عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «حُفَّتِ الْجَنَّةُ بِالْمَكَارِهِ، وَحُفَّتِ النَّارُ بِالشَّهَوَاتِ».

وفي رواية: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: «حُجِبَتِ النَّارُ بِالشَّهَوَاتِ، وَحُجِبَتِ الجَنَّةُ بِالْمَكَارِهِ»

فوائد الحديث

الفوائد العلمية

1. هذا الحديث من جوامع كَلِمه ﷺ وبديع بلاغته في ذمِّ الشَّهوات، وإن مالت إليها النُّفوس، والحضِّ على الطَّاعات، وإن كرهتها النُّفوس، وشقَّ عليها[1].

2. في الحديث الأمرُ بالابتعاد عن الشَّهوات؛ لأنَّها الطَّريق إلى النَّار، والصَّبرِ على المكاره؛ لأنَّها الطَّريق إلى الجنَّة.

3. في الحديثِ: بيانُ أنَّ طريقَ الجنَّةِ صَعبٌ وشاقٌّ، ويحتاجُ إلى الصَّبر والمعاناة مع الإيمان، وأنَّ طريقَ النار مَملوءٌ بالْمَلذَّاتِ والشهوات في الدنيا.

4. جَعَل الله تعالى النَّارَ من نَصيب الكفَّار والْمُذنبين من خلقه؛ قال تعالى:

{ وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ}

[آل عمران: 131]

5. امتحن اللهُ سبحانه عباده في الدنيا بالمحرَّمات من الشهوات والشُّبهات، وجعل في النَّفس داعيًا إلى حُبِّها، مع تمكُّن العبد منها، وقُدرته عليها، فمن أدَّى الأمانة، وحَفِظ حدودَ الله، ومَنَع نفسه ما يُحبُّه من محارم الله، كان عاقبتُه الجنةَ؛ كما قال تعالى:

{وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَىٰ 40 فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَىٰ}

[النازعات: ٤٠ – ٤١]

6. في الحديث بيان أن العبد يحتاج في الحياة الدنيا إلى مُجاهدة عظيمة، يُجاهد نفسه في الله - عزَّ وجلَّ - فمن كانت نفسُه شريفةً، وهِمَّته عاليةً، لم يَرْضَ لها بالمعاصي؛ فإنَّها خيانةٌ، ولا يرضى بالخيانة إلا مَن لا نَفْسَ له[2]. 

7. يدخل في المكاره: الاجتهاد في العبادات، والمواظبة عليها، والصّبر على مشاقِّها، وكَظم الغيظ، والعفو، والحِلم، والصَّدقة، والإحسان إلى المسيء، والصّبر عن الشَّهوات، ونحو ذلك[3].

8. في الحديث الظاهرُ أن الشّهواتِ الّتي حُفَّت بها النّارُ هي الشّهوات المحرَّمة؛ كالخمر والزِّنا، والنَّظَر إلى الأجنبيَّة، والغِيبة، واستعمال الملاهي، ونحو ذلك، أما الشّهوات المباحة فغير مقصودة في هذا الحديث؛ لكن يُكرَه الإكثار منها؛ مخافةَ أن يَجُرَّ الإكثار منها إلى المحرَّمة، أو يُقسِّيَ القلب، أو يَشغَل عن الطَّاعات، أو يُحْوِج إلى الاعتناء بتحصيل الدنيا[4].

9. المراد بالْمَكَاره في الحديث: ما أُمِر المكلَّف بمجاهدة نفسه فيه فعلًا وتركًا؛ كالإتيان بالعبادات على وجهها، والمحافظة عليها، واجتناب المنهيَّات قولًا وفعلًا، وأَطلَق عليها الْمَكاره لمشقَّتها على العامل، وصُعوبتها عليه، ومن جُملتها الصَّبر على الْمُصيبة، والتَّسليم لأمر اللّه فيها[5].

10. الشَّهَوات: هي ما تميل إليه النفس، من غير تعقُّل، ولا تبصُّر، ولا مُراعاة لدِين، ولا مراعاة لِمُروءة؛ فالزِّنى شَهْوةُ الفَرْج، تميل إليها النفس كثيرًا، فإذا هَتَكَ الإنسان هذا الحِجاب، فإنه سيكون سببًا لدخوله النارَ. وكذلك شُرْبُ الخَمر، تهواه النفس، وتميل إليه؛ ولهذا جَعَل الشارع له عقوبةً رادعة بالجَلْدِ، فإذا هَتَك الإنسان هذا الحجابَ وشَرِب الخمر، أدَّاه ذلك إلى النار، وهلُمَّ جرًّا[6].

11. في الحديث إشارة إلى أن مرارة الدنيا هي بعَينها حلاوة الآخرة، يَقلِبها الله سبحانه كذلك، وحلاوة الدُّنيا بعينها مرارةُ الآخرة، ولأن ينتقل المرء من مرارة منقطِعة إلى حلاوة دائمة، خيرٌ له من عكس ذلك[7].

المراجع

  1. "فتح الباري" لابن حجر (11/ 320).
  2. "مجموع رسائل ابن رجب" (1/ 203).
  3. "شرح النوويِّ على مسلم" (17/ 165).
  4. "شرح النوويِّ على مسلم" (17/ 165).
  5. "فتح الباري" لابن حجر (11/ 320، 321).
  6. "شرح رياض الصالحين" لابن عثيمين (2/ 87 - 89).
  7. "زاد المعاد في هدي خير العباد" لابن القيم (4/ 179، 180). 


الفوائد الحديثية

12. قوله ﷺ «حُفَّت الجنَّة بالمكاره، وحُفَّت النّار بالشّهوات» هكذا رواه مسلم (حُفَّت)، ووقع في البخاريِّ (حُفَّت)، ووقع فيه أيضًا (حُجِبَتْ)، وكلاهما صحيح.

الفوائد اللغوية

13. في هذا الحديث تمثيل حسن هو من بَديع الكلام وفَصيحه وجوامعه الّتي أوتيها ﷺ، ومعناه: لا يوصَل الجنَّة إلَّا بارتكاب المكاره، والنَّار بالشّهوات، وكذلك هما محجوبتان بهما، فمن هَتَك الحجاب، وَصَل إلى المحجوب، فهتكُ حجاب الجنّة باقتحام المكاره، وهتك حجاب النّار بارتكاب الشّهوات.

14. هذا الحديث وإن كان بلفظ الخبر، فيُحتمَل أن يكون المراد به النَّهْيَ[1].

المراجع

  1. "فتح الباري" لابن حجر (11/ 320، 321).


مشاريع الأحاديث الكلية