المعنى الإجماليُّ للحديث:
يروي أبو مُوسَـى الأشعريُّ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ، أنه قَالَ: «مَثَلُ الْبَيْتِ الَّذِي يُذْكَرُ اللهُ فِيهِ، وَالْبَيْتِ الَّذِي لَا يُذْكَرُ اللهُ فِيهِ، مَثَلُ الْـحَيِّ وَالْـمَيِّتِ»: شبَّه ﷺ حالة البيت الذي يُذكر الله فيه بالإنسان الحيِّ، الذي يتمتَّع بروحه، ويبتهج ويَسعَد، ويَضِجُّ بالحياة والحركة، والسعادة والبهجة، وشبَّه حالةَ البيت الذي لا يُذكَر الله تعالى فيه بحالة الميِّت، ساكنِ الحركة، لا رُوح فيه، ولا يَقترِب أحد منه؛ بل يستوحشون منه، ويَهرُبون من دخوله.
وقال ﷺ: «مَثَلُ الَّذِي يَذْكُرُ رَبَّهُ، وَالَّذِي لَا يَذْكُرُ رَبَّهُ، مَثَلُ الحَيِّ وَالـمَيِّتِ»، وكذلك شبَّه ﷺ الذي يذكر ربَّه بالحيِّ، والذي لا يذكر ربَّه بالميت لا رُوح فيه.
الشرح المفصَّل للحديث:
من أساليب تعليم النبِّي ﷺ لأصحابه أن يَضرِب لهم الأمثال ليفهموا مُراده، وفي هذا الحديث يَضرِب النبيُّ ﷺ المثل ليقرِّب أهميته في الأذهان، ويرسِّخها في النفوس، فشبَّه حالة البيت الذي يُذكر الله فيه بالإنسان الحيِّ، الذي يتمتَّع بروحه، ويبتهج ويَسعَد، ويَضِجُّ بالحياة والحركة، والسعادة والبهجة، ويشبِّه حالة البيت الذي لا يُذكَر الله تعالى فيه بحالة الميِّت، ساكنِ الحركة، لا رُوح فيه، ولا يَقترِب أحد منه؛ بل يستوحشون منه، ويَهرُبون من دخوله، وإذا كان هذا حالَ البيت، فحالُ الإنسان الذي يَذكُر الله مثلُ حال البيت الذي يُذكَر فيه الله، وحالُ الإنسان الذي لا يَذكُر الله مثلُ حال البيت الميِّت.
فالذي يَذكُر الله تعالى قد أحيا الله قلبَه بذكره، وشَرَح له صدره، فكان كالحيِّ، وأما الذي لا يَذكُر الله فإنه لا يطمئنُّ قلبه، ولا يَنشرِح صدره للإسلام، فهو كمَثَل الميِّت، وهذا مَثَلٌ ينبغي للإنسان أن يَعتبِر به، وأن يَعلَم أنه كلَّما غَفَل عن ذِكر اللهِ - عزَّ وجلَّ - فإنه يقسو قلبه، وربما يموت قلبه، والعياذ بالله[1].
و"الذي يوصَف بالحياة والموت حقيقةً هو السَّاكنُ لا السَّكَنُ، وأن إطلاق الحَيِّ والمَيِّت في وصف البيت إِنَّما يُراد به ساكنُ البيت، فشَبَّه الذاكرَ بِالْحَيِّ الذي ظاهرُه مُتزيِّنٌ بنور الحياة، وباطنُه بنور المعرفة، وغيرَ الذاكر بالبيت الذي ظاهرُه عاطلٌ، وباطنُه باطلٌ، وقيل: مَوقعُ التشبيه بِالْحَيِّ والميِّت لِما في الْحَيِّ من النفع لمن يُواليه، والضُّرِّ لمن يُعاديه، وليس ذلك في المَيِّت"[2].
وقد "شبَّه الذاكرَ بالحيِّ الذي تزيَّن ظاهرُه بنور الحياة وإشراقها فيه، وبالتصرُّف التامِّ فيما يُريد، وباطنُه منوِّر بنور العلم والفَهم والإدراك، كذلك الذاكرُ مزيَّن ظاهرُه بنور العمل والطاعة، وباطنُه بنور العلم والمعرفة، فقلبُه مستقِرٌّ في حظيرة القُدس، وسِرُّه في مِخْدَع الوصل، وغير الذاكر عاطلٌ ظاهرُه، وباطلٌ باطنه"[3].
والذكرُ هو استحضار القلب لعظمة الله، وللخوف من اليوم الآخر، وجَرَيان اللسان بالثناء على الله تعالى بما ثبت شرعًا من أسمائه أو صفاته، أو بطَلَب غُفرانه وفضله. وله معنًى أشمل وأعمُّ؛ حيث يَشمَل كلَّ عمل صالح؛ من صلاة وزكاة وسُنن وطَلَب عِلم وذِكر أحوال، وذِكر مُطلَق وذكر مقيَّد.
وقد أمرنا الله تعالى به في قوله:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرً}
{فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ}
{وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا}
وأمر به نبيَّه ﷺ في قوله:
{وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ}
والمراد بالذكر: الإتيانُ بالألفاظ التي ورد الترغيب في قولها، والإكثارُ منها؛ مثل الباقيات الصالحات، وهي: "سبحان اللَّه، والحمد للَّه، ولا إله إلا اللَّه، واللَّه أكبر"، وما يَلتحِق بها من الْحَوْقَلة والبَسْمَلة والحَسْبَلة والاستغفار، ونحوِ ذلك، والدعاء بخيرَيِ الدنيا والآخرة، ويُطْلَق ذكر اللَّه أيضًا، ويراد به المواظبَةُ على العمل بما أَوجَبه، أو نَدَب إليه؛ كتلاوة القرآن، وقراءة الحديث، ومدارسة العلم، والتنفُّل بالصلاة، ثم الذكرُ يقع تارةً باللسان، ويؤجَر عليه الناطق، ولا يُشترَط استحضاره لمعناه؛ ولكن يُشترَط أن لا يقصد به غير معناه، وإن انضاف إلى النُّطق الذكرُ بالقلب، فهو أكملُ، فإن انضاف إلى ذلك استحضارُ معنى الذكر، وما اشتمل عليه من تعظيم الله تعالى، ونفي النقائص عنه، ازداد كمالًا، فإن وقع ذلك في عمل صالح من صلاة، أو جهاد، أو غيرهما، ازداد كمالًا، فإن صحَّح التوجُّهَ، وأخلص للَّه تعالى في ذلك، فهو أبلغُ الكمال[4].
والذِّكْرُ لَذَّةُ قلوب العارفين
قال اللَّه - عزَّ وجلَّ -:
{الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ}
فـ"ما تَلَذَّذَ المتلَذِّذون بِمِثْلِ ذكرِ الله - عزَّ وجلَّ - فليس شيءٌ من الأعمال أخفَّ مؤنةً منه، ولا أعظم لذَّةً ولا أكثرَ فرحةً وابتهاجًا للقلب"[5].
ولرسول الله ﷺ أحاديثُ أخرى في فضل الذكر؛ منها قوله:
«ألا أُنبِّئُكم بخيرِ أعمالِكم، وأزكاها عند مَليكِكم، وأرفعِها في درجاتِكم، وخيرٍ لكم من إنفاقِ الذَّهبِ والوَرِقِ، وخيرٍ لكم من أن تَلْقَوا عدوَّكم فتضرِبوا أعناقَهم، ويضرِبوا أعناقَكم؟». قالوا: بلى. قال: «ذكرُ اللهِ»[6].
وفي الحديث القدسيِّ يقول الله تعالى:
«أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، وَأَنَا مَعَهُ حِينَ يَذْكُرُنِي، إِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ، ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي، وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَأٍ، ذَكَرْتُهُ فِي مَلَأٍ هُمْ خَيْرٌ مِنْهُمْ، وَإِنْ تَقَرَّبَ مِنِّي شِبْرًا، تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا، تَقَرَّبْتُ مِنْهُ بَاعًا، وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً»[7].
وأنَّ رجلًا قال: يا رسولَ الله، إنَّ شرائعَ الإسلامِ قد كثُرت عليَّ، فأخبِرني بشيءٍ أتشبَّثُ به، قال: «لا يَزَالُ لسانُكَ رَطْبًا مِنْ ذِكْرِ اللهِ»[8].
وهو عبادةٌ سهلةٌ لا تحتاج إلى تهيئة كحاجة الصلاة للتهيئة بالوضوء، ولا تحتاج إلى هيئة معيَّنة مثل حركات الصلاة، فالذكر يكون على كلِّ حال، قيامًا أو قعودًا أو على جَنْب
{إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ 190 الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ}
ورغم هذه السهولة، فإنها لا تتأتَّى إلا لمن كان قلبُه عامرًا بالإيمان.
وفوائدُ الذكر دنيويًّا وأخرويًّا كثيرة جدًّا، يجمعها أنه - على اختصاص كلِّ ذكرٍ بفضلٍ - يُشعِر بالصلة القويَّة بالله تعالى وبمعيَّته، ومقرِّبٌ من الله، ومريحٌ للنَّفْس، ونافعٌ للبدن، وجالبٌ لكلِّ خيرٍ، وحافظٌ من كلِّ شرٍّ، ورافعٌ للدرجات، وماحٍ للسيِّئات، وقد جمع الإمام ابن القيم $ في كتابه "الوابل الصيِّب" أكثرَ من سبعين فائدةً للذِّكر، مما ذكره فيها: يَطرُد الشيطان ويَقمَعه ويكسره - يُرضي الرحمن عزَّ وجلَّ - يُزيل الهمَّ والغمَّ عن القلب - يَجلِب للقلب الفرح والسرور والبسط - يقوِّي القلب والبدن - ينوِّر الوجه والقلب - يَجلِب الرزق - يكسو الذاكر المهابةَ والحلاوة والنَّضرة - ينال الذاكرُ محبَّة الله عزَّ وجلَّ - يُورِث الذاكرَ المراقبة حتى يُدخله في باب الإحسان فيعبد الله كأنه يراه، ولا سبيل للغافل عن الذكر إلى مقام الإحسان. وغير ذلك الكثير من الفوائد التي ذكرها ابن القيم في كتابه.
وذكرُ الله متنوِّعٌ؛ فقد يكون مطلَقًا يجوز في كلِّ وقت؛ مثل قراءة القرآن، وهو أفضل الذكر، وفيه بكلِّ حرف حسنةٌ، والحسنة بعشْر أمثالها. ومثل التسبيح والتهليل والتكبير والاستغفار، والثناء على الله تعالى بأسمائه وصفاته.
وقد يكون بالذكر المقيَّد بأحوال خاصة؛ مثل ذِكر دخول المسجد، والخروج من المسجد، والذكر بعد الصلاة، وذكر دخول البيت، والخروج من البيت، وذكر النوم، وذكر الاستيقاظ من النوم، وذكر النَّظر في الْمِرآة، وذكر لُبس الثوب، وذكر بَدء الطعام، وذكر الفراغ من الطعام، وذكر شُرب الماء، وذكر رؤية الهلال، وذكر طُلوع الأماكن المرتفعة، وذكر النزول من الأماكن المرتفعة، وذكر دخول الخَلاء، وذكر الخروج من الخلاء، وغيرها من أذكار الأحوال.
وللذكر آداب منها: إخلاصُ النيَّة الذي هو شرطُ قَبول كلِّ عمل، والحرصُ على حضور القلب، ويُستحبُّ الوضوء ونظافة المكان، واستقبال القِبلة إن تهيَّأ، ويمكِن قطع الذكر لترديد الأذان، أو لإرشاد الضالِّ عن الطريق، أو لردِّ السلام، أو للأمر بالمعروف والنهي عن المنكَر، ثم يعود إلى ذكره.
المراجع
- "شرح رياض الصالحين" لابن عثيمين (5/ 517).
- "فتح الباري" لابن حجر (11/ 210، 211).
- "الكاشف عن حقائق السنن" للطِّيبيِّ (5/ 1722).
- "البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج" للولويِّ (16/ 159).
- "الوابل الصيب من الكلم الطيب" لابن القيم (ص 81).
- رواه أحمد (21702)، والترمذيُّ (3377)، وصحَّحه الألبانيُّ في "صحيح الترغيب والترهيب" (1493).
- رواه مسلم (2675).
- رواه أحمد (18167)، وابن ماجه (3793)، والترمذيُّ (3375)، وصحَّحه الألبانيُّ في "صحيح الترغيب والترهيب" (1491).
النقول:
قال ابن عثيمين رحمه الله: "مَثَلُ الذي يَذكُر اللهَ، والذي لا يذكر الله كمَثَل الحيِّ والميِّت؛ وذلك لأن الذي يَذكُر الله تعالى قد أحيا الله قلبَه بذِكره، وشَرَح له صدرَه، فكان كالحيِّ، وأما الذي لا يذكُر الله، فإنه لا يطمئنُّ قلبُه - والْعِيَاذُ بالله - ولا يَنشِرح صدره للإسلام، فهو كمَثَل الميِّت، وهذا مَثَلٌ ينبغي للإنسان أن يَعتبِر به، وأن يعلم أنه كلَّما غَفَل عن ذِكر الله - - عزَّ وجلَّ - - فإنه يقسو قلبُه، وربما يموت قلبُه، والعياذ بالله!"[1].
قال ابن حجر رحمه الله: "الذي يوصَف بالحياة والموت حقيقةً هو السَّاكنُ لا السَّكَنُ، وأن إطلاق الحَيِّ والمَيِّت في وصف البيت إِنَّما يُراد به ساكنُ البيت، فشَبَّه الذاكرَ بِالْحَيِّ الذي ظاهرُه مُتزيِّنٌ بنور الحياة، وباطنُه بنور المعرفة، وغيرَ الذاكر بالبيت الذي ظاهرُه عاطلٌ، وباطنُه باطلٌ، وقيل: مَوقعُ التشبيه بِالْحَيِّ والميِّت لِما في الْحَيِّ من النفع لمن يُواليه، والضُّرِّ لمن يُعاديه، وليس ذلك في المَيِّت"[2].
قال النوويُّ رحمه الله: "قَوْلُهُ ﷺ: «مَثَلُ الْبَيْتِ الَّذِي يُذْكَرُ اللهُ فِيهِ، وَالْبَيْتِ الَّذِي لَا يُذْكَرُ اللهُ فِيهِ، مَثَلُ الْـحَيِّ وَالْـمَيِّتِ». فيه النَّدب إلى ذكر اللّه تعالى في البيت، وأنّه لا يُخلَى من الذّكر، وفيه جواز التّمثيل، وفيه أنّ طول العمر في الطّاعة فضيلة، وإن كان الميّت ينتقل إلى خير؛ لأنّ الحيَّ يستلحق به ويَزيد عليه بما يفعله من الطّاعات"[3].
قال الطِّيبيُّ رحمه الله: "شبَّه الذاكرَ بالحيِّ الذي تزيَّن ظاهرُه بنور الحياة وإشراقها فيه، وبالتصرُّف التامِّ فيما يُريد، وباطنُه منوِّر بنور العلم والفَهم والإدراك، كذلك الذاكرُ مزيَّن ظاهرُه بنور العمل والطاعة، وباطنُه بنور العلم والمعرفة، فقلبُه مستقِرٌّ في حظيرة القُدس، وسِرُّه في مِخْدَع الوصل، وغير الذاكر عاطلٌ ظاهرُه، وباطلٌ باطنه"[4].
قال ابن القيم رحمه الله: "الذّكر ثلاثة أنواع: ذكر الأسماء والصّفات ومعانيها، والثّناء على اللّه بها، وتوحيد اللّه بها، وذكرُ الأمر والنّهي، والحلال والحرام، وذكرُ الآلاء والنَّعماء والإحسان والأيادي، وأنه ثلاثة أنواع أيضًا: ذكر يتواطأ عليه القلب واللّسان، وهو أعلاها، وذكر بالقلب وحده وهو في الدّرجة الثّانية، وذكر باللّسان المجرَّد، وهو في الدّرجة الثّالثة"[5].
قال محمدُ بن عليٍّ الولويُّ رحمه الله: "المراد بالذِّكر: الإتيانُ بالألفاظ التي وَرَد الترغيبُ في قولها، والإكثارِ منها؛ مثل الباقيات الصالحات، وهي: "سبحانَ اللَّه، والحمدُ للَّه، ولا إلهَ إلا اللَّهُ، واللَّهُ أكبرُ"، وما يَلتحِق بها من الحَوْقَلة والبَسْمَلة والحَسْبَلة والاستغفار، ونحوِ ذلك، والدعاء بخيرَيِ الدنيا والآخرة، ويُطْلَق ذكرُ اللَّهِ أيضًا، ويُراد به المواظبةُ على العمل بما أَوجَبه، أو نَدَب إليه؛ كتلاوة القرآن، وقراءةِ الحديث، ومُدارسة العلم، والتنفُّلِ بالصلاة، ثم الذِّكرُ يقع تارةً باللسان، ويؤجر عليه الناطق، ولا يُشترَط استحضاره لمعناه؛ ولكن يُشترط أن لا يَقصِد به غيرَ معناه، وإن انضاف إلى النُّطق الذكرُ بالقلب فهو أَكمَلُ، فإن انضاف إلى ذلك استحضارُ معنى الذكر، وما اشتمل عليه من تعظيم الله تعالى، ونَفْيِ النقائص عنه، ازداد كمالًا، فإن وقع ذلك في عمل صالح من صلاة، أو جهاد، أو غيرهما، ازداد كمالًا، فإن صحَّح التوجُّهَ، وأَخلَص للَّه تعالى في ذلك، فهو أبلغُ الكمال"[6].
قال مالكُ بنُ دِينَارٍ رحمه الله: "ما تَلَذَّذَ المتلَذِّذون بِمِثْلِ ذكرِ الله - عزَّ وجلَّ - فليس شيءٌ من الأعمال أخفَّ مؤنةً منه، ولا أعظم لذَّةً ولا أكثرَ فرحةً وابتهاجًا للقلب"[7].
المراجع
- "شرح رياض الصالحين" لابن عثيمين (5/ 517).
- "فتح الباري" لابن حجر (11/ 210، 211).
- "شرح النوويِّ على مسلم" (6/ 68).
- "الكاشف عن حقائق السنن" للطِّيبيِّ (5/ 1722).
- "مدارج السالكين" لابن القيم (2/ 403).
- "البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج" للولويِّ (16/ 159).
- "الوابل الصيب من الكلم الطيب" لابن القيم (ص 81).