عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ قَالَ: «لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ»

هدايات الحديث

1. لا شكَّ أن الإنسان يحبُّ لنفسه أعلى المراتب، ويسابق غيره فيها. لذا؛ قال أهل العلم: إن المراد محبَّة الخير لأخيه في الجُملة، ومحبَّة كفِّ الشرِّ عنه، ولا حرج أن يحبَّ السبق لنفسه في زوائد الفضائل والمناقب.

2. إن تحقيق هذا الكمال الإيمانيِّ في النفس، يتطلَّب منها سموًّا في التعامل، ورفعة في الأخلاق مع الغير، انطلاقًا من رغبتها في أن تُعامَل بالْمِثل، وهذا يحتِّم على صاحبها أن يصبر على أذى الناس، ويتغاضى عن هفواتهم، ويعفو عمن أساء إليه، ويشارك إخوانه في أفراحهم وأتراحهم، فيعود المريض، ويواسي المحتاج، ويَكفُل اليتيم، ولا يألو جُهدًا في تقديم صنائع المعروف للآخرين، ببشاشةِ وجه، وسعة قلب، وسلامة صدر.

3. كما يحب المسلم للناس السعادة في دنياهم، فإنه يحب لهم أن يكونوا من السعداء في الآخرة، لذا؛ فهو يسعى دائمًا إلى هداية البشر، بتبليغ دعوة ربِّه، ودعوتهم إلى الحقِّ، وإرشادهم إلى طريق الهدى، واضعًا نُصب عينيه

قول الله تعالى:

﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَآ إِلَى ٱللَّهِ وَعَمِلَ صَٰلِحًا وَقَالَ إِنَّنِى مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ﴾

[فصلت: 33]

4. لا حرج أن تريد لنفسك أعلى الدرجات والمراتب في الامتحانات، وتؤثر نفسك بهذه المزيَّة، مع محبة الخير والتفوُّق لسائر إخوانك. وإن بلغت الكمال، وأحببت لهم ما تحبُّ لنفسك تمامًا، فقد فضَّلتهم على نفسك، وهذه درجة عالية من الإيثار والفضل؛ لكنها لا تجب.

5. قال عبد الله بنُ عبَّاسٍ رضي الله عنه: «إنِّي لَأمُرُّ بالآيةِ مِن القرآنِ فأفهمُها، فأودُّ أنَّ الناسَ كلَّهم فهِموا منها ما أفْهَمُ» [1]. 

6. حُبُّ الخيرِ للمؤمِنين من خِصالِ الإيم‍انِ.

7. أفضلُ الناس أنفعُهم للناس.

8. المؤمنُ يُحبُّ للناسِ م‍ا يُحبُّ لنفْسِه.

9. المحبَّةُ دِعامةٌ قويَّةٌ يترابَطُ بها المجتمَعُ المسلِ‍مُ، فيكونُ كالجسدِ الواحدِ.

10. المحبَّةُ سببٌ في صَفاءِ العيشِ وسلامةِ النفْسِ منَ الآفاتِ.

11. الأُخوَّة في الله فوق أُخوَّة النَّسَب؛ لأن حقَّها أوجبُ [2].

12. وَرُبَّ أخٍ ليست بأمِّكَ أمُّه = متى تَدْعُه للرَّوْعِ يأتيك أبلجا

يُواسِيكَ في الجُلَّى ويَحْبُوكَ بالنَّدَى = ويَفتَحُ ما كان القَضَا عنك أُرْتِجَا

13. أخوكَ الذي يحميكَ في الغَيب جاهدًا = ويَستُر ما تأتي من السُّوء والقُبْحِ

وينشر ما يُرضيكَ في الناس معلِنًا = ويُغضي ولا يألو من البِرِّ والنُّصح

14. وليس أخي مَن وَدَّني بلسانِه = ولكنْ أخي من ودَّني في النوائبِ

ومَن مالُه مالي إذا كنتُ مُعْدَمًا = ومالي له إن عضَّ دَهْرٌ بغاربِ

فلا تَحْمَدَنْ عند الرخاء مؤاخيًا = فقد تُنكِرُ الإخوانُ عند المصائب

15. كم من أخٍ لك لم يلده أبوكا = وأخٍ أبوه أبوكَ قد يجفوكا

صافِ الكرامَ إذا أردتَ إخاءهم = واعلم بأن أخَ الحفاظ أخوكا

كم إخوةٍ لك لم يَلِدْكَ أبوهمُ = وكأنما آباؤهم ولدوكا

لو كنتَ تَحمِلُهم على مكروهةٍ = تخشى الحُتوف بها لَمَا خَذَلُوكا

16. وما المرءُ إلا بإخوانه = كما تَقبِضُ الكفُّ بالْمِعصَمِ

ولا خيرَ في الكفِّ مقطوعةً = ولا خيرَ في الساعد الأَجذَمِ


المراجع

    1. رواه الطبرانيُّ (10621)، وقال الهيثميُّ في "مجمع الزوائد ومنبع الفوائد" (9/ 284): رجاله رجال الصحيح.

    2. انظر: "الفوائد المستنبطة من الأربعين النووية وتتمتها الرجبية"، عبد الرحمن بن ناصر البراق (ص: 30).

    مشاريع الأحاديث الكلية