عن عبدِ الله بنِ عمرٍورضي الله عنه عن النبيِّ ، قال:«أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا، وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنَ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا:إِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ،وَإِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ،وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ» متفق عليه

فوائد الحديث

الفوائد العلمية

1- حذَّر الإسلامُ كثيرًا من النفاق، باعتباره من أخطر الأمراض التي تُصيب الأفرادَ والجماعاتِ.

2- في الحديث بيان صفاتِ المنافقين حتى يَحذَرَهم المؤمنُ، وحتى يتجنَّب تلك الصفات، ويحافظ على نفْسه من التخلُّق بإحداها.

3- في الحديث أن الخِصال المذكورة خِصال نفاق، وصاحبها شبيهٌ بالمنافقين في هذه الخصال، ومُتخلِّق بأخلاقهم، فإن النفاق هو إظهار ما يُبطن خلافه، وهذا المعنى موجودٌ في صاحب هذه الخصال، ويكون نفاقُه في حقِّ مَن حدَّثه، ووعده، وائتمنه، وخاصَمه، وعاهَده من الناس، لا أنه منافقٌ في الإسلام، فيُظهره وهو يُبطن الكفرَ، ولم يُرِدِ النبيُّ ﷺ بهذا أنه منافقٌ نفاقَ الكفار المخلَّدين في الدرك الأسفل من النار[1]

4- ورد في رواية أُخرى ذِكْر ثلاث علامات للنفاق بدلَ أربع؛ قال ﷺ: «آية المنافق ثلاث: إذا حدَّث كذَبَ، وإذا وعَدَ أخلَفَ، وإذا اؤتمنَ خانَ»[2]، ولا تَعارُضَ بين الروايتَين؛ فمجموع علامات النفاق في الروايتَين خمسٌ، وهي: الكذبُ في الحديث، والغدرُ في المعاهدات، والخُلفُ في الوعد، والفجورُ في المخاصمة، والخيانةُ في الأمانة.

5- خيانة الأمانة نوعٌ من السرقة، وهي ظلمٌ لصاحبها، وأثرها ظاهر في نزع الثقة بين المسلمين.

6- الأمانة تشمل كلَّ ما اؤتُمِن عليه الإنسان من مال، أو عِرض، أو حقٍّ؛ بل تشمل الشرائعَ التي جعلها اللهُ في يدنا أماناتٍ نُعلِّمها للناس، ونقوم على حفظها بالعمل؛ ولذلك سمَّى اللهُ تعالى مخالفةَ كتابه وسُنَّة رسوله خيانةً في

قوله تعالى:

 ( يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَخُونُواْ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ وَتَخُونُوٓاْ أَمَٰنَٰتِكُمۡ وَأَنتُمۡ تَعۡلَمُونَ )  

[الأنفال: 27][3]

7- الخيانة هي التصرُّفُ في الأمانة بغير وجه شرعيٍّ؛ كبَيعها، أو جَحدها، أو انتقاصها، أو التهاون في حفظها[4]

8- قال ﷺ: «لكلِّ غادر لواءٌ يُنصَب بغَدْرته يوم القيامة»[5]، لذا؛ أشدُّ الناسِ فضيحةً يوم القيامة هم الخائنونَ.

9-الصدق من أهم صفات المؤمنين، وقد أمر به اللهُ تعالى ورسوله ﷺ؛

قال تعالى:

( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ )

[التوبة: 119]،

وقال ﷺ: «إن الصدقَ يَهدي إلى البرِّ، وإن البرَّ يَهدي إلى الجنة، وإن الرجُلَ لَيصدُقُ حتى يكون صدِّيقًا، وإن الكذبَ يَهدي إلى الفجور، وإن الفجورَ يَهدي إلى النار، وإن الرجُلَ لَيكذبُ حتى يُكتَب عند الله كذَّابًا»[6]

10- الغدرُ محرَّمٌ بشتَّى صوره، سواءٌ أكان مع فرد أم جماعة، وسواءٌ أكان مع مسلم، أم ذمِّيٍّ، أم معاهَد، ولا سيَّما إذا كان الغادرُ من أصحاب الولاية العامَّة؛ لأن ضرر غَدره يتعدَّى إلى خَلْق كثير. وقيل: لأنه غيرُ مضطرٍّ إلى الغدر لقُدرته على الوفاء[7]

11- في الحديث وجوبُ الوفاء بالوعد ما لم يمنع من ذلك مانع، وقد أمر الله تعالى بالوفاء بالعهد وأكَّد عليه؛

قال تعالى:

(وَلَا تَقۡرَبُواْ مَالَ ٱلۡيَتِيمِ إِلَّا بِٱلَّتِي هِيَ أَحۡسَنُ حَتَّىٰ يَبۡلُغَ أَشُدَّهُۥۚ وَأَوۡفُواْ بِٱلۡعَهۡدِۖ إِنَّ ٱلۡعَهۡدَ كَانَ مَسۡـُٔولٗا )

[الإسراء: 34].  

12- الفجور في الخصومة أن يخرج عن الحقِّ عمدًا حتى يصيرَ الحقُّ باطلًا، والباطلُ حقًّا؛ فإذا كان الرجُلُ ذا قُدرة عند الخصومة - سواءٌ كانت خصومتُه في الدين أو في الدنيا - على أن ينتصر للباطل، ويُخيِّل للسامع أنه حقٌّ، ويوهن الحقَّ، ويُخرجه في صورة الباطل - كان ذلك من أقبح المحرَّمات، ومن أخبَث خصال النفاق[8]

13- أجمع العلماء على أنّ من كان مصدِّقًا بقلبه ولسانه، وفعل هذه الخصال، لا يُحكَم عليه بكفر، ولا هو منافق يخلَّد في النّار[9]

14- المنافق الخالص هو شديد الشّبه بالمنافقين؛ بسبب هذه الخصال، وهذا فيمن كانت هذه الخصال غالبةً عليه، فأمّا من يَندُر ذلك منه، فليس داخلًا فيه[10]

15-المراد بالنفاق في الحديث النفاق العمليُّ الذي يكون عليه أهل النفاق العَقَديِّ، وليس نفاقَ الاعتقاد؛ لأن نفاق الاعتقاد نفاق كفر، وهو الذي يُظهر الإسلام ويُبطِن الكفر، أما هؤلاء الذين يتَّصِفون بهذه الصفات، فإنهم يؤمنون بالله واليوم الآخر إيمانًا حقيقيًّا؛ ولكنهم يستعملون هذه الصفاتِ وفيها شيء من النفاق[11]

16- في الحديث تأكيد صلةِ الإيمان الصادق بالسلوك القويم.

المراجع

  1.  "شرح النوويِّ على مسلم" (2/ 47).
  2.  رواه البخاريُّ (33)، ومسلم (59).
  3.  "الأدب النبويُّ" لمحمد عبد العزيز الخولي (ص: 18).
  4.  "الأدب النبويُّ" لمحمد عبد العزيز الخولي (ص: 18). 
  5.  رواه البخاريُّ (3188)، ومسلم (1735).
  6. أخرجه البخاريُّ (6094)، ومسلم (2607).
  7.  "كنوز رياض الصالحين" لمجموعة باحثين (9/ 547).
  8.  "جامع العلوم والحكم" لابن رجب الحنبليِّ (2/ 486).
  9.  "شرح النوويِّ على مسلم" (2/ 46).
  10.  "شرح النوويِّ على مسلم" (2/ 47).
  11.  "شرح رياض الصالحين" لابن عثيمين (6/ 163).

الفوائد العلمية

17-النفاق: هو أن يُظهر المرء خلافَ ما يُبطِن، وينقسم إلى قسمين؛ أحدهما: نفاق في اعتقاد الإيمان وهو النفاقُ الأكبرُ؛ نفاقُ الكفر، وهو إظهارُ الإسلام، وإبطانُ الكفر؛ كالمنافقين على عهد رسول الله ﷺ، والثاني: نفاق في العمل، وهو هذه الخصال، وهذا النفاق نفاقٌ أصغرُ.

18- االمقصودُ في هذا الحديث هو نفاقُ العمل دونَ الاعتقاد، فقد تقع هذه الخصالُ من المؤمن الصادق، ومن ثمَّ فقد تلبَّس بذنب، واتَّصَف بخَصلة من خصال المنافقين، وعليه أن يُراجع نفْسه، ويُصحِّح مسارَه.

19- النّفاق له شُعَبٌ ودعائمُ، كما أنّ للإيمان شُعبًا ودعائم [1]

20-الإيمان يَزِيد ويَنقُص، ويجتمع في العبد إيمانٌ ونفاق[2]؛ فإن تمامَ الإيمان بالأعمال، ويدخل على المؤمن النقص في إيمانه بالكذب، وخُلف الوعد، وخيانة الأمانة، والفُجور في الخصام، كما يَزيد إيمانه بأفعال البرِّ[3]

المراجع

  1.  "مجموع الفتاوى" (3/ 216).
  2.  "مجموع الفتاوى" (7/ 616).
  3.  "شرح صحيح البخاري" لابن بطَّال (1/ 90).

الفوائد الحديثية

21- لا مفهومَ للعدد؛ ولهذا جاء في حديث آخر: «آية المنافق ثلاث» [1]؛ فقد تعارضت الروايات من حيث الظاهرُ في عدد علامات المنافقين، وقد دَفَع العلماءُ التعارُضَ بين الروايات بأقوال؛ منها: احتمالُ أنه ﷺ استجدَّ له العلمُ بخصالهم ما لم يكن عنده، فأخبر مرَّةً بالأقلِّ، ثم بالأكثر[2]

المراجع

  1.  رواه البخاريُّ (33)، ومسلم (59)، من حديث أبي هريرة t، وانظر: "الفوائد المستنبطة من الأربعين النووية وتتمتها الرجبية" لعبد الرحمن بن ناصر البراق (ص: 110).
  2.  انظر: "المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم" لأبي العبَّاس القرطبيِّ (1/ 251).

الفوائد التربوية

22- قوله : «أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ» إجمالٌ لتلك الأمور قبل تفصيلها، وهذا للتشويق والحثِّ على الاهتمام والعناية، كما ذكر العدد؛ لأنه أبعثُ في النفوس على استحضار الذِّهن؛ فإن الإنسان يضبط العددَ، ولا بدَّ أن يُطابق العددُ المعدود، فإذا ذُكِر العددُ أولًا، استحضر الإنسانُ ذهنَه حتى يُطابق المعدود بالعدد.

23- ذِكرُ العدد ثم بيان المعدود بعد ذلك يبعَثُ على الاستذكار، وجذب الانتباه حتى انتهاء العدد المراد، وهو وسيلةٌ قويةٌ في الحفظ والتذكر.

الفوائد اللغوية

24-    «آية المنافق ثلاث» هي على تقدير "من"؛ أي: من آيات المنافق الكثيرة ثلاث، والمقصود من هذه الخصال المذكورة التنبيهُ على ما عداها من خصال النفاق[1]

المراجع

  1.  "فتح المنعم بشرح صحيح مسلم" لموسى شاهين لاشين (1/ 221).

مشاريع الأحاديث الكلية