عَنْ عُقبةَ بنِ عَامرٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ : «أَلَمْ تَرَ آيَاتٍ أُنْزِلَتِ اللَّيْلَةَ لَمْ يُرَ مِثْلُهُنَّ قَطُّ: ﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ﴾ [الفلق: 1]، و ﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ﴾ [الناس: 1]»
عَنْ عُقبةَ بنِ عَامرٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ : «أَلَمْ تَرَ آيَاتٍ أُنْزِلَتِ اللَّيْلَةَ لَمْ يُرَ مِثْلُهُنَّ قَطُّ: ﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ﴾ [الفلق: 1]، و ﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ﴾ [الناس: 1]»
اختصَّ الله تعالى بعض سور القرآن وآياته ببعض الفضائل العظيمة، ومنها المعوِّذتان.
ورد في فضل المعوِّذتين الكثيرُ من الأحاديث، وأنهما كافيتان للمسلم من كلِّ شيء، وتَدفَعان السوء عن قارئهما.
عن عبد الله بن خُبَيْبٍ رضي الله عنه قال:
خرجنا في ليلة مَطيرة وظُلمة شديدة نَطلُب رسول الله ﷺ يصلِّي لنا، قال: فأدركتُه، فقال: «قل» فلم أقُلْ شيئًا، ثم قال: «قل»، فلم أقل شيئًا، قال: «قل»، فقلتُ: ما أقول؟ قال: «قل: قل هو الله أحد، والمعوِّذتين حين تُمسي وتُصبح ثلاثَ مرَّات تَكفِيك من كلِّ شيء»
[1].
عن أبي سعيدٍ الخدريِّ رضي الله عنه قال:
«كان رسول الله ﷺ يتعوَّذ من الجانِّ، وعَين الإنسان، حتى نزلت المعوِّذتان، فلمَّا نزلتا، أخذ بهما، وترك ما سواهما
[2]
عن عائشةَ زوجِ النبيِّ ﷺ:
«أن رسول الله ﷺ كان إذا اشتكى، يقرأ في نَفْسِهِ بِالْمُعَوِّذَاتِ ويَنفُث، فلما اشتدَّ وَجَعُه، كنتُ أقرأ عليه، وأمسح عليه بيده؛ رجاءَ بركتها»
[3].
في (الفلق) أربعة أقوال؛ أحدها: الصبح، والثاني: الخَلق كلُّه. والثالث: سجن في جهنَّمَ، أو حيَّة في جهنم، أو وادٍ في جهنَّم. والرابع: أنه كل ما انفلق عن شيءٍ؛ كالصُّبح والحَبِّ والنَّوىـ [4].
في الحديث بيانُ عِظَم فضل هاتين السُّورتين، وفيه دليلٌ واضح على كونهما من القرآن، وردٌّ على من نَسَب إلى ابن مسعود خلاف هذا، وفيه أنّ لفظة (قُلْ) من القرآن ثابتة من أوّل السّورتين بعد البسملة، وقد أجمعت الأمَّة على هذا كلِّه [5].
لَمَّا نزلت المعوِّذتان، أخذ بهما النبيُّ ﷺ، وتَرَك ما سواهما، ولَمَّا سُحِر، استشفى بهما؛ لأنهما من الجوامع في هذا الباب [6].
في سورة الفلق قيَّد الحاسد بـ
﴿وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ﴾؛
لأن الحاسد إذا أَظهَر حَسَده، وعَمِل بمقتضاه من بغيِ الغوائل للمحسود، كان شرُّه أتمَّ، وضَرُّه أكملَ [7].
في سورة الناس، وَصَف المستعاذَ به بالربِّ، ثم بالْمَلِك، ثم بالإله، وأضافها إلى الناس، وكرَّره، وخصَّ المستعاذَ منه بالوَسواس المعنيِّ به الْمُوَسْوِس من الجِنَّة والناس [8].
الوسوسة إما أن تكون في صدور المستعيذ، وهي رأسُ كلِّ شرٍّ، ومَنشَأ كلِّ ضلالة وكُفر وبِدعة، أو في صدور من يناديه ويضادُّه، وهي مَعدِن كلِّ مضرَّة، ومَنبَع كلِّ نَكال وعقوبة، فيَدخُل فيه نَفْثَةُ كلِّ نافث، وحَسَدُ كلِّ حاسد [9].
أَخبَر في هذا الحديث الصّحيح أنّه لم يُرَ مثلُ المعوِّذتين، كما أخبر أنّه لم يَنزِل في التّوراة ولا في الإنجيل ولا في الزَّبور ولا في القرآن مثل الفاتحة، وهذا ممّا يبيِّن فضل بعض القرآن على بعض [10].
الحاسدُ: هو الذي يحبُّ زوال النعمة عن المحسود، فيسعى في زوالها بما يَقدِر عليه من الأسباب، فاحتيجَ إلى الاستعاذة بالله من شرِّه، وإبطال كَيده [11].
يَدخُل في الحاسد العائنُ؛ لأنه لا تَصدُر العَيْنُ إلا من حاسد شِرِّير الطَّبع، خبيثِ النفس [12]
سورة الفلق تضمَّنت الاستعاذة من جميع أنواع الشرور، عمومًا وخصوصًا، ودلَّت على أن السحر له حقيقةٌ يُخشى من ضَرَره، ويُستعاذ بالله منه ومن أهله [13].
سورةُ الناس مشتمِلة على الاستعاذة بربِّ الناس ومالكِهم وإلهِهم، من الشيطان الذي هو أصلُ الشرور كلِّها ومادَّتها، الذي من فتنته وشرِّه، أنه يوسوِس في صدور الناس، فيُحسِّن لهم الشرَّ، ويُريهم إيَّاه في صورة حَسَنة، وينشِّط إرادتهم لفعلِه، ويقبِّح لهم الخير، ويثبِّطهم عنه، ويُريهم إيَّاه في صورة غير صورته [14]
الشيطان دائمًا يوسوِس ويَخْنُسُ؛ أي: يتأخَّر إذا ذَكَر العبدُ ربَّه واستعان على دَفْعِه، فينبغي له أن يستعين ويستعيذ ويعتصم بربوبية الله للناس كلِّهم، وأن الخلق كلَّهم داخلون تحت الربوبية والْمُلك، فكلُّ دابَّة هو آخِذٌ بناصيتها [15].
ينبغي للعبد أن يستعين ويستعيذ ويعتصم بألوهية الله للناس كلِّهم، التي خلقهم لأجلها، فلا تتمُّ لهم إلا بدفع شرِّ عدوِّهم، الذي يريد أن يقتطِعَهم عنها، ويَحُول بينهم وبينها، ويُريد أن يَجعَلهم من حزبه؛ ليكونوا من أصحاب السعير [16].
الوَسْوَاس كما يكون من الجنِّ، يكون من الإنس؛ ولهذا قال: (مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ) [17]
قوله: (من شرِّ حاسد إذا حسد) يعمُّ الحاسدَ من الجنِّ والإنس؛ فإن الشيطان وحزبه يَحسُدون المؤمنين على ما آتاهم الله تعالى من فضله؛ كما حَسَد إبليسُ أبانا آدمَ، وهو عدوٌّ لذُرِّيته؛ ولكن الوَسواس أخصُّ بشياطين الجنِّ، والحسد أخصُّ بشياطين الإنس، والوسواسُ يعمُّهما، والحسدُ يعمُّهما أيضًا؛ فكلا الشيطانين حاسدٌ مُوَسوِس، فالاستعاذة من شر الحاسد تتناولهما جميعًا [18].
اشتملت سورة الفلق على الاستعاذة من كلِّ شر في العالم، وتضمَّنت شرورًا أربعة يُستعاذ منها شرًّا عامًّا، وهو شرُّ ما خَلَق، وشرُّ الغاسق إذا وقب، فهذا نوعان، ثم ذكر شرَّ الساحر والحاسد، وهو نوعان أيضًا؛ لأنهما من شرِّ النفس الشرِّيرة، وأحدهما يَستعين بالشيطان ويَعبُده، وهو الساحر [19].
قلَّما يتأتَّى السِّحر بدون نوع عبادة للشيطان، وتقرُّب إليه، إما بذَبْحٍ باسمه، أو بذَبح يُقصد به هو، فيكون ذبحًا لغير الله، وبغير ذلك من أنواع الشرك والفسوق [20].
الساحر وإن لم يُسَمِّ أفعاله عبادةً للشيطان، فهو عبادةٌ له، وإن سمَّاه بما سمَّاه به؛ فإن الشِّرك والكفر هو شرك وكُفر لحقيقته ومعناه، لا لاسمه ولَفظِه؛ فمن سَجَد لمخلوق وقال: ليس هذا بسجود له، هذا خضوع وتقبيل الأرض بالجبهة كما أقبِّلها بالنِّعم، أو هذا إكرام، لم يَخرُج بهذه الألفاظ عن كونه سجودًا لغير الله، فليسمِّه بما شاء [21].
الفوائد اللغوية:
24. (ألم تَرَ): كلمة تقولها العرب عند التعجُّب من الشيء، وعند تنبيه المخاطَبـ [1]، والمرادُ بالرؤية هنا: العلمُ، والاستفهام تقريريٌّ، حاصلُه: إثبات ما بعد النفيِ؛ أي: أَعلَمُ آياتٍ أُنزلت الليلة.
25. هناك مَن يَقُول: (المعوّذتين) بِفَتْح الْوَاو، وَالصَّوَاب الْكسرـ [2].