلق»؛ أي: بفالق الإصباح؛ لأن هذا الوقت وقتُ فيضان الأنوار، ونزول الخيرات والبركات، وخصَّ المستعاذ منه بـ «ما خَلَق»، فابتدأ بالعامِّ من قوله:

﴿مِن شَرِّ مَا خَلَقَ﴾

أي: من شرِّ خَلقِه، وشرِّ ما يَفعَله المكلَّفون من المعاصي، ومضارَّة بعضهم بعضًا من ظُلم وبغيٍ، وقتلٍ وضربٍ، وشَتْمٍ وغيرِه، وما يَفعَله غير المكلَّفين من الحيوان؛ كالسِّباع والحشرات، من الأكل والنَّهش، واللَّدغ والعضِّ، وما وضَعَه الله في غير الحيوان من أنواع الضرر؛ كالإحراق في النار، والقتل في السُّمِّ، ثم ثنَّى بالعطف عليه ما هو شرُّه أخفى من الزمان، ما هو نقيضُ انفلاق الصُّبح من دخول الظلام واعتكاره المعنيِّ بقوله:

﴿وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ﴾

لأن انبثاث الشرِّ فيه أكثرُ، والتحرُّز منه أصعبُ، ومنه قولهم: الليلُ أخفى للوَيل. وخصَّ ما يَكِنُّ في الزمان بما غائلتُه خفيَّة من النفَّاثات والحاسد. الكشاف: وقد خصَّ شرَّ هؤلاء من كلِّ شرٍّ؛ لخفاء أمرِه، وأنه يَلحَق الإنسان من حيث لا يَعلَم كأنما يُغتال به، وقيَّد الحاسد بـ

﴿إِذَا حَسَدَ﴾

لأن الحاسد إذا أَظهَر حَسَده، وعَمِل بمقتضاه من بغيِ الغوائل للمحسود، كان شرُّه أتمَّ، وضَرُّه أكملَ" [1].

قال النوويُّ رحمه الله: "فيه بيانُ عِظَم فضل هاتين السّورتين، وفيه دليلٌ واضح على كونهما من القرآن، وردٌّ على من نَسَب إلى ابن مسعود خلاف هذا، وفيه أنّ لفظة (قل) من القرآن ثابتة من أوّل السّورتين بعد البسملة، وقد أجمعت الأمّة على هذا كلِّه. قوله ﷺ في الرّواية الأخرى: «أنزل - أو أنزلت - عليَّ آيات لم يُر مثلهنّ قطُّ؛ المعوّذتين» ضبطنا (نر) بالنّون المفتوحة، وبالياء المضمومة، وكلاهما صحيح. قوله : «المعوِّذتين» هكذا هو في جميع النّسخ، وهو صحيح، وهو منصوب بفعل محذوف؛ أي: أعني المعوّذتين، وهو بكسر الواو" [2].

قال الطيبيُّ رحمه الله: "ثم تفكَّر في ثانِيَتهما، كيف وَصَف المستعاذَ به بالربِّ، ثم بالْمَلِك، ثم بالإله، وأضافها إلى الناس، وكرَّره، وخصَّ المستعاذَ منه بالوَسواس المعنيِّ به الْمُوَسْوِس من الجِنَّة والناس. الكشاف: إن الاستعاذة وقعت من شرِّ الموسوِس في صدور الناس، وكأنه قيل: أعوذ من شرِّ الموسوِس إلى الناس بربِّهم الذي يَملِك عليهم أمورَهم، وهو إلهُهم ومعبودُهم، كما يَستغيث بعضُ الْمَوالي إذا اعتراهم خَطْبٌ بسيِّدهم ومخدومهم ووَلِيِّ أمرهم. بيَّن بـ(ملك الناس)، ثم زِيدَ بيانًا بـ(إله الناس)؛ لأنه قد يُقال لغيره: ربُّ الناس، وقد يُقال: مَلِك الناس، وأما إلهُ الناس، فخاصٌّ لا شِرْكة فيه، فجُعِل غايةً للبيان.

وأقول: هذه المبالَغة في جانب المستعاذ به، والترقِّي في الصفات يقتضي المبالغة في المستعاذ منه، ولَعَمْري، إن هذه الوسوسة إما أن تكون في صدور المستعيذ، وهي رأسُ كلِّ شرٍّ، ومَنشَأ كلِّ ضلالة وكُفر وبِدعة، أو في صدور من يناديه ويضادُّه، وهي مَعدِن كلِّ مضرَّة، ومَنبَع كلِّ نَكال وعقوبة، فيَدخُل فيه نَفْثَةُ كلِّ نافث، وحَسَدُ كلِّ حاسد" [3].

قال ابن تيمية رحمه الله: " فقد أَخبَر في هذا الحديث الصّحيح أنّه لم يُرَ مثلُ المعوِّذتين، كما أخبر أنّه لم يَنزِل في التّوراة ولا في الإنجيل ولا في الزّبور ولا في القرآن مثلُ الفاتحة، وهذا ممّا يبيِّن فضل بعض القرآن على بعض" [4].

قال ابن الجوزيُّ رحمه الله: "وفي (الفلق) أربعة أقوال؛ أحدها: الصبح، والثاني: الخَلق كلُّه. والثالث: سجن في جهنَّمَ، وهذه الأقوال عن ابن عباس. وقال وهب: حيَّة في جهنم. وقال السُّدِّيُّ: وادٍ في جهنَّم. والرابع: أنه كل ما انفلق عن شيءٍ؛ كالصُّبح والحَبِّ والنَّوى، قاله الحسن. وَفِي "أَحْدَاث الطلاب" مَن يَقُول: المعوّذتين بِفَتْح الْوَاو، وَالصَّوَاب الْكسر" [5]

قال السعديُّ رحمه الله: "(قل) متعوِّذًا: (أَعُوذُ)؛ أي: ألجأ وألوذ، وأعتصم (بِرَبِّ الْفَلَقِ)؛ أي: فالق الحبِّ والنَّوى، وفالق الإصباح. (مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ)، وهذا يَشمَل جميع ما خَلَق الله، من إنس، وجنٍّ، وحيوانات، فيُستعاذ بخالقها من الشرِّ الذي فيها، ثم خصَّ بعد ما عمَّ، فقال: (وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ)؛ أي: من شرِّ ما يكون في الليل، حين يَغشى الناسَ، وتنتشر فيه كثيرٌ من الأرواح الشرِّيرة، والحيوانات المؤذِية. (وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ)؛ أي: ومن شرِّ السواحر، اللاتي يستعنَّ على سحرهنَّ بالنَّفْثِ في العُقَد، التي يَعقِدْنَها على السِّحْرِ. (وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ): والحاسدُ: هو الذي يحبُّ زوال النعمة عن المحسود، فيسعى في زوالها بما يَقدِر عليه من الأسباب، فاحتيجَ إلى الاستعاذة بالله من شرِّه، وإبطال كَيده، ويَدخُل في الحاسد العائنُ؛ لأنه لا تَصدُر العَيْنُ إلا من حاسد شرِّير الطَّبع، خبيثِ النفس، فهذه السورة، تضمَّنت الاستعاذة من جميع أنواع الشرور، عمومًا وخصوصًا. ودلَّت على أن السحر له حقيقةٌ يُخشى من ضَرَره، ويُستعاذ بالله منه ومن أهله" [6].

قال ابن القيم رحمه الله: "وقوله: (من شرِّ حاسد إذا حسد) يعمُّ الحاسدَ من الجنِّ والإنس؛ فإن الشيطان وحزبه يَحسُدون المؤمنين على ما آتاهم الله تعالى من فضله؛ كما حَسَد إبليسُ أبانا آدمَ، وهو عدوٌّ لذُرِّيته؛ ولكن الوسواس أخصُّ بشياطين الجنِّ، والحسد أخصُّ بشياطين الإنس، والوسواسُ يعمُّهما، والحسدُ يعمُّهما أيضًا؛ فكلا الشيطانين حاسدٌ مُوَسوِس، فالاستعاذة من شر الحاسد تتناولهما جميعًا، فقد اشتملت السورة على الاستعاذة من كلِّ شر في العالم، وتضمَّنت شرورًا أربعة يُستعاذ منها شرًّا عامًّا، وهو شرُّ ما خَلَق، وشرُّ الغاسق إذا وقب، فهذا نوعان، ثم ذكر شرَّ الساحر والحاسد، وهي نوعان أيضًا؛ لأنهما من شرِّ النفس الشرِّيرة، وأحدهما يَستعين بالشيطان ويَعبُده، وهو الساحر، وقلَّما يتأتَّى السِّحر بدون نوع عبادة للشيطان، وتقرُّب إليه، إما بذَبْحٍ باسمه، أو بذَبح يُقصد به هو، فيكون ذبحًا لغير الله، وبغير ذلك من أنواع الشرك والفسوق. والساحر وإن لم يُسَمِّ هذا عبادةً للشيطان، فهو عبادة له، وإن سمَّاه بما سمَّاه به؛ فإن الشِّرك والكفر هو شرك وكُفر لحقيقته ومعناه، لا لاسمه ولَفظِه؛ فمن سَجَد لمخلوق وقال: ليس هذا بسجود له، هذا خضوع وتقبيل الأرض بالجبهة كما أقبِّلها بالنِّعم، أو هذا إكرام، لم يَخرُج بهذه الألفاظ عن كونه سجودًا لغير الله، فليسمِّه بما شاء" [7].

قال السعديُّ رحمه الله: "وهذه السورةُ مشتمِلة على الاستعاذة بربِّ الناس ومالكِهم وإلهِهم، من الشيطان الذي هو أصلُ الشرور كلِّها ومادَّتها، الذي من فتنته وشرِّه، أنه يوسوِس في صدور الناس، فيُحسِّن لهم الشرَّ، ويُريهم إيَّاه في صورة حَسَنة، وينشِّط إرادتهم لفعلِه، ويقبِّح لهم الخير، ويثبِّطهم عنه، ويُريهم إيَّاه في صورة غير صورته، وهو دائمًا بهذه الحال يوسوِس ويَخْنُسُ؛ أي: يتأخَّر إذا ذَكَر العبدُ ربَّه واستعان على دَفْعِه، فينبغي له أن يستعين ويستعيذ ويعتصم بربوبية الله للناس كلِّهم. وأن الخلق كلَّهم داخلون تحت الربوبية والْمُلك، فكلُّ دابَّة هو آخِذٌ بناصيتها. وبألوهيته التي خلقهم لأجلها، فلا تتمُّ لهم إلا بدفع شرِّ عدوِّهم، الذي يريد أن يقتطِعَهم عنها، ويَحُول بينهم وبينها، ويُريد أن يَجعَلهم من حزبه؛ ليكونوا من أصحاب السعير، والوَسْوَاس كما يكون من الجنِّ يكون من الإنس؛ ولهذا قال: (مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ)"  [8].

قال ابن تيمية رحمه الله: ""أمّا الأوّل، فهو مسألة كبيرة، والنّاس متنازعون فيها نزاعًا منتشرًا، فطوائف يقولون: بعض كلام اللّه أفضل من بعض كما نطقت به النّصوص النّبويّة؛ حيث أخبر عن الفاتحة أنّه لم يَنزِل في الكتب الثّلاثة مثلُها، وأخبر عن سورة الإخلاص أنّها تَعدِل ثُلث القرآن، وعَدْلُها لثُلثه يمنع مساواتها لمقدارها في الحروف، وجعل آية الكرسيِّ أعظم آية في القرآن؛ كما ثبت ذلك في الصّحيح أيضًا،

وكما ثبت ذلك في صحيح مسلم أنّ النّبيَّ ﷺ قال لأُبيِّ بنِ كعب:

«يا أبا المنذر، أتدري أيُّ آية من كتاب الله معك أعظم؟» قال: قلت: الله ورسوله أعلم. قال: «يا أبا المنذر، أتدري أيُّ آية من كتاب الله معك أعظم؟» قال: قلت: ٱللَّهُ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ٱلْحَىُّ ٱلْقَيُّومُ ۚ  قال: فضرب في صدري، وقال: «والله ليَهْنِكَ العلمُ أبا المنذر»، وقال في المعوِّذتين: لم ير مثلهنّ قطُّ، وقد قال تعالى: مَا نَنسَخْ مِنْ ءَايَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍۢ مِّنْهَآ أَوْ مِثْلِهَآ ۗ أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍۢ قَدِيرٌﱠ [البقرة: ١٠٦] ، فأخبر أنّه يأتي بخير منها أو مثلها، وهذا بيان من اللّه لكون تلك الآية قد يأتي بمثلها تارةً، أو خير منها أخرى، فدلَّ ذلك على أنّ الآياتِ تتماثل تارةً، وتتفاضل أخرى. وأيضًا فالتّوراة والإنجيل والقرآن جميعها كلام اللّه، مع علم المسلمين بأنّ القرآن أفضل الكتب الثّلاثة.  قال تعالى: وَأَنزَلْنَآ إِلَيْكَ ٱلْكِتَٰبَ بِٱلْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ ٱلْكِتَٰبِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ ۖ [المائدة: ٤٨] 


... وقد سمّى اللّه القرآن كلّه مجيدًا وكريمًا وعزيزًا، وقد تحدَّى الخلق بأن يأتوا بمثله، أو بمثل عشْرِ سور منه، أو بمثل سورة منه... والقول بأنّ كلام اللّه بعضه أفضل من بعض هو القول المأثور عن السّلف، وهو الّذي عليه أئمّة الفقهاء من الطّوائف الأربعة وغيرهم، وكلام القائلين بذلك كثير منتشر في كتب كثيرة" [9].

المراجع

1. "الكاشف عن حقائق السنن" للطِّيبيِّ (5/ 1650)

2. "شرح النوويِّ على مسلم" (6/ 96).

3. "الكاشف عن حقائق السنن" للطِّيبيِّ (5/ 1651).

4.  "مجموع الفتاوى" (17/ 9).

5. " كشف المشكل من حديث الصحيحين " لابن الجوزيِّ (4/ 141).

6. "تفسير السعديِّ" (ص: 937).

7. "بدائع الفوائد" لابن القيم (2/ 759، 760).

8.  "تفسير السعديِّ" (ص: 937، 938).

9. "مجموع الفتاوى" (17/ 10 - 13).


مشاريع الأحاديث الكلية