85 - حقُّ الوالدَين والقُربى

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى رسول الله ﷺ فقال: يا رسول الله، من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: (أمُّك) قال: ثم من؟ قال: (أمك)، قال: ثم من؟ قال: (أمك)، قال: ثم من؟ قال: (أبوك)، وفي رواية قال: (أمك، ثم أمك، ثم أمك، ثم أباك، ثم أدناك أدناك)


فوائد الحديث

الفوائد العلمية

1. في الحديث "الحثُّ على برِّ الأقارب، وأنَّ الأمَّ أحقُّهم بذلك، ثمّ بعدها الأب، ثمّ الأقرب فالأقرب" [1].

2. برُّ الوالدينِ من أفضل الأعمال، ومِن أعظم أسباب دخول الجنة.

3. في الحديث تأكيد حقِّ الأمِّ وأمانة برِّها على برِّ الأب، "وسبب تقديم الأمِّ كثرةُ تَعَبها عليه، وشَفَقتها، وخِدمتها، ومعاناة المشاقِّ في حمله، ثمّ وضعه ثمّ إرضاعه ثمّ تربيته وخدمته وتمريضه، وغير ذلك" [2].

4. مقتضى الحديث أن يكون للأمِّ ثلاثة أمثال ما للأب من البِرِّ، وقد وقعت الإشارة إلى ذلك في قوله تعالى:

﴿وَوَصَّيْنَا ٱلْإِنسَٰنَ بِوَٰلِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُۥ وَهْنًا عَلَىٰ وَهْنٍۢ وَفِصَٰلُهُۥ فِى عَامَيْنِ﴾  

[لقمان: 14]

فسوَّى بينهما في الوصاية، وخصَّ الأمَّ بالأمور الثّلاثة: الحمل والوضع والإرضاع [3].

5. في الحديث تنزيل الناس منازلهم، وأن يوفَّى كلُّ أحد حقَّه على قدر قُرباه وحُرمته ورَحِمه [4].

6.

عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ:

سَأَلْتُ النَّبِيَّ ﷺ: أَيُّ الْعَمَلِ أَحَبُّ إِلى اللَّهِ؟ قَالَ: «الصَّلاةُ عَلى وقْتِهَا»، قَالَ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: «ثُمَّ بِرُّ الْوَالِدَيْنِ»، قَالَ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: «الجِهَادُ في سَبيل اللهِ»

[5].

وذلك لعِظَم منزلةِ وحقِّ الوالدينِ، وبِرُّ الوالدينِ يكون بالإحسان إليهما، والقيام بخِدمتهما، وتَرْك عُقوقهما.

7. حقُّ الوالدَين متعقِّب لحقِّ الله عزَّ وجلَّ؛

كما قال تعالى:

﴿أَنِ ٱشْكُرْ لِى وَلِوَٰلِدَيْكَ إِلَىَّ ٱلْمَصِيرُ﴾ 

[لقمان:14].

8.

عن أبي الدرداء قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول:

«الْوَالِدُ أَوْسَطُ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ، فَأَضِعْ ذَلِكَ الْبَابَ، أَوِ احْفَظْهُ»

[6]. 

9.

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ:

«رَغِمَ أَنْفُ، ثُمَّ رَغِمَ أَنْفُ، ثُمَّ رَغِمَ أَنْفُ»، قِيلَ: مَنْ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: «مَنْ أَدْرَكَ أَبَوَيْهِ عِنْدَ الْكِبَرِ، أَحَدَهُمَا أَوْ كِلَيْهِمَا، فَلَمْ يَدْخُلِ الْجَنَّةَ»

[7].

10.

عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال:

قال رسول الله ﷺ: «مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُمَدَّ لَهُ فِي عُمْرِهِ، وَأَنْ يُزَادَ لَهُ فِي رِزْقِهِ، فَلْيَبَرَّ وَالِدَيْهِ، وَلْيَصِلْ رَحِمَهُ»

[8].

11. 

عن عائشة قَالَتْ:

سَأَلْتُ النَّبِيَّ ﷺ: أَيُّ النَّاسِ أَعْظَمُ حَقًّا عَلَى الْمَرْأَةِ؟ قَالَ: «زَوْجُهَا»، قُلْتُ: فَأَيُّ النَّاسِ أَعْظَمُ حَقًّا عَلَى الرَّجُلِ؟ قَالَ: «أُمُّهُ»

[9].

12.

عن عبدِالله بنِ عمرٍو – رضي الله عنهما – قال:

جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ، فَاسْتَأْذَنَهُ فِي الجِهَادِ، فَقَالَ: «أَحَيٌّ وَالِدَاكَ؟»، قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: «فَفِيهِمَا فَجَاهِدْ»

[10].

13. 

عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله ﷺ:

«لَا يَجْزِي وَلَدٌ وَالِدًا، إِلَّا أَنْ يَجِدَهُ مَمْلُوكًا، فَيَشْتَرِيَهُ، فَيُعْتِقَهُ»

[11].

14. 

عن أبي أُسَيْدٍ قال:

بَيْنَمَا أَنَا جَالِسٌ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ ﷺ إِذْ جَاءَهُ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، هَلْ بَقِيَ عَلَيَّ مِنْ بِرِّ أَبَوَيَّ شَيْءٌ بَعْدَ مَوْتِهِمَا أَبَرُّهُمَا بِهِ؟ قَالَ: «نَعَمْ، خِصَالٌ أَرْبَعَةٌ: الصَّلاَةُ عَلَيْهِمَا، وَالاِسْتِغْفَارُ لَهُمَا، وَإِنْفَاذُ عَهْدِهِمَا، وَإِكْرَامُ صَدِيقِهِمَا، وَصِلَةُ الرَّحِمِ الَّتِي لا رَحِمَ لَكَ إِلاَّ مِنْ قِبَلِهِمَا، فَهُوَ الَّذِي بَقِيَ عَلَيْكَ مِنْ بِرِّهِمَا بَعْدَ مَوْتِهِمَا»

[12].

المراجع

1. "شرح النوويِّ على مسلم" (16/ 102، 103).

2. "شرح النوويِّ على مسلم" (16/ 102، 103).

3. "فتح الباري" لابن حجر (10/ 402).

4. "إكمال المعلم بفوائد مسلم" للقاضي عياض (8/ 5).

5. رواه البخاريُّ (527)، ومسلم (85).

6. رواه أحمد (28061)، وابن ماجه (3663)، والترمذيُّ (1900)، وقال: هذا حديث صحيح، وصححه الألبانيُّ في "صحيح الترغيب والترهيب" (2486).

7. رواه مسلم (2551).

8. رواه أحمد (13434)، وحسَّنه الألبانيُّ في "صحيح الترغيب والترهيب" (2488).

9. رواه النسائيُّ (9103)، والحاكم (7244) وصحَّحه.

10. رواه البخاريُّ (3004)، ومسلم (2549).

11. رواه مسلم (1510).

12. رواه أحمد (16156)، والبخاريُّ في "الأدب المفرد" (35)، وأبو داود (5142)، وابن ماجه (3664)، والحاكم (4/154)، وصحَّحه الحاكم ووافقه الذهبيُّ، وضعَّفه الألبانيُّ في "ضعيف الترغيب والترهيب" (1482).



الفوائد العقدية

15. إن الوالدينِ هما أقربُ الأقرباء، ويجب برُّهما؛ لرحمهما وفضلهما؛ ولكن ليس لهما من طاعة في حقِّ الله؛

قال تعالى:

﴿وَوَصَّيْنَا ٱلْإِنسَٰنَ بِوَٰلِدَيْهِ حُسْنًا ۖ وَإِن جَٰهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِى مَا لَيْسَ لَكَ بِهِۦ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَآ ۚ﴾

[العنكبوت: ٨].

16. إن الصلة في الله هي الصلة الأولى، والرابطة في الله هي العُروة الوُثقى، فإن كان الوالدان مشركينِ، فلهما الإحسان والرعاية، لا الطاعة ولا الاتِّباع.

الفوائد الفقهية

17. اختلف العلماء فيما بين الأب والأمِّ، فقيل: يجب أن يكون بِرُّهما سواءً، وقيل: إن حقَّ الأمِّ آكَدُ، وأن لها ثُلثَيِ البِرَّ [1].

18. هناك تفصيل في حُكم استئذان الوالدين في الجهاد والهجرة؛ فقولُه ﷺ للذي قال له: أُبايعُك على الهجرة والجهاد، وقوله له: أبتغى الأجر: «ارجعْ إلى والدَيْكَ، فأَحْسِنْ صُحْبتَهما»، وفى الحديث الآخر: «وفيهما فجاهد»: يحتمل أن هذا كان بعد الفتح وسُقوط فرض الهجرة والجهاد، وظُهور الدين، أو كان ذلك من الأعراب وغيره، كانت تجب عليه الهجرة، فرجَّح برَّ والدَيْهِ وعظيم حقِّهما، وكثرة الأجر على بِرِّهما، وأن ذلك أفضل من الجهاد، وحسبُك بهذا، ولم يرَ أهل العلم الجهاد إلا بإذنهما [2].

19. اختُلف في استئذان الوالدينِ إذا كانا مشركينِ، فقال الثوريُّ: هما كالمسلمينِ. وقال الشافعيُّ: له الغزو بغير إذنهما [3].

20. لا إذن للوالدين في الجهاد إذا صار فرضَ عَين ولَزِم النَّفير [4].

21. لا خلاف في وجوب برِّ الوالدين، وأن عقوقهما من الكبائر [5].

22. نقل الحارث المحاسبيُّ الإجماع على تفضيل الأمِّ في البرِّ، وفيه نظر، فهناك خلاف في ذلك، فقال الجمهور بتفضيلها، وقال بعضهم: يكون بِرُّهما سواءً [6].

23. أجمع العلماء على أنّ الأمَّ والأب آكَدُ حُرمةً في البِرِّ ممّن سواهما [7].

24. قيل في قوله ﷺ: «ثمّ أدناك أدناك»: يُستحبُّ أن تقدَّم في البرِّ الأمُّ، ثمَّ الأبُ، ثمّ الأولاد، ثمّ الأجداد والجَدَّات، ثمّ الإخوة والأخوات، ثمّ سائر المحارم من ذوي الأرحام؛ كالأعمام والعمَّات والأخوال والخالات، ويُقدَّم الأقربُ فالأقرب، ويقدَّم من أدلى بأبوينِ على من أدلى بأحدهما، ثمّ بذي الرَّحِم غير الْمَحرَم؛ كابن العمِّ وبنته، وأولاد الأخوال والخالات، وغيرهم، ثمّ بالمصاهرة، ثمّ بالمولى من أعلى وأسفل، ثمّ الجار، ويقدَّم القريبُ البعيدُ الدّار على الجار، وكذا لو كان القريب في بلد آخَرَ قدِّم على الجار الأجنبيِّ، وألحقوا الزّوج والزَّوجة بالمحارم [8].

25. ذهب أهل العلم إلى لُزومُ برِّ الأجداد، وتقديمِهم، وقُرْبِهم من برِّ الآباء؛ ولكن لا يَبلُغ الأجداد مبلغ الآباء؛ فقد سُلب اسم الأبوَّة عنهم في الحقيقة،

ولقوله تعالى:

﴿أَحَدُهُمَآ أَوْ كِلَاهُمَا﴾ 

[الإسراء: 23]،

ولو كان حُكْمُ الأجداد حُكْمَ الآباء، لقاله بلفظ الجمع [9].

26. رأى مالك وأصحابه أنه لا يُقتصُّ من الجَدِّ في ابنِ ابنِه إلا أن يفعل به ما لا يُشَكُّ في قصده قتلَه كالأب سواءً، وكذلك قالوا في الجهاد بغير إذنهما، لا يجوز كالآباء، وكذلك اختلفوا في تغليظ الدِّيَة عليه في عمدِ قتلِه، وفى قطعهم في السَّرِقة من مال فقرائهم" [10].

المراجع

1.  "إكمال المعلم بفوائد مسلم" للقاضي عياض (8/ 5 - 7)

2. "إكمال المعلم بفوائد مسلم" للقاضي عياض (8/ 7).

3. "إكمال المعلم بفوائد مسلم" للقاضي عياض (8/ 7).

4. "إكمال المعلم بفوائد مسلم" للقاضي عياض (8/ 7).

5. "إكمال المعلم بفوائد مسلم" للقاضي عياض (8/ 7).

6. "شرح النوويِّ على مسلم" (16/ 102، 103).

7. "شرح النوويِّ على مسلم" (16/ 102، 103).

8. "شرح النوويِّ على مسلم" (16/ 102، 103).

9. "إكمال المعلم بفوائد مسلم" للقاضي عياض (8/ 5 - 7).

10. "إكمال المعلم بفوائد مسلم" للقاضي عياض (8/ 5 - 7).


مشاريع الأحاديث الكلية