1. الروح في البَدَن حياةٌ، وغِيابُها موت، وكذلك الذِّكر، إنه روح تُحيي ما تَحُلُّ به وتَسري فيه، جمادًا كان أو إنسانًا، وإذا غابت عن شيء فهو الموت، ويا لَقَساوة القلب الغافل! إنه لَقلبٌ ميِّت!
2. ما تَلَذَّذَ المتلَذِّذون بِمِثْلِ ذكرِ الله - عزَّ وجلَّ - فليس شيءٌ من الأعمال أخفَّ مُؤنةً منه، ولا أعظمَ لذَّةً ولا أكثرَ فرحةً وابتهاجًا للقلب[1].
3. البيتُ الذي يملؤه ذكرُ الله تعالى، والذي يحيا فيه الذاكر، هو بمنزلة بيت الحيِّ، فيه حياةٌ، وقلبُ الذاكر حيٌّ فيه حياة، أما بيتُ الغافل، فإنه بمنزلة بيت الميِّت، بمنزلة القبر، وقلبُ الغافل قاسٍ ميتٌ لا روحَ فيه ولا حياة.
4. أدنى دَرَجات الذِّكر الذكرُ باللسان دون حضور القلب؛ حيث إن المقصود من ذكر الله تعالى حضورُ القلب، وأفضلُه ما تَوَاطَأ عليه القلبُ واللسان، ثم ذكر الله بالقلب وحدَه.
5. رغم أن الذكر سهلٌ يسير، فإنه لا يتأتَّى إلا لمن كان قلبُه عامرًا بالإيمان.
6. لابدَّ أن يناجيَ القلبُ ربَّه، ما بين تضرُّع لله، وثناءٍ، وتملُّق، واستعظام، وغيرها من أنواع المناجاة بالقلب الحيِّ، وهذا شأن كلِّ محبٍّ وحبيبه.
7. هذه هي القلوب الحيَّة التي وصفها الله تعالى بقوله:
{الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ}
قلوب تطمئنُّ بذكر الله وتَأنَس به، وبصِلَتها بالله تعالى، والأُنس بجواره، والأمن في جَنَابِه وفي حِماه، لا تَسْتَوْحِش الطريق، ولا يُصيبها الحَيرة والوَحْدةُ والقَلق.
8. إذا كانت الروح في البَدَن حياةً، وغِيابُها موتًا، فكذلك الذكر، يُحيي ما يَحُلُّ به، جمادًا كان أو إنسانًا، بيتًا كان أو قلبًا؛ فيا لقساوة القلب الغافل! إنه لَقلبٌ ميت.
9. قلوب الذاكرين تَأنَس وتطمئنُّ بالله، وبمعرفته، وبحكمتِه، ورحمتِه، لا تخشى ما يصيبها من ضُرٍّ أو شَرٍّ لا تُدرك حكمته؛ بل هي مطمئنَّة بذكر الله، وبحمايته، فتصبر على البلاء؛ بل ترضى بما يُصيبها، وتدرك أنه الخير؛
{أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ}.
10. إذا كان ذكرُ الله كالروح، فهو مِثْلُها يَسْرِي في القلب كما تَسري الروح في الَبَدن، فيستشعر الطمأنينةَ والصِّلة بالله، فيَنعَم، ويُسَرُّ بها، ويَنْدَى بها، ويَهَشُّ لها، فيطمئنُّ ويشعر أنه ليس مُفرَدًا دون أنيس في هذا الوجود.
11. ليس هناك أسعدُ من الذاكرين اللهَ كثيرًا والذاكرات، وليس هناك أشقى في هذا الوجود ممن غَفَل عن ذكر الله فقَسَا قلبه، وحُرم طمأنينة الأُنس إلى الله.
12. احرص على أن يكون قلبك حيًّا، وبيتُك عامرًا بالحياة، وما ذلك إلا بذكر الله، والأُنس إليه، والصلة به، والاطمئنان إليه.
13. فَنِسْيَانُ ذِكْرِ اللهِ مَوْتُ قُلُوبِهِمْ = وَأَجْسَامُهُمْ قَبْلَ الْقُبُورِ قُبُورُ
وَأَرْوَاحُهُمْ فِي وَحْشَةٍ مِنْ جُسُومِهِمْ = وَلَيْسَ لَهُمْ حَتَّى النُّشُورِ نُشُورُ
14. فذِكرُ إلَهِ العرشِ سرًّا ومُعْلِنًا = يُزِيلُ الشَّقَا والهَمَّ عَنْكَ ويَطْرُدُ
ويَجْلِبُ للخَيراتِ دنيا وآجِلًا = وإنْ يأتِكَ الوَسواسُ يومًا يُشَرَّدُ
15. عَلَيْكَ بذِكْرِ اللهِ يا طالبَ الأَجْرِ = وَيا راغِبًا في الخَيْرِ والفَضْلِ والبِرِّ
عليكَ بِهِ تُعطى الرغائبَ كلَّها = وتُكفى به كلَّ الْمُهمَّات والضُرِّ
فمَنْ يَذْكُرِ الرحمنَ فهْوَ جَلِيسُهُ = ومَنْ يَذْكُرِ اللهَ يُكافِئْهُ بالذِّكْرِ
ومَنْ يَعْشُ عن ذِكْرِ الإلهِ فإنه = قَرِينٌ له الشَّيْطَانُ في داخِلِ الصَّدْرِ
ومَن يَنْسَ مَوْلاهُ الكَرِيمَ فَرَبُّهُ = له ناسيًا، أَعْظِمْ بذلك من خُسْرِ!
له استحوَذَ الشَّيْطَانُ نسَّاهُ ذِكْرَ مَنْ = تفضَّلَ بالإيجادِ في أوَّلِ الأمرِ
المراجع
- "الوابل الصيب من الكلم الطيب" لابن القيم (ص 81).