عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ  يَقُولُ عَامَ الفَتْحِ وَهُوَ بِمَكَّةَ:  «إِنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ حَرَّمَ بَيْعَ الخَمْرِ،  وَالْمَيْتَةِ،  وَالخِنْزِيرِ،  وَالأَصْنَامِ»،  فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ شُحُومَ الْمَيْتَةِ؛ فَإِنَّهَا يُطْلَى بِهَا السُّفُنُ، وَيُدْهَنُ بِهَا الجُلُودُ، وَيَسْتَصْبِحُ بِهَا النَّاسُ؟ فَقَالَ: «لَا، هُوَ حَرَامٌ»،  ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عِنْدَ ذَلِكَ: «قَاتَلَ اللَّهُ اليَهُودَ؛ إِنَّ اللَّهَ لَمَّا حَرَّمَ شُحُومَهَا، جَمَلُوهُ، ثُمَّ بَاعُوهُ، فَأَكَلُوا ثَمَنَهُ»

عناصر الشرح

غريب الحديث

الخَمْر: ما أَسكَر من عصير العِنَب، أو عامٌّ؛ أي: ما أَسكَر عمومًا، وسمِّيت خمرًا لأنها تَخْمِرُ العقل وتَسْتُرُه [1].

الْمَيْتَة: ما مات حَتْفَ أنفِه، أو قُتِل على هيئة غيرِ مشروعة [2].

الأَصْنَام: جمعٌ، ومُفرَدُه صَنَمٌ، وهو ما اتُّخِذ إلهًا من دون الله، وقيل: هو ما كان له جِسْمٌ أو صورة، فإن لم يكن له جسمٌ أو صورة، فهو وَثَنٌ [3].

يَسْتَصْبِحُ بِهَا النَّاس: أي: يُشعِلون بها سُرُجَهُمْـ [4].

جَمَلُوه: أي: أَذَابوه، وفى رواية: أَجْمَلوه، يقال: جَمَلْتُ الشَّحْمَ، وأَجْمَلتُه: إذا أذبتُه [5].


المراجع

1. " القاموس المحيط " للفيروزآبادي (ص: 387).

2. "المصباح المنير في غريب الشرح الكبير" للفيوميِّ (2/ 583).

3.  "لسان العرب" لابن منظور (12/ 349).

4. "النهاية في غريب الحديث والأثر" لابن الأثير (3/ 7).

5. "إكمال المعلم بفوائد مسلم" للقاضي عياض (5/ 256).


المعنى الإجماليُّ للحديث

(يروي جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه، أَنَّهُ: سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ عَامَ الفَتْحِ وَهُوَ بِمَكَّةَ)

ذكر جابر رضي الله عنه مكان سماعه الحديث (مكَّةَ)، وزمانه عام فتحها سنةَ ثمانٍ من الهجرة؛ تأكيدًا على أنه سَمِعه من النبيِّ ﷺ مباشرةً.

قال : «إِنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ حَرَّمَ» لم يقل النبيُّ ﷺ: (حرَّما)؛ تأدُّبًا مع الله تعالى، وإشارةً إلى أن أمر النبيِّ ﷺ ناشئٌ عن أمر الله تعالى. «بَيْعَ الخَمْرِ، وَالْمَيْتَةِ، وَالخِنْزِيرِ، وَالأَصْنَامِ»؛ أي: قد حرَّم الله تعالى ورسوله ﷺ بيع الخمر والْمَيتة وَالخِنْزِيرِ وَالأَصْنَامِ.

(فقيل: يا رسول الله، أَرَأَيْتَ شُحُومَ الْمَيْتَةِ، فَإِنَّهَا يُطْلَى بِهَا السُّفُنُ، وَيُدْهَنُ بِهَا الجُلُودُ، وَيَسْتَصْبِحُ بِهَا النَّاسُ؟)؛ أي: فقال رجل: يا رسولَ الله، أخبرني عن شُحوم الْمَيتة؛ فإنه يُطلى بها السُّفن، ويُدهَن بها الجلود، ويُشعِل الناسُ بها مصابيحَهم، فهل يَحِلُّ لنا الانتفاع ببيعها من أجل هذه المنافع؟

قال : «لاَ، هُوَ حَرَامٌ»؛ أي: لا تبيعوها؛ فإن بيعها حرام.

ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ عِنْدَ ذَلِكَ: «قَاتَلَ اللَّهُ اليَهُودَ»؛ أي: لَعَنهم اللهُ، وطَرَدهم، وأَبعَدَهم من رحمته. «إِنَّ اللَّهَ لَمَّا حَرَّمَ شُحُومَهَا جَمَلُوهُ، ثُمَّ بَاعُوهُ، فَأَكَلُوا ثَمَنَهُ»؛ أي: إن اليهود لَمَّا حُرّم عليهم بيعُ شحوم الْمَيتة، احتالوا على الله تعالى، فأذابوا الشُّحوم، وباعوها، وانتفعوا بثمنها، فاستحقُّوا اللعن، والطَّرد من رحمة الله تعالى.


الشرح التفصيليُّ

الإسلام دينٌ سامٍ، يَحرِص على مصالح العباد، وحياتهم، دينٌ يحفظ على أتباعه عقولهم، وأبدانهم، ودينهم، وقد امتنَّ الله تعالى على عباده بما خَلَقه في الأرض؛

فقال تعالى:

﴿هُوَ ٱلَّذِى خَلَقَ لَكُم مَّا فِى ٱلْأَرْضِ جَمِيعًا﴾

[البقرة: 29]،

وجعله طيِّبًا مباحًا لهم، وحذَّر من كلِّ ما فيه مفاسدُ ومَضارُّ لهم، فأباح لهم الطيِّبات، وهى أغلبُ ما خَلَق الله في الأرض لنا، وحرَّم عليهم الخبائث؛

قال تعالى:

﴿وَيُحِلُّ لَهُمُ ٱلطَّيِّبَٰتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ ٱلْخَبَٰٓئِثَ

[الأعراف: 157]

ومن تلك الخبائثِ المحرَّمة هذه الأشياءُ الأربعةُ المعدودة في هذا الحديث؛ فكلُّ واحدٍ منها يُشار به إلى نوع من الْمَضارِّ؛ "فاشتمَلَت هذه الكلمات الجوامعُ على تحريم ثلاثةِ أجناس: مَشاربَ تُفسِد العقول، ومَطاعمَ تُفسِد الطِّباع وتغذِّي غذاءً خبيثًا، وأعيانٍ تُفسِد الأديان، وتدعو إلى الفِتنة والشِّرك، فصان بتحريم النوع الأول العقولَ عما يُزيلها ويُفسدها، وبالثاني: القلوبَ عما يُفسِدُها من وصول أثر الغذاء الخبيث إليها، وبالثالث: الأديانَ عمَّا وُضِع لإفسادها، فتضمَّن هذا التحريمُ صيانة العقول، والقلوب، والأديان" [1]؛

فعن جابر رضي الله عنه أنه

(سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، يَقُولُ عَامَ الفَتْحِ وَهُوَ بِمَكَّةَ)

وفي هذا بيان لزمان، ومكان سماع جابر بن عبد الله رضي الله عنهما لهذا الحديث من النبيِّ ﷺ، فكان سماعُه بمكَّةَ، في عام الفتح سنةَ ثمانٍ من الهجرة، "ويُحتمَل أن يكون التحريمُ وقع قبلَ ذلك، ثم أعاده ﷺ ليَسمَعه مَن لم يكن سَمِعه" [2].

قوله : «إِنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ حَرَّمَ»: ولم يقل النبيُّ ﷺ: (حرَّما)؛ تأدُّبًا مع الله تعالى، وإشارةً إلى أن أمر النبيِّ ﷺ ناشئٌ عن أمر الله تعالى، فـ"تأدَّب النبيُّ ﷺ، فلم يَجمَع بينه وبين اسم الله تعالى في ضمير الاثنين" [3]. «بَيْعَ الخَمْرِ»؛ أي: إن الله ورسوله قَضَيا بتحريم بيع هذه الأشياء، أما الخمرُ، فقد حرَّم الله بيعها، وشُربها؛ 

قال تعالى:

﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓا إِنَّمَا ٱلْخَمْرُ وَٱلْمَيْسِرُ وَٱلْأَنصَابُ وَٱلْأَزْلَٰمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ ٱلشَّيْطَٰنِ فَٱجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ

[المائدة: 90]،

وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه، قَالَ:

سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَخْطُبُ بِالْمَدِينَةِ، قَالَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ اللهَ تَعَالَى يُعَرِّضُ بِالْخَمْرِ، وَلَعَلَّ اللهَ سَيُنْزِلُ فِيهَا أَمْرًا، فَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ مِنْهَا شَيْءٌ فَلْيَبِعْهُ وَلْيَنْتَفِعْ بِهِ»، قَالَ: فَمَا لَبِثْنَا إِلَّا يَسِيرًا حَتَّى قَالَ ﷺ: «إِنَّ اللهَ تَعَالَى حَرَّمَ الْخَمْرَ، فَمَنْ أَدْرَكَتْهُ هَذِهِ الْآيَةُ وَعِنْدَهُ مِنْهَا شَيْءٌ فَلَا يَشْرَبْ، وَلَا يَبِعْ»، قَالَ: فَاسْتَقْبَلَ النَّاسُ بِمَا كَانَ عِنْدَهُ مِنْهَا فِي طَرِيقِ الْمَدِينَةِ فَسَفَكُوهَا

[4].

وليس هذا فحسبُ؛ بل لعن النبيُّ ﷺ في الخَمْرِ عشَرةً؛ 

فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: 

«لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فِي الخَمْرِ عَشَرَةً: عَاصِرَهَا، وَمُعْتَصِرَهَا، وَشَارِبَهَا، وَحَامِلَهَا، وَالْمَحْمُولَةَ إِلَيْهِ، وَسَاقِيَهَا، وَبَائِعَهَا، وَآكِلَ ثَمَنِهَا، وَالْمُشْتَرِيَ لَهَا، وَالْمُشْتَرَاةَ لَهُ» 

[5].

قوله : «وَالمَيْتَةِ»؛ أي: بيع الْمَيتة حرامٌ بنصِّ حديث النبيِّ ﷺ الذي مَعَنا، ويُفهَم منه كذلك حُرمةُ بيع جثث الموتى؛ فقد "ذَكَر ابنُ إسحاقَ في السِّير قال: لَمَّا كان يومُ الخَنْدقِ، اقتحمه نوفلُ بنُ عبدِ الله بنِ المغيرةِ المخزوميُّ، فتورَّط فيه فقُتِل، فغَلَب المسلمون على جَسَده، فسألوا رسولَ الله أن يَبِيعهم جَسَده، فقال رسول الله: لا حاجة لنا بجسده، ولا ثَمَنه" [6]، كما حرَّم الله تعالى أكلَ الْمَيتة بنصِّ القرآن الكريم؛

قال تعالى:

﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ ٱلْمَيْتَةُ وَٱلدَّمُ وَلَحْمُ ٱلْخِنزِيرِ﴾

[المائدة: 3]،

ويُستثنى من ذلك السَّمَكُ والجَرَاد؛

فعن أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، قَالَ:

سَأَلَ رَجُلٌ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا نَرْكَبُ البَحْرَ، وَنَحْمِلُ مَعَنَا القَلِيلَ مِنَ الْمَاءِ، فَإِنْ تَوَضَّأْنَا بِهِ عَطِشْنَا، أَفَنَتَوَضَّأُ مِنَ الْبَحْرِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ، الحِلُّ مَيْتَتُهُ»

[7]،

وعَن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ الله عَنْهُمَا، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ:

«أُحِلَّتْ لَكُمْ مَيْتَتَانِ وَدَمَانِ، فَأَمَّا الْمَيْتَتَانِ، فَالْحُوتُ وَالْجَرَادُ، وَأَمَّا الدَّمَانِ، فَالْكَبِدُ وَالطِّحَالُ»

[8].

قوله : «وَالخِنْزِيرِ»؛ أي: بيع الخنزير حرامٌ؛ فهو من باب التعاون على الإثم والعُدوان، الذي نهى عنه ربُّ العِزَّة عزَّ وجلَّ؛

قال تعالى:

﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى ٱلْبِرِّ وَٱلتَّقْوَىٰ ۖ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى ٱلْإِثْمِ وَٱلْعُدْوَٰنِ ۚ ﴾


[المائدة: 2]،

ومن المقرَّر شرعًا أن الله قد حرَّم لحم الخنزير، فلا يجوز الانتفاعُ به بأيِّ وجه من وجوه الانتفاع؛

قال تعالى:

 ﴿قُل لَّآ أَجِدُ فِى مَآ أُوحِىَ إِلَىَّ مُحَرَّمًا عَلَىٰ طَاعِمٍۢ يَطْعَمُهُۥٓ إِلَّآ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَّسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍۢ فَإِنَّهُۥ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ ٱللَّهِ بِهِۦ ۚ ﴾

[الأنعام: 145].

قوله : «وَالأَصْنَام»؛ أي: الأوثان المتَّخَذة من الحجارة، أو الخشَب، أو الفضَّة، أو الذَّهب، التي تُعبَد من دون الله، يَحرُم الانتفاع بها، فلا يجوز بيعُها، حتى وإن كانت لا تُعبَد من دون الله، فما عُبِدت الأصنام من دون الله إلا بعد أن صُنعت ابتداءً لغير العبادة، وقد أخبر النبيُّ ﷺ أن هذه الأمَّة سوف تَعبُد الأصنام مرَّةً أخرى؛

فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ:

قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَضْطَرِبَ أَلَيَاتُ نِسَاءِ دَوْسٍ، حَوْلَ ذِي الْخَلَصَةِ»، وَكَانَتْ صَنَمًا تَعْبُدُهَا دَوْسٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فمن باب حماية جَنَاب التوحيد، لا يجوز بَيْعُ الأصنام، والمتاجَرة فيها، وقد حَمَى نبيُّ الله ﷺ جَنَاب التوحيد في أقلَّ من هذا؛ فعن ثابتِ بنِ الضحَّاكِ، قال: نَذَر رجلٌ على عهد رسول الله ﷺ أن يَنحَر إِبِلاً ببُوَانةَ - موضع بأسفل مكةَ - فأتى النبيَّ ﷺ، فقال: إني نذرتُ أن أَنحَر إبلاً ببُوَانةَ، فقال النبيُّ ﷺ: «هل كان فيها وَثَنٌ من أوثان الجاهلية يُعبَد؟» قالوا: لا، قال: «هل كان فيها عيدٌ من أعيادهم؟»، قالوا: لا، قال رسول الله ﷺ: «أَوْفِ بنَذْرِكَ؛ فإنه لا وفاءَ لنَذر في معصية الله، ولا فيما لا يَملِك ابنُ آدم»

[9]،[10].

(فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ شُحُومَ الْمَيْتَةِ؛ فَإِنَّهَا يُطْلَى بِهَا السُّفُنُ، وَيُدْهَنُ بِهَا الجُلُودُ، وَيَسْتَصْبِحُ بِهَا النَّاسُ؟)؛ أي: فقال رجل: يا رسولَ الله، أخبرني عن شُحوم الْمَيتة؛ فإنه يُلطَّخ بها السُّفن، ويُدهَن بها الجلود، وينوِّر الناسُ بها مصابيحَهم، فهل يَحِلُّ لنا الانتفاع ببيعها من أجل هذه المنافع؟ ولم يُعرَف هذا السائل؛ قال الحافظ ابن حجر - رحمه الله - : "لم أَقِفْ على تسمية القائل" [11].

فقال : «لاَ، هُوَ حَرَامٌ»، "ومعناه: لا تبيعوها؛ فإن بيعها حرامٌ، والضمير في (هو) يعود إلى البَيع، لا إلى الانتفاع؛ فالصحيح عند الشافعيِّ وأصحابه أنه يجوز الانتفاع بشحم الْمَيتة في طَلْيِ السُّفن، والاستصباحِ بها، وغيرِ ذلك مما ليس بأكلٍ، ولا في بَدَنِ الآدميِّ، وقال الجمهور: لا يجوز الانتفاعُ به في شيءٍ أصلاً؛ لعُموم النهيِ عن الانتفاع بالْمَيتة إلا ما خُصَّ، وهو: الجِلد المدبوغ"[12].

وقد "سُئل رسول الله ﷺ في هذا الحديث عن ثلاثةِ أشياءَ: الأوَّل: عن طَلْيِ السُّفن، والثاني: عن دهنِ الجُلود، والثالث: عن الاستصباح، كلُّ ذلك بشُحوم الْمَيتة، وكان سؤالهم عن بيع ذلك؛ ظنًّا منهم أن ذلك جائزٌ؛ لِما فيه من المنافع، كما جاز بيع الحُمُر الأهلية؛ لِمَا فيه من المنافع، وإن حرِّم أكلُها، فظنُّوا أن شحوم الْمَيتة مثلُ ذلك يَحِلُّ بَيْعُها وشراؤها، وإن حرِّم أكلها، فأخبر النبيُّ ﷺ أن ذلك ليس كالذي ظنُّوا، وأن بيعها حرامٌ، وثَمَنها حرام؛ إذ كانت نَجِسة، نظيرُه الدَّم والخَمْرُ مما يَحرُم بيعُها، وأكلُ ثمنها، وأما الاستصباح، ودَهن السُّفن والجلود بها، فهو بخلاف بيعها، وأكلِ ثمنها، إذا كان ما يُدهَن بها من ذلك يُغسَل بالماء غَسْلَ الشيء الذي أصابته النجاسة فيطهِّره الماء، والإجماع قائمٌ على أنه: لا يجوز بَيْعُ الْمَيتة والأصنام؛ لأنه لا يَحِلُّ الانتفاع بها، ووضع الثمن فيها إضاعةُ مال، وقد نهى الشارع عن إضاعته" [13]

"قال جمهور العلماء: العلَّة في منع بيع الميتة والخمر والخنزير: النجاسةُ، فيتعدَّى ذلك إلى كلِّ نَجَاسة؛ ولكن المشهور عند مالكٍ طهارةُ الخِنزير، والعلَّة في منع بيع الأصنام: عَدَمُ المنفعة المباحة؛ فعلى هذا إن كانت بحيث إذا كُسِرت يُنتَفع برُضَاضها، جاز بيعها عند بعض العلماء من الشافعية، والأكثر على المنع؛ حملاً للنهيِ على ظاهره" [14].

ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ عِنْدَ ذَلِكَ: «قَاتَلَ اللَّهُ اليَهُودَ»؛ أي: لَعَنهم اللهُ، وطَرَدهم، وأَبعَدَهم من رحمته، «إِنَّ اللَّهَ لَمَّا حَرَّمَ شُحُومَهَا جَمَلُوهُ، ثُمَّ بَاعُوهُ، فَأَكَلُوا ثَمَنَهُ» ومعناه: أن اليهود لَمَّا حُرّم عليهم بيعُ شحوم الْمَيتة، احتالوا على الله تعالى، فأذابوا الشُّحوم، وباعوها، وانتفعوا بثمنها، فاستحقُّوا اللعن، والطَّرد من رحمة الله تعالى.

المراجع

1. "زاد المعاد في هدي خير العباد" لابن القيم (5/ 661).

2. "فتح الباري" لابن حجر (4/ 424).

3.  "المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم" لأبي العباس القرطبيِّ (4/ 461).

4.  رواه مسلم (1587).

5. رواه الترمذيُّ (1295)، وابن ماجه (3381)، وقال الألبانيُّ في "صحيح الترغيب والترهيب" (2357): حسن صحيح.

6. "شرح صحيح البخاريِّ" لابن بطَّال (5/ 369).

7. رواه أحمد (7233)، والنسائيُّ (59)، وأبو داود (83)، وابن ماجه (386)، والترمذيُّ (69)، وقال الترمذيُّ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وصححه الألبانيُّ في "صحيح أبي داود" (76).

8. رواه أحمد (5723)، وابن ماجه (3314)، وصحَّحه الألبانيُّ في "صحيح الجامع" (210).

9. رواه البخاريُّ (7116)، ومسلم (2906).

10. رواه أبو داود (3313)، وصححه الألبانيُّ في المشكاة (3437).

11. "فتح الباري" لابن حجر (4/ 425).

12.  "شرح النوويِّ على مسلم" (11/ 6).

13. "عمدة القاري شرح صحيح البخاري" لبدر الدين العينيِّ (12/ 55).

14. "فتح الباري" لابن حجر (4/ 425).




النقول

قال الطيبيُّ رحمه الله: "«وهو بمكَّةَ» بعد قوله: «يوم الفتح» نحوُ قولهم: رأيتُه بعيني وأخذتُه بيدي، والمقصود منهما تحقيق السماع وتقريره كما مرَّ. وذِكْرُ الله تعالى قبل ذكر رسوله ﷺ توطئة لذكره؛ إيذانًا بأن تحريم الرسول بيع المذكورات كتحريم الله تعالى؛ لأنه رسولُه وخليفته. قوله: «ويُستصبَح بها» المغرب: استَصْبَح بالمصباح، واستصبَح بالدُّهن، ومنه قوله: ويَستصبِح به؛ أي: ينوِّر به المصباح. قوله: «فقال: لا، هو حرام» الضمير المرفوع راجع إلى مقدَّر بعد كلمة الاستخبار، وكلمة «لا» ردٌّ لذلك المقدَّر، وهو يَحتمِل أمرين؛ أحدهما: أَخبِرْني، أحِلٌّ انتفاعُ شحوم الميتة؟ وثانيهما: أحِلٌّ بيعُها؟ والثاني هو المراد. معنى قوله: «لا، هو حرام» لا تبيعوها؛ فإن بيعها حرام، فالضميرُ في «هو» يعود إلى البيع لا إلى الانتفاع، هذا هو الصحيح عند الشافعيِّ وأصحابه، وعند الجمهور لا يجوز الانتفاع به في شيء من ذلك أصلاً؛ لعموم النهيِ إلا ما خُصَّ، وهو الجلد المدبوغ، فالصحيح من مذهبنا جواز الانتفاع بالأدهان المتنجِّسة من الخارج؛ كالزيت والسمن وغيرهما بالاستصباح ونحوه، بأن يُجعَل الزيتُ صابونًا، أو يُطعَم العسل المتنجِّس النحلَ، والْمَيتةُ الكلابَ، والطعامُ الدَّوَابَّ. وأجاز أبو حنيفةَ وأصحابه بيع الزيت النَّجِس، إذا بيَّنه" [1].

قال ابن حجر رحمه الله: "قَوْلُهُ: «أَرَأَيْتَ شُحُومَ الْمَيْتَةِ، فَإِنَّهُ يُطْلَى بِهَا السُّفُنُ، وَيُدْهَنُ بِهَا الْجُلُودُ، وَيَسْتَصْبِحُ بِهَا النَّاسُ»؛ أي: فهل يحلُّ بيعها؟ لما ذكر من المنافع؛ فإنّها مقتضية لصحَّة البيع. قوله: فقال: «لا، هو حرام»؛ أي: البيع، هكذا فسَّره بعض العلماء؛ كالشّافعيِّ ومن اتَّبَعه، ومنهم من حمل قوله: «وهو حرام» على الانتفاع، فقال: يحرم الانتفاع بها، وهو قول أكثر العلماء، فلا ينتفع من الميتة أصلًا عندهم إلّا ما خُصَّ بالدّليل، وهو الجلد المدبوغ، واختلفوا فيما يتنجَّس من الأشياء الطّاهرة، فالجمهور على الجواز، وقال أحمد وابن الماجشون: لا ينتفع بشيء من ذلك، واستدلَّ الخطّابيُّ على جواز الانتفاع بإجماعهم على أنّ من ماتت له دابَّة، ساغ له إطعامها لكلاب الصّيد، فكذلك يسوغ دهن السّفينة بشحم الميتة، ولا فرق. قوله: ثمّ قال رسول اللّه ﷺ عند ذلك: «قاتل اللّه اليهود...» إلخ: وسياقه مُشعِر بقوّة ما أوَّله الأكثر أنّ المراد بقوله: «هو حرام» البيع، لا الانتفاع" [2].

قال ابن بطال رحمه الله: "أجمعت الأمَّة على أنه لا يجوز بيعُ الْمَيتة والأصنام؛ لأنه لا يَحِلُّ الانتفاع بهما، فوضعُ الثمن فيهما إضاعةٌ للمال، وقد نهى النبيُّ عن إضاعة المال؛ قال ابن الْمُنذر: فإذا أجمعوا على تحريم بيع الْمَيتة، فبيعُ جِيفة الكافر من أهل الحرب كذلك، وقد رُوي ذلك عن النبيِّ - عليه السلام - وهو مذكور في آخر كتاب الجهاد. قال الطبريُّ: فإن قال قائل: ما وجهُ قوله - عليه السلام - إذ سأله السائل عن شحوم الميتة، وقال: إنها تُدهَن بها الجلود والسفن ونَستصبِح بها؟ فقال مجيبًا له: «قاتل الله اليهود؛ حرِّمت عليهم الشحوم فباعوها وأكلوا ثمنها». قيل: إن جوابه - عليه السلام - كان عن مسألة بيع الشحوم، لا عن دهن الجلود والسفن، وإنما سأله عن بيع ذلك إذ ظنَّه جائزًا؛ من أجل ما فيه من المنافع، كما جاز بيع الحُمُر الأهلية؛ لِما فيها من المنافع، وإن حرِّم أكلها، فظنَّ أن شحوم الميتة كذلك، يَحِلُّ بيعها وشراؤها وإن حرِّم أكلها، فأخبره - عليه السلام - أن ذلك ليس كالذي ظنَّ، وأن بيعها حرام، وثمنها حرام؛ إذ كانت نَجِسةً، ونظيُره الدم والخمر فيما يَحرُم من بيعها وأكل ثمنها، فأما الاستصباح ودَهْنُ السُّفن والجلود بها، فهو مخالفٌ بيعها وأكل ثمنها؛ إذ كان ما يُدهن بها من ذلك ينغسل بالماء غَسل الشيء الذى أصابته نجاسةٌ فيطهِّره الماء. هذا قول عطاء بن أبى رباح وجماعة من العلماء، وممن أجاز الاستصباح بالزيت تقع فيه الفأرة: علىُّ بنُ أبى طالب، وابن عبَّاس، وابن عمر، وقد تقصَّينا هذا" [3].

قال ابن عبد البر رحمه الله: "قالوا فعلى هذا خرج قوله ﷺ: «لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ» في بيع الشّحوم، وأكل ثَمَنها، وفي بيع الخمر، وأكل ثَمَنها؛ لأنّها نَجِسة الذّات؛ مثل شحوم الميتة والدَّم، وليس الزّيتُ تقع فيه الميتة كذلك؛ لأنّه إنّما نَجِس بالمجاوَرة؛ وليس بنَجِس الذّات؛ فلذلك جاز بيعُه إذا بُيِّن بعَيبه، وجاز أكل ثمنه؛ لأنّه ممّا يُنتفَع به للاستصباح وغيره" [4].

قال ابن حجر رحمه الله: "قال جمهور العلماء: العلَّة في منع بيع الميتة والخمر والخنزير: النجاسةُ، فيتعدَّى ذلك إلى كلِّ نَجَاسة؛ ولكن المشهور عند مالكٍ طهارةُ الخِنزير، والعلَّة في منع بيع الأصنام: عَدَمُ المنفعة المباحة؛ فعلى هذا إن كانت بحيث إذا كُسِرت يُنتَفع برُضَاضها، جاز بيعها عند بعض العلماء من الشافعية، والأكثر على المنع؛ حملاً للنهيِ على ظاهره" [5].

قال النوويُّ رحمه الله: "يقال: أَجمَل الشّحم وجَمَله؛ أي: أَذَابه، وأمّا قوله ﷺ: «لا، هو حرام»، فمعناه: لا تبيعوها؛ فإن بيعها حرام، والضمير في (هو) يعود إلى البيع، لا إلى الانتفاع، هذا هو الصحيح عند الشافعيِّ وأصحابه؛ أنه يجوز الانتفاع بشحم الميتة في طلي السُّفن، والاستصباح بها، وغير ذلك مما ليس بأكل، ولا في بدن الآدميِّ، وبهذا قال أيضًا عطاءُ بنُ أبي رباح ومحمّدُ بن جرير الطّبريُّ، وقال الجمهور: لا يجوز الانتفاع به في شيء أصلاً؛ لعموم النهي عن الانتفاع بالميتة إلا ما خُصَّ، وهو: الجلد المدبوغ، وأمّا الزّيت والسَّمن ونحوهما من الأدهان الّتي أصابتها نجاسة، فهل يجوز الاستصباح بها ونحوه من الاستعمال في غير الأكل وغير البدن، أو يجعل من الزّيت صابون، أو يُطعم العسل المتنجِّس للنّحل، أو يطعم الميتة لكلابه، أو يطعم الطّعام النّجس لدوابِّه؟ فيه خلاف بين السَّلف، الصّحيح من مذهبنا جواز جميع ذلك، ونقله القاضي عياض عن مالك، وكثير من الصّحابة، والشّافعيُّ والثّوريُّ وأبي حنيفة وأصحابه، واللّيث بن سعد، قال: وروي نحوه عن على وابن عمر وأبي موسى والقاسم بن محمّد وسالم بن عبد اللّه بن عمر، قال: وأجاز أبو حنيفة وأصحابه واللّيث وغيرهم بيع الزّيت النّجس إذا بيّنه، وقال عبد الملك بن الماجشون وأحمد بن حنبل وأحمد بن صالح: لا يجوز الانتفاع بشيء من ذلك كلّه في شيء من الأشياء، واللّه أعلم. قال أصحابنا: العلّة في منع بيع الميتة والخمر والخنزير النّجاسة، فيتعدّى إلى كلّ نجاسة، والعلّة في الأصنام كونها ليس فيها منفعة مباحة، فإن كانت بحيث إذا كسرت ينتفع برُضاضها، ففي صحّة بيعها خلاف مشهور لأصحابنا، منهم من منعه؛ لظاهر النّهي وإطلاقه، ومنهم من جوّزه؛ اعتمادًا على الانتفاع، وتأوّل الحديث على ما لم ينتفع برُضاضه، أو على كراهة التّنزيه في الأصنام خاصّةً، وأمّا الميتة والخمر والخنزير، فأجمع المسلمون على تحريم بيع كلّ واحد منها، واللّه أعلم" [6].

قال ابن حجر رحمه الله: "والظّاهر أنّ النّهي عن بيعها للمبالغة في التّنفير عنها، ويلتحق بها في الحكم الصُّلبان الّتي تعظِّمها النّصارى، ويَحرُم نحت جميع ذلك وصنعته، وأجمعوا على تحريم بيع الميتة والخمر والخنزير، إلّا ما تقدّمت الإشارة إليه في باب تحريم الخمر؛ ولذلك رخَّص بعض العلماء في القليل من شعر الخنزير للخرز، حكاه ابن المنذر عن الأوزاعيّ وأبي يوسف وبعض المالكيّة، فعلى هذا فيجوز بيعه، ويُستثنى من الميتة عند بعض العلماء ما لا تحلُّه الحياة؛ كالشّعر والصّوف والوبر، فإنّه طاهر، فيجوز بيعه، وهو قول أكثر المالكيّة والحنفيّة، وزاد بعضهم العظم والسّنّ والقَرْن والظِّلْف، وقال بنجاسة الشّعور الحسن واللّيث والأوزاعيّ؛ ولكنّها تطهر عندهم بالغسل وكأنّها متنجّسة عندهم بما يتعلّق بها من رطوبات الميتة، لا نجسة العين، ونحوه قول ابن القاسم في عظم الفيل: إنّه يطهر إذا سلق بالماء" [7].

قال الطيبيُّ رحمه الله: "في الحديث دليل على أن من أراق خمرَ النصرانيِّ، أو قتل خِنزيرًا له، أنه لا غرامة عليه؛ لأنه لا ثَمَن لها في حقِّ الدِّين، وفي تحريم بيع الخمر والْمَيتة، دليلٌ على تحريم بيع الأعيان النَّجِسة، وإن كانت منتفعًا بها في الضرورة؛ كالسِّرْقين، وفي تحريم بيع الأصنام، دليلٌ على تحريم بيع جميع الصور المتَّخَذة من الخشب والحديد وغيرهما، وعلى تحريم بيع جميع آلات اللهو كالطنبور والمزمار والمعازف، فإذا طُمست الصور وغيِّرت آلات اللهو عن حالتها، يجوز بيع جواهرها وأصولها" [8].

قوله: «قاتل الله اليهود»؛ أي: عاداهم، وقيل: قَتَلهم، فأُخرِج في صورة المغالبة للمبالغة، أو عبَّر عنه بما هو مسبَّب عنه؛ فإنهم بما اخترعوا من الحِيلة، انتصبوا لمحاربة الله ومقاتلته، ومن قاتله قَتَله. قوله: «أجملوه» الضمير راجع إلى الشحوم على تأويل المذكور، ويجوز أن يرجع إلى ما هو في معنى الشحوم، وهو الشحم، إذ لو قيل: حرِّم شحمُها لم يخلَّ بالمعنى، فهو نحو قوله تعالى: (فأصدَّقَ وأَكُنْ). جَمَلت الشحم وأجملته، إذا أذبته واستخرجتُ دُهنه، وجَمَلت أفصحُ من أجملتُ. فيه دليلٌ على بُطلان كلِّ حيلة تُحتال للتوصُّل إلى محرَّم، وأنه لا يتغيَّر حُكمه بتغيير هيئته، وتبديل اسمه" [9].

قال الإمام ابن القيم رحمه الله: "فاشتمَلَت هذه الكلمات الجوامعُ على تحريم ثلاثةِ أجناس: مَشاربَ تُفسِد العقول، ومَطاعمَ تُفسِد الطِّباع وتغذِّي غذاءً خبيثًا، وأعيانٍ تُفسِد الأديان، وتدعو إلى الفِتنة والشِّرك، فصان بتحريم النوع الأول العقولَ عما يُزيلها ويُفسدها، وبالثاني: القلوبَ عما يُفسِدُها من وصول أثر الغذاء الخبيث إليها، وبالثالث: الأديانَ عمَّا وُضِع لإفسادها، فتضمَّن هذا التحريمُ صيانة العقول، والقلوب، والأديان" [10].

قال ابن حجر رحمه الله: "ويُحتمَل أن يكون التحريمُ وقع قبلَ ذلك، ثم أعاده ﷺ ليَسمَعه مَن لم يكن سَمِعه" [11].

قال القرطبيُّ رحمه الله: "تأدَّب النبيُّ ﷺ، فلم يَجمَع بينه وبين اسم الله تعالى في ضمير الاثنين" [12].

قال ابن بطَّال رحمه الله: "وذَكَر ابن إسحاقَ في السِّير قال: لَمَّا كان يومُ الخَنْدقِ، اقتحمه نوفلُ بنُ عبدِ الله بنِ المغيرةِ المخزومي، فتورَّط فيه فقُتِل، فغَلَب المسلمون على جَسَده، فسألوا رسولَ الله أن يَبِيعهم جَسَده، فقال رسول الله: لا حاجة لنا بجسده، ولا ثَمَنه" [13].

قال بدر الدين العينيُّ رحمه الله: "سُئل رسول الله ﷺ في هذا الحديث عن ثلاثةِ أشياءَ: الأوَّل: عن طَلْيِ السُّفن، والثاني: عن دهنِ الجُلود، والثالث: عن الاستصباح، كلُّ ذلك بشُحوم الْمَيتة، وكان سؤالهم عن بيع ذلك؛ ظنًّا منهم أن ذلك جائزٌ؛ لِما فيه من المنافع، كما جاز بيع الحُمُر الأهلية؛ لِمَا فيه من المنافع، وإن حرِّم أكلُها، فظنُّوا أن شحوم الْمَيتة مثلُ ذلك يَحِلُّ بَيْعُها وشراؤها، وإن حرِّم أكلها، فأخبر النبيُّ ﷺ أن ذلك ليس كالذي ظنُّوا، وأن بيعها حرامٌ، وثَمَنها حرام؛ إذ كانت نَجِسة، نظيرُه الدَّم والخَمْرُ مما يَحرُم بيعُها، وأكلُ ثمنها، وأما الاستصباح، ودَهن السُّفن والجلود بها، فهو بخلاف بيعها، وأكلِ ثمنها، إذا كان ما يُدهَن بها من ذلك يُغسَل بالماء غَسْلَ الشيء الذي أصابته النجاسة فيطهِّره الماء، والإجماع قائمٌ على أنه: لا يجوز بَيْعُ الْمَيتة والأصنام؛ لأنه لا يَحِلُّ الانتفاع بها، ووضع الثمن فيها إضاعةُ مال، وقد نهى الشارع عن إضاعته" [14].



المراجع

1. "الكاشف عن حقائق السنن" للطِّيبيِّ (7/ 2103).

2. "فتح الباري" لابن حجر (4/ 425).

3. "شرح صحيح البخاريِّ" لابن بطَّال (6/ 360، 361).

4. "الاستذكار" لابن عبد البر (8/ 510).

5. "فتح الباري" لابن حجر (4/ 426).

6. "شرح النوويِّ على مسلم" (11/ 6 - 8).

7. "فتح الباري" لابن حجر (4/ 426).

8. "الكاشف عن حقائق السنن" للطِّيبيِّ (7/ 2104).

9.  "الكاشف عن حقائق السنن" للطِّيبيِّ (7/ 2014).

10. "زاد المعاد في هدي خير العباد" لابن القيم (5/ 661).

11. "فتح الباري" لابن حجر (4/ 424)

12. "المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم" لأبي العباس القرطبيِّ (4/ 461).

13. "شرح صحيح البخاريِّ" لابن بطَّال (5/ 369).

14. "عمدة القاري شرح صحيح البخاري" لبدر الدين العينيِّ (12/ 55).





مشاريع الأحاديث الكلية