عَنْ أَنَسٍ رضى الله عنه، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «مَا بُعِثَ نَبِيٌّ إِلَّا أَنْذَرَ أُمَّتَهُ الأعْوَرَ الكَذَّابَ، أَلا إِنَّهُ أَعْوَرُ، وَإِنَّ رَبَّكُمْ لَيْسَ بِأَعْوَرَ، وَإِنَّ بَيْنَ عَيْنَيْهِ مَكْتُوبٌ "كَافِرٌ"
عَنْ أَنَسٍ رضى الله عنه، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «مَا بُعِثَ نَبِيٌّ إِلَّا أَنْذَرَ أُمَّتَهُ الأعْوَرَ الكَذَّابَ، أَلا إِنَّهُ أَعْوَرُ، وَإِنَّ رَبَّكُمْ لَيْسَ بِأَعْوَرَ، وَإِنَّ بَيْنَ عَيْنَيْهِ مَكْتُوبٌ "كَافِرٌ"
روى أَنَسُ بنُ مالكٍ رضى الله عنه عن النبيِّ ﷺ أنه قال: «مَا بُعِثَ نَبِيٌّ إِلَّا أَنْذَرَ أُمَّتَهُ الأعْوَرَ الكَذَّابَ» ففتنته عظيمة جدًّا، لا مثيل لها؛ فليس بين خَلْقِ آدَمَ إلى قيام الساعة فتنةٌ أكبرُ من فتنة المسيح الدجَّال.
قوله ﷺ: «أَلا إِنَّهُ أَعْوَرُ، وَإِنَّ رَبَّكُمْ لَيْسَ بِأَعْوَرَ، وَإِنَّ بَيْنَ عَيْنَيْهِ مَكْتُوبٌ "كَافِرٌ"»؛ أي: إنه أَعْوَرُ، وهو وصف مُهِينٌ له حيث يدَّعِي الرُّبوبية؛ فكيف يكون الربُّ أعورَ؟! ومكتوبٌ بين عينيه "كافر"، يقرؤها المسلم حتى لو كان أُمِّيًّا، ولايقرؤها الكافر حتى لو كان قارئًا.
الشرح المفصَّل للحديثإن فتنة الدجَّال فتنة عظيمة جدًّا، لا مَثِيلَ لها، لدرجة أنه أعظمُ فتنةٍ في تاريخ البشر؛ فليس بين خَلْقِ آدَمَ إلى قيام الساعة فتنةٌ أكبرُ من فتنة المسيح الدجَّال؛ فعَنْ هِشَامِ بْنِ عَامِرٍ الأَنْصَارِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ ﷺ يَقُولُ: «مَا بَيْنَ خَلْقِ آدَمَ إِلَى أَنْ تَقُومَ السَّاعَةُ فِتْنَةٌ أَكْبَرُ مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ»[1]؛ وذلك بسبب ما يَخلُق الله معه من الخَوارِق العظيمة التي تَبهَر العقول، وتُحيِّر الألباب؛ فقد ورد أن معه جنَّةً ونارًا، جنَّتُه نارٌ، ونارُه جنَّة، وأن معه أنهارَ الماء، وجبالَ الخبز، ويأمر السماء أن تُمطِر فتُمطِر، والأرضَ أن تُنبِت فتُنبِت، وتَتبَعه كنوز الأرض، ويقطع الأرض بسُرعة كسرعة الغَيث استدبرته الريح، إلى غير ذلك من الخوارق، وكلُّ ذلك جاءت به الأحاديث الصحيحة.
وقد أَرشَد النبيُّ ﷺ أمَّته إلى ما يَعصِمها من فتنة المسيح الدجَّال؛ فقد ترك أمَّته على الْمَحَجَّة البيضاء، ليلُها كنهارها، لا يَزِيغ عنها إلا هالك، وإن النبيَّ ﷺ لم يَدَع خيرًا إلَّا دلَّ أمَّته عليه، ولا شرًّا إلا حذَّرها منه.
ومن أعظم ما حذَّر منه ﷺ: فتنةُ المسيح الدجَّال؛ لأنها أعظم فتنة تواجهها أمَّته ﷺ حتى قيام الساعة، وكان كلُّ نبيٍّ يُنذِر أمَّتَه الدجَّالَ، واختُصَّ النبيُّ ﷺ بزيادة التحذير والإنذار، فبيَّن الله له كثيرًا من صفات الدجَّال ليُحذِّرَ أمَّته؛ حيث إنه خارجٌ في هذه الأمَّة لا محالة؛ لأنها آخِرُ الأمم، ولأن النبيَّ ﷺ خاتم النبيِّين.
وقد حذَّر الأنبياءُ - صلوات الله عليهم - من فتنته، ونبَّهوا على نقصه ودلائل إبطاله؛ فالمؤمنون لا يغترُّون ولا ينخدعون بالدجَّال؛ لِما سبق لهم من العلم بحاله، ورؤيتهم لدلائل تكذيبه؛ فقد وصفه النبيُّ ﷺ في أحاديثَ كثيرةٍ، وَصَفَ هيئتَه وأحوالَه.
وخروجُ الدجَّال هو من علامات الساعة الكبرى، وقد أرشد النبيُّ ﷺ المؤمنين أن يبادروا بالأعمال الصالحة قبل ظهور هذه الفتن؛ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «ثَلَاثٌ إِذَا خَرَجْنَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ، أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا: طُلُوعُ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا، وَالدَّجَّالُ، وَدَابَّةُ الْأَرْضِ»[2]. وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ سِتًّا: الدَّجَّالَ، وَالدُّخَانَ، وَدَابَّةَ الْأَرْضِ، وَطُلُوعَ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا، وَأَمْرَ الْعَامَّةِ، وَخُوَيْصَةَ أَحَدِكُمْ»[3].
"والذي يترجَّح من مجموع الأخبار أن خروج الدجَّال أوَّلُ الآيات العظام المؤذِنة بتغيير الأحوال العامَّة في معظم الأرض، وينتهي ذلك بموت عيسى - عليه السلام - وأن طلوع الشمس من مغربها هو أوَّل الآيات العظام المؤذِنة بتغيير أحوال العالم العُلويِّ، وينتهي ذلك بقيام الساعة[4].
وأصل الدَّجَل: الخَلْطُ، يُقال: دجَل إذا لبَّس وموَّه. والدجَّال: فعَّال من أبنية المبالغة؛ أي: يَكثُر منه الكذب والتلبيس، وهو الذي يَظهَر في آخر الزمان، ويدَّعي الإلهية، وسُمِّي به؛ لأنه خدَّاع مُلبِس، ويغطِّي الأرض بأتباعه من الدَّجَل، وهو الخلط والتغطية[5].
أما معنى المسيح، فقد ذكر أبو عبد الله القرطبيُّ ثلاثةً وعشرين قولاً في اشتقاق هذا اللفظ[6]، وذكر الفيروز آبادي خمسين قولاً؛ قال: "ومنه: الْمَسيحُ بنُ مريَمَ، وذَكَرْتُ في اشْتقاقِه خمسينَ قَوْلاً في شَرْحِي لِصَحيح البُخاريِّ وغيرِهِ"[7]. ويُطلَق المسيحُ على الصِّدِّيق، وعلى الضِّلِّيل الكذَّاب؛ فالمسيحُ عيسى بنُ مريمَ - عليه السلام – الصِّدِّيق، والْمَسِيح الدجَّال الضِّلِّيل الكذَّاب؛ فخَلَق الله الْمَسِيحَيْنِ، أحدُهما ضِدُّ الآخر؛ فعيسى - عليه السلام - مَسِيح الهُدى، يُبْرِئ الأَكْمَهَ والأَبرَص، ويُحيي الموتى بإذن الله، والدجَّال – لعنه الله – مَسِيح الضلالة، يَفتِن الناس بما يُعطاه من الآيات؛ كإنزال المطر، وإحياء الأرض بالنبات، وغيرهما من الخوارق.
وسُمِّي الدجَّال مَسِيحًا، قيل: لأن إحدى عَيْنَيه ممسوحة، أو لأنه يَمسَح الأرض في أربعين يومًا، والقول الأول هو الراجح؛ لما جاء في الحديث: «الدَّجَّالُ مَمْسُوحُ الْعَيْنِ، مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ كَافِرٌ، ثُمَّ تَهَجَّاهَا (ك ف ر) يَقْرَؤُهُ كُلُّ مُسْلِمٍ»[8].
وفي هذا الحديث يروي أنسُ بنُ مالكٍ – رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «مَا بُعِثَ نَبِيٌّ إِلَّا أَنْذَرَ أُمَّتَهُ الأعْوَرَ الكَذَّابَ، أَلا إِنَّهُ أَعْوَرُ، وَإِنَّ رَبَّكُمْ لَيْسَ بِأَعْوَرَ، وَإِنَّ بَيْنَ عَيْنَيْهِ مَكْتُوبٌ "كَافِرٌ"» وفي رواية: «وَمَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ ك ف ر»[9].
وهذا الحديث من الأحاديث الكثيرة التي يصف النبيُّ ﷺ فيها الدجَّال، ويُنذر أمَّته حتى لا ينخدع به المؤمنون، وفي هذا الحديث أنه أعورُ، ويدَّعي الربوبية، وأنه مكتوبٌ بين عينيه "كافر".
فيقول ﷺ: «مَا بُعِثَ نَبِيٌّ إِلَّا أَنْذَرَ أُمَّتَهُ الأعْوَرَ الكَذَّابَ، أَلا إِنَّهُ أَعْوَر»، وقد ورد في الأحاديث الصحيحة اختلاف وصف عينيه بالعَوَر؛ ففي بعضها وصف عينه اليُمنى بالعَوَر، وفي بعضها وصف عينه اليُسرى بالعَور، وقد جمع بعض أهل العلم بين هذه الروايات؛ "وعلى هذا تجتمع رواية أعور العين اليُمنى مع أعور العين اليُسرى؛ إذ كلُّ واحدة منهما بالحقيقة عوراءُ؛ إذ الأعور من كلِّ شيء الْمَعيب، ولا سيَّما بما يختصُّ بالعين، وكلا عينَيِ الدجَّال معيبةٌ عوراءُ، فالممسوحة والمطموسة والطافئة بالهمز عوراء حقيقةً، والجاحظة التي كأنها كوكب وهى الطافية - بغير همز - معيبة عوراء لعَيبها، فكلُّ واحدة منهما عوراء، إحداهما بذَهابها، والأخرى بعَيبها"[10].
وعليه؛ فكلتا عينَيِ الدجَّال معيبةٌ عَوْراءُ، إحداهما بذَهابها، والأخرى بعَيبها.
قوله ﷺ: «وَإِنَّ بَيْنَ عَيْنَيْهِ مَكْتُوبٌ "كَافِرٌ"»: أما الكتابة، فأَشكَل أنه كيف مكتوب بين عينيه كافر، ويقرؤها المؤمن ولو كان أُمِّيًّا، ولا يقرؤها الكافر، ولو كان قارئًا. والجواب أن هذه الكتابة حقيقية على ظاهرها، ولا يُشكِل رؤيةُ بعض الناس لهذه الكتابة دون بعض، وقراءةُ الأمِّي لها؛ "وذلك أن الإدراك في البَصَر يَخلُقه الله للعبد كيف شاء، ومتى شاء، فهذا يراه المؤمن بعَين بَصَره، وإن كان لا يعرف الكتابة، ولا يراه الكافرُ، ولو كان يَعرِف الكتابةَ، كما يرى المؤمنُ الأدلَّة بعَين بصيرته، ولا يراها الكافرُ، فيَخلُق الله للمؤمن الإدراك دون تعلُّم؛ لأن ذلك الزمانَ تَنخرِق فيه العاداتُ في ذلك"[11].
و"الصحيحُ الذي عليه المحقِّقون أن هذه الكتابة على ظاهرها، وأنها كتابةٌ حقيقية، جعلها الله آيةً وعلامةً من جُملة العلامات القاطعة بكُفره وكَذِبه وإبطالِه، يُظهِرُها الله لكلِّ مسلم، كاتبٍ وغيرِ كاتب، ويُخفيها عمَّن أراد شَقاوتَه وفِتنتَه، ولا امتناع في ذلك"[12].
وخالصةُ القول في الجواب عن هذا الإشكال: أنّ الله على كلِّ شيء قدير؛ فهو قادرٌ على أن يُريَ هذه الكتابة بعض الناس دون بعض، وقادر على أن يجعل الأمِّيَّ يقرؤها.
والأحاديث في وصف الدجَّال متكاثرة، للتحذير من شرِّه، وتعريف الناس به، فإذا خرج في آخر الزمان، عَرَفه المؤمنون بصفاته التي أخبر بها النبيُّ ﷺ، فلم يُفتنوا به، وهاكَ بعضَ الأحاديث الصحيحة التي تتحدَّث عنه وعن صفاته:
عن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - قال: لا وَاللَّهِ، مَا قَالَ النَّبِيُّ ﷺ لِعِيسَى أَحْمَرُ؛ وَلَكِنْ قَالَ: «بَيْنَمَا أَنَا نَائِمٌ أَطُوفُ بِالكَعْبَةِ، فَإِذَا رَجُلٌ آدَمُ، سَبْطُ الشَّعَرِ، يُهَادَى بَيْنَ رَجُلَيْنِ، يَنْطِفُ رَأْسُهُ مَاءً، أَوْ يُهَرَاقُ رَأْسُهُ مَاءً، فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالُوا: ابْنُ مَرْيَمَ، فَذَهَبْتُ أَلْتَفِتُ، فَإِذَا رَجُلٌ أَحْمَرُ جَسِيمٌ، جَعْدُ الرَّأْسِ، أَعْوَرُ عَيْنِهِ اليُمْنَى، كَأَنَّ عَيْنَهُ عِنَبَةٌ طَافِيَةٌ، قُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالُوا: هَذَا الدَّجَّالُ، وَأَقْرَبُ النَّاسِ بِهِ، شَبَهًا ابْنُ قَطَنٍ». قَالَ الزُّهْرِيُّ: رَجُلٌ مِنْ خُزَاعَةَ، هَلَكَ فِي الجَاهِلِيَّةِ[13].
وعَنِ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ، قَالَ: ذَكَرَ رَسُولُ اللهِ ﷺ الدَّجَّالَ ذَاتَ غَدَاةٍ، فَخَفَّضَ فِيهِ وَرَفَّعَ، حَتَّى ظَنَنَّاهُ فِي طَائِفَةِ النَّخْلِ، فَلَمَّا رُحْنَا إِلَيْهِ عَرَفَ ذَلِكَ فِينَا، فَقَالَ: «مَا شَأْنُكُمْ؟» قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ، ذَكَرْتَ الدَّجَّالَ غَدَاةً، فَخَفَّضْتَ فِيهِ وَرَفَّعْتَ، حَتَّى ظَنَنَّاهُ فِي طَائِفَةِ النَّخْلِ، فَقَالَ: «غَيْرُ الدَّجَّالِ أَخْوَفُنِي عَلَيْكُمْ، إِنْ يَخْرُجْ وَأَنَا فِيكُمْ، فَأَنَا حَجِيجُهُ دُونَكُمْ، وَإِنْ يَخْرُجْ وَلَسْتُ فِيكُمْ، فَامْرُؤٌ حَجِيجُ نَفْسِهِ، وَاللهُ خَلِيفَتِي عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ، إِنَّهُ شَابٌّ قَطَطٌ، عَيْنُهُ طَافِئَةٌ، كَأَنِّي أُشَبِّهُهُ بِعَبْدِ الْعُزَّى بْنِ قَطَنٍ، فَمَنْ أَدْرَكَهُ مِنْكُمْ، فَلْيَقْرَأْ عَلَيْهِ فَوَاتِحَ سُورَةِ الْكَهْفِ، إِنَّهُ خَارِجٌ خَلَّةً بَيْنَ الشَّأْمِ وَالْعِرَاقِ، فَعَاثَ يَمِينًا وَعَاثَ شِمَالًا، يَا عِبَادَ اللهِ فَاثْبُتُوا» قُلْنَا: يَا رَسُولَ الله،ِ وَمَا لَبْثُهُ فِي الْأَرْضِ؟ قَالَ: «أَرْبَعُونَ يَوْمًا، يَوْمٌ كَسَنَةٍ، وَيَوْمٌ كَشَهْرٍ، وَيَوْمٌ كَجُمُعَةٍ، وَسَائِرُ أَيَّامِهِ كَأَيَّامِكُمْ»، قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ، فَذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَسَنَةٍ، أَتَكْفِينَا فِيهِ صَلَاةُ يَوْمٍ؟ قَالَ: «لَا، اقْدُرُوا لَهُ قَدْرَهُ»، قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَمَا إِسْرَاعُهُ فِي الْأَرْضِ؟ قَالَ: «كَالْغَيْثِ اسْتَدْبَرَتْهُ الرِّيحُ، فَيَأْتِي عَلَى الْقَوْمِ فَيَدْعُوهُمْ، فَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَجِيبُونَ لَهُ، فَيَأْمُرُ السَّمَاءَ فَتُمْطِرُ، وَالْأَرْضَ فَتُنْبِتُ، فَتَرُوحُ عَلَيْهِمْ سَارِحَتُهُمْ، أَطْوَلَ مَا كَانَتْ ذُرًا، وَأَسْبَغَهُ ضُرُوعًا، وَأَمَدَّهُ خَوَاصِرَ، ثُمَّ يَأْتِي الْقَوْمَ، فَيَدْعُوهُمْ فَيَرُدُّونَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ، فَيَنْصَرِفُ عَنْهُمْ، فَيُصْبِحُونَ مُمْحِلِينَ، لَيْسَ بِأَيْدِيهِمْ شَيْءٌ مِنْ أَمْوَالِهِمْ، وَيَمُرُّ بِالْخَرِبَةِ، فَيَقُولُ لَهَا: أَخْرِجِي كُنُوزَكِ، فَتَتْبَعُهُ كُنُوزُهَا كَيَعَاسِيبِ النَّحْلِ، ثُمَّ يَدْعُو رَجُلًا مُمْتَلِئًا شَبَابًا، فَيَضْرِبُهُ بِالسَّيْفِ فَيَقْطَعُهُ جَزْلَتَيْنِ رَمْيَةَ الْغَرَضِ، ثُمَّ يَدْعُوهُ فَيُقْبِلُ وَيَتَهَلَّلُ وَجْهُهُ، يَضْحَكُ، فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ بَعَثَ اللهُ الْمَسِيحَ بْنَ مَرْيَمَ، فَيَنْزِلُ عِنْدَ الْمَنَارَةِ الْبَيْضَاءِ شَرْقِيَّ دِمَشْقَ، بَيْنَ مَهْرُودَتَيْنِ، وَاضِعًا كَفَّيْهِ عَلَى أَجْنِحَةِ مَلَكَيْنِ، إِذَا طَأْطَأَ رَأْسَهُ قَطَرَ، وَإِذَا رَفَعَهُ تَحَدَّرَ مِنْهُ جُمَانٌ كَاللُّؤْلُؤِ، فَلَا يَحِلُّ لِكَافِرٍ يَجِدُ رِيحَ نَفَسِهِ إِلَّا مَاتَ، وَنَفَسُهُ يَنْتَهِي حَيْثُ يَنْتَهِي طَرْفُهُ، فَيَطْلُبُهُ حَتَّى يُدْرِكَهُ بِبَابِ لُدٍّ، فَيَقْتُلُهُ، ثُمَّ يَأْتِي عِيسَى بْنَ مَرْيَمَ قَوْمٌ قَدْ عَصَمَهُمُ اللهُ مِنْهُ، فَيَمْسَحُ عَنْ وُجُوهِهِمْ وَيُحَدِّثُهُمْ بِدَرَجَاتِهِمْ فِي الْجَنَّةِ، فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ أَوْحَى اللهُ إِلَى عِيسَى: إِنِّي قَدْ أَخْرَجْتُ عِبَادًا لِي، لَا يَدَانِ لِأَحَدٍ بِقِتَالِهِمْ، فَحَرِّزْ عِبَادِي إِلَى الطُّورِ، وَيَبْعَثُ اللهُ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ، وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ، فَيَمُرُّ أَوَائِلُهُمْ عَلَى بُحَيْرَةِ طَبَرِيَّةَ فَيَشْرَبُونَ مَا فِيهَا، وَيَمُرُّ آخِرُهُمْ فَيَقُولُونَ: لَقَدْ كَانَ بِهَذِهِ مَرَّةً مَاءٌ، وَيُحْصَرُ نَبِيُّ اللهِ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ، حَتَّى يَكُونَ رَأْسُ الثَّوْرِ لِأَحَدِهِمْ خَيْرًا مِنْ مِائَةِ دِينَارٍ لِأَحَدِكُمُ الْيَوْمَ، فَيَرْغَبُ نَبِيُّ اللهِ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ، فَيُرْسِلُ اللهُ عَلَيْهِمُ النَّغَفَ فِي رِقَابِهِمْ، فَيُصْبِحُونَ فَرْسَى كَمَوْتِ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ، ثُمَّ يَهْبِطُ نَبِيُّ اللهِ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ إِلَى الْأَرْضِ، فَلَا يَجِدُونَ فِي الْأَرْضِ مَوْضِعَ شِبْرٍ إِلَّا مَلَأَهُ زَهَمُهُمْ وَنَتْنُهُمْ، فَيَرْغَبُ نَبِيُّ اللهِ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ إِلَى اللهِ، فَيُرْسِلُ اللهُ طَيْرًا كَأَعْنَاقِ الْبُخْتِ فَتَحْمِلُهُمْ فَتَطْرَحُهُمْ حَيْثُ شَاءَ اللهُ، ثُمَّ يُرْسِلُ اللهُ مَطَرًا لَا يَكُنُّ مِنْهُ بَيْتُ مَدَرٍ وَلَا وَبَرٍ، فَيَغْسِلُ الْأَرْضَ حَتَّى يَتْرُكَهَا كَالزَّلَفَةِ، ثُمَّ يُقَالُ لِلْأَرْضِ: أَنْبِتِي ثَمَرَتَكِ، وَرُدِّي بَرَكَتَكِ، فَيَوْمَئِذٍ تَأْكُلُ الْعِصَابَةُ مِنَ الرُّمَّانَةِ، وَيَسْتَظِلُّونَ بِقِحْفِهَا، وَيُبَارَكُ فِي الرِّسْلِ، حَتَّى أَنَّ اللِّقْحَةَ مِنَ الْإِبِلِ لَتَكْفِي الْفِئَامَ مِنَ النَّاسِ، وَاللِّقْحَةَ مِنَ الْبَقَرِ لَتَكْفِي الْقَبِيلَةَ مِنَ النَّاسِ، وَاللِّقْحَةَ مِنَ الْغَنَمِ لَتَكْفِي الْفَخِذَ مِنَ النَّاسِ، فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ بَعَثَ اللهُ رِيحًا طَيِّبَةً، فَتَأْخُذُهُمْ تَحْتَ آبَاطِهِمْ، فَتَقْبِضُ رُوحَ كُلِّ مُؤْمِنٍ وَكُلِّ مُسْلِمٍ، وَيَبْقَى شِرَارُ النَّاسِ، يَتَهَارَجُونَ فِيهَا تَهَارُجَ الْحُمُرِ، فَعَلَيْهِمْ تَقُومُ السَّاعَةُ»[14].
وقوله: (فخفَّض فيه ورفَّع)؛ أي: حقَّر فيه وعظَّم فتنتَه؛ فمن تحقيره وهوانه على الله تعالى عَوَرُه، وأنه لا يَقدِر على قتل أحد إلا ذلك الرجل، ثم يَعجِز عنه، وأنه يضمحلُّ أمره، ويُقتل بعد ذلك هو وأتباعه، ومن تعظيم فتنته، والمحنة به: هذه الأمورُ الخارقة للعادة، وأنه ما من نبيٍّ إلا وقد أنذره قومه. قوله: (قَطَط)؛ أي: شديد جعودة الشعر، مباعد للجعودة المحبوبة.
(اقدروا له قدره)، ذكر العلماء أن هذا حُكمٌ مخصوص بذلك اليوم، شَرَعه لنا صاحب الشرع. قالوا: ولولا هذا الحديثُ، ووُكِلنا إلى اجتهادنا، لاقتصرنا فيه على الصلوات الخمس عند الأوقات المعروفة في غيره من الأيام. ومعنى (اقدُروا له قَدْرَه): أنه إذا مضى بعد طلوع الفجر قدرُ ما يكون بينه وبين الظُّهر كلَّ يوم، فصلُّوا الظُّهر، ثم إذا مضى بعده قَدْرُ ما يكون بينها وبين العصر، فصلُّوا العصر، وإذا مضى بعد هذا قَدْرُ ما يكون بينها وبين المغرب، فصلُّوا المغرب، وكذا العشاءُ والصُّبح، ثم الظُّهر، ثم العصر، ثم المغرب، وهكذا حتى ينقضيَ ذلك اليوم، وقد وقع فيه صلواتُ سَنةٍ، فرائضُ كلُّها مُؤدَّاة في وقتها. أما الثاني الذي كشهر، والثالث الذي كجُمعة، فقياس اليوم الأول أن يقدَّر لهما كاليوم الأول على ما ذكرناه.
وعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: «إِنِّي قَدْ حَدَّثْتُكُمْ عَنِ الدَّجَّالِ حَتَّى خَشِيتُ أَنْ لَا تَعْقِلُوا، إِنَّ مَسِيحَ الدَّجَّالِ رَجُلٌ قَصِيرٌ، أَفْحَجُ، جَعْدٌ، أَعْوَرُ مَطْمُوسُ الْعَيْنِ، لَيْسَ بِنَاتِئَةٍ، وَلَا حَجْرَاءَ، فَإِنْ أُلْبِسَ عَلَيْكُمْ، فَاعْلَمُوا أَنَّ رَبَّكُمْ لَيْسَ بِأَعْوَرَ»[15].
والأفحج: المتباعد ما بين الفَخِذين، الذي إذا مشى باعَد بين رجليه. والحجراء: الغائرة.
وعَنْ حُذَيْفَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «الدَّجَّالُ أَعْوَرُ الْعَيْنِ الْيُسْرَى، جُفَالُ الشَّعَر، مَعَهُ جَنَّةٌ وَنَارٌ، فَنَارُهُ جَنَّةٌ، وَجَنَّتُهُ نَارٌ»[16]. وجُفَالُ الشَّعر؛ أي: كثيره.
هذا وإن أحاديث خروج الدجَّال حُجَّة لمذهب أهل الحقِّ في صحَّة وجوده، وأنه شخصٌ بعَينِه، ابتلى اللهُ تعالى به عبادَه، وأَقدَره على أشياءَ من مقدورات الله تعالى، من إحياء الميِّت الذي يَقتُله، وظهور زهرة الدنيا والخِصب معه، واتِّباع كنوز الأرض له، وأمر السماء أن تُمطِر فتُمطِر، والأرض أن تُنبِت فتُنبِت، فيقع كلُّ ذلك بقُدرة الله تعالى ومشيئته، ثم يُعجِزه الله تعالى بعد ذلك، فلا يَقدِر على قتل ذلك الرجل ولا غيرِه، ويَقتُله عيسى عليه السلام، ويثبِّت الله الذين آمنوا[17].
وإخبار النبيِّ ﷺ بالفتن والابتلاءات التي تقع في آخر الزمان؛ فيه توجيهٌ لأنْ يأخذَ المسلمُ حِذْرَه، ويُحصِّن نفْسه، ومَن هم تحتَ ولايته من شرِّ هذه الفتن – وأعظمُها فتنةُ الدجَّال - ما استطاع إلى ذلك سبيلًا؛ ففي آخِر الزَّمان تكون فِتنٌ كثيرةٌ - كما أخبر النَّبيُّ ﷺ - كقِطَع اللَّيل الـمُظلِم؛ «يُصبح الرَّجُل فيها مؤمنًا ويُمْسي كافرًا، حتَّى يَصير النَّاس إلى فُسْطاطين؛ فُسطاط إيمانٍ لا نِفاقَ فيه، وفُسطاط نفاقٍ لا إيمانَ فيه؛ فإذا كان ذاكم فانتظِروا الدَّجَّال من يومه، أو غَدِه»[18].
وحتى تنجوَ أمَّة الإسلام من هذه الفتنة العظيمة؛ أرشد النبيُّ ﷺ أمَّته لتنجوَ من هذه الفتنة العظيمة بأمور؛ منها: التمسُّك بالإسلام، وبالكتاب والسنَّة، والإيمان الصادق، والتعوُّذ من فتنة الدجَّال، وحفظ فواتح سورة الكهف، ونحو ذلك.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضى الله عنه، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الْقَاسِمِ رضى الله عنه يَقُولُ فِي صَلَاتِهِ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْقَبْرِ، وَمِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ، وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ، وَمِنْ حَرِّ جَهَنَّمَ»[19].
وكان النبيُّ ﷺ يقول: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، ومِنْ عَذَابِ النَّارِ، ومِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا والْمَمَاتِ، ومِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ»[20].
وكان ﷺ يدعو في كلِّ صلاةٍ: «اللهم إني أعوذُ بكَ من عذاب القبر، وأعوذُ بك مِن فِتنة المسيح الدَّجَّال، وأعوذُ بك مِن فتنة الْمَحْيا والممات، اللهم إني أعوذُ بك من المأثَم والْمَغْرَم»[21].
قال ابن بطال رحمه الله: "أصل الدَّجَل: الخَلْطُ، يُقال: دجَل إذا لبَّس وموَّه. و«الدجَّال»: فعَّال من أبنية المبالغة؛ أي: يَكثُر منه الكذب والتلبيس، وهو الذي يظهر في آخر الزمان، ويدَّعي الإلهية"[1].
قال القاضي عياض رحمه الله: "لكن يجمع بين الأحاديث، وتصحُّ الروايتان جميعًا بأن تكون المطموسَةُ والممسوحة، التي ليست بحجراءَ ولا ناتئة، هي العوراء الطافئة بالهمز، والعين اليُمنى على ما جاء هنا، وتكون الجاحظة والتي كأنها كوكبٌ، وكأنها نخاعة، هي الطافية بغير همز، العين الأخرى، فتجتمع الروايات والأحاديث ولا تختلف، وعلى هذا تجتمع رواية أعور العين اليمنى مع أعور العين اليسرى؛ إذ كلُّ واحدة منهما بالحقيقة عوراء؛ إذ الأعور من كلِّ شيء الْمَعيب، ولا سيَّما بما يختصُّ بالعين، وكلا عيني الدجَّال معيبة عوراء، فالممسوحة والمطموسة والطافئة بالهمز عوراء حقيقةً، والجاحظة التي كأنها كوكب وهى الطافية - بغير همز - معيبة عوراء لعيبها، فكلُّ واحدة منهما عوراء، إحداهما بذهابها، والأخرى بعيبها"[2].
قال ابن بطال رحمه الله: "هذه الأحاديث حُجَّة لمذهب أهل الحقِّ في صحَّة وجوده، وأنه شخصٌ بعَينه ابتلى اللهُ تعالى به عبادَه، وأَقدَره على أشياءَ من مقدورات الله تعالى، من إحياء الميِّت الذي يَقتُله، وظهور زهرة الدنيا والخِصب معه، وابتاع كنوز الأرض له، وأمر السماء أن تُمطِر فتُمطِر، والأرضَ أن تُنبِت فتُنبِت، فيقع كلُّ ذلك بقُدرة الله تعالى ومشيئته، ثم يُعجِزه الله تعالى بعد ذلك، فلا يَقدِر على قتل ذلك الرجل ولا غيرِه، ويَقتُله عيسى عليه السلام، ويثبِّت الله الذين آمنوا. وفتنتُه عظيمة جدًّا، تُدهِش العقول، وتحيِّر الألباب، مع سرعة مروره في الأرض، فلا يَمكُث بحيث يتأمَّل الضعفاء دلائلَ الحدوث والنقص، فيصدِّقه من يصدِّقه في هذه الحالة؛ ولهذا حذَّرت الأنبياءُ صلوات الله عليهم من فتنته، ونبَّهوا على نقصه ودلائل إبطاله. أما أهل التوفيق، فلا يغترُّون ولا ينخدعون بما فيه؛ لِما ذكرنا من الدلائل المكذِّبة له، مع ما سبق لهم من العلم بحاله"[3].
قال القسطلانيُّ رحمه الله: "قال في الفتح: والذي يترجَّح من مجموع الأخبار أن خروج الدجَّال أوَّلُ الآيات العظام المؤذِنة بتغيير الأحوال العامَّة في معظم الأرض، وينتهي ذلك بموت عيسى - عليه السلام - وأن طلوع الشمس من مغربها هو أوَّل الآيات العظام المؤذنة بتغيير أحوال العالم العُلويِّ، وينتهي ذلك بقيام الساعة. وفي مسلم من طريق أبي زُرْعةَ عند عبد الله بن عمرِو بن العاصي رَفَعه: «أوَّل الآيات طُلوعُ الشمس من مغربها، وخروجُ الدابَّة على الناس ضُحًى، فأيُّهما خَرَجت قبل الأخرى، فالأخرى منها قريب». قال الحاكم أبو عبد الله: الذي يَظهَر أن طلوع الشمس يَسبِق خروج الدابَّة ثم تَخرُج الدابَّة في ذلك اليوم، أو الذي يَقرُب منه. قال الحافظ ابن حجر: والحِكْمةُ في ذلك أن عند طلوع الشمس من مغربها يُغلَق باب التوبة، فتَخرُج الدابَّة تميِّز المؤمن من الكافر تكميلًا للمقصود من إغلاق باب التوبة، وأوَّل الآيات المؤذِنة بقيام الساعة النَّارُ تَحشُر الناس"[4].
قال النوويُّ رحمه الله: "الصحيحُ الذي عليه المحقِّقون أن هذه الكتابة على ظاهرها، وأنها كتابةٌ حقيقية، جعلها الله آيةً وعلامةً من جُملة العلامات القاطعة بكُفره وكَذِبه وإبطالِه، يُظهِرُها الله لكلِّ مسلم، كاتبٍ وغيرِ كاتب، ويُخفيها عمَّن أراد شَقاوتَه وفِتنتَه، ولا امتناع في ذلك"[5].
قال الملا علي القاري رحمه الله: "والمراد هذه الثلاث بأسرها
لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا ۗ
[الأنعام: 158]
طلوع الشمس من مغربها، والدجَّال، ودابَّة الأرض، وقدَّم الطلوع وإن كان متأخِّرًا في الوقوع؛ لأن مَدَار عدم قبول التوبة عليه، وإن ضُمَّ خروج غيره إليه"[6].
قال المناويُّ رحمه الله: "أمرهم أن يبادروا بالأعمال قبل نزول هذه الآيات؛ فإنها إذا نزلت أدهشت وأشغلت عن الأعمال؛ أو سُدَّ عليهم باب التوبة وقبول العمل. «طلوع الشمس من مغربها» فإنها إذا طلعت منه، لا ينفع نفسًا إيمانها لم تكن آمنت من قبلُ، «والدخان»؛ أي: ظهوره، «ودابة الأرض والدجال»؛ أي: خروجهما، سُمِّي به؛ لأنه خداع مُلبِس ويغطِّي الأرض بأتباعه من الدجل، وهو الخلط والتغطية، ومنه دِجْلةُ، نهر بغدادَ، منها غطَّت الأرض بمائها"[7].