عَنْ أَنَسٍ رضى الله عنه، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «مَا بُعِثَ نَبِيٌّ إِلَّا أَنْذَرَ أُمَّتَهُ الأعْوَرَ الكَذَّابَ، أَلا إِنَّهُ أَعْوَرُ، وَإِنَّ رَبَّكُمْ لَيْسَ بِأَعْوَرَ، وَإِنَّ بَيْنَ عَيْنَيْهِ مَكْتُوبٌ "كَافِرٌ"
عَنْ أَنَسٍ رضى الله عنه، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «مَا بُعِثَ نَبِيٌّ إِلَّا أَنْذَرَ أُمَّتَهُ الأعْوَرَ الكَذَّابَ، أَلا إِنَّهُ أَعْوَرُ، وَإِنَّ رَبَّكُمْ لَيْسَ بِأَعْوَرَ، وَإِنَّ بَيْنَ عَيْنَيْهِ مَكْتُوبٌ "كَافِرٌ"
فتنة الدجَّال لا مَثِيلَ لها؛ فهو أعظمُ فتنةٍ من خَلْقِ آدَمَ إلى قيام الساعة؛ فعَنْ هِشَامِ بْنِ عَامِرٍ الأَنْصَارِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ ﷺ يَقُولُ: «مَا بَيْنَ خَلْقِ آدَمَ إِلَى أَنْ تَقُومَ السَّاعَةُ فِتْنَةٌ أَكْبَرُ مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ»[1].
السبب في أن فتنة الدجَّال هي أعظم فتنة: أن الله تعالى يَخلُق معه من الخَوارِق العظيمة التي تَبهَر العقول، وتُحيِّر الألباب؛ فقد ورد في الأحاديث الصحيحة أن معه جنَّةً ونارًا، جنَّتُه نارٌ، ونارُه جنَّة، وأن معه أنهارَ الماء، وجبالَ الخبز، ويأمر السماء أن تُمطِر فتُمطِر، والأرضَ أن تُنبِت فتُنبِت، وتَتبَعه كنوز الأرض، ويقطع الأرض بسرعة كسرعة الغَيث استدبرته الريح، إلى غير ذلك من الخوارق.
أَرشَد النبيُّ ﷺ أمَّته إلى ما يَعصِمها من فتنة المسيح الدجَّال؛ فقد ترك أمَّته على الْمَحَجَّة البيضاء، ليلُها كنهارها، لا يَزِيغ عنها إلا هالك، وإن النبيَّ ﷺ لم يَدَع خيرًا إلَّا دلَّ أمَّته عليه، ولا شرًّا إلا حذَّرها منه.
كان كلُّ نبيٍّ يُنذِر أمَّتَه الدجَّالَ وفتنته، وقد زاد النبيُّ ﷺ من التحذير منه وذكر كثيرًا من صفاته؛ لأنه خارجٌ في أمَّته – التي هي آخِرُ الأمم - لا محالة، ولأن النبيَّ ﷺ خاتم النبيِّين.
الأحاديث في وصف الدجَّال متكاثرة، للتحذير من شرِّه، وتعريف الناس به، فإذا خرج في آخر الزمان، عَرَفه المؤمنون بصفاته التي أخبر بها النبيُّ ﷺ، فلم يُفتنوا به.
خروجُ الدجَّال هو من علامات الساعة الكبرى، وقد أرشد النبيُّ ﷺ المؤمنين أن يبادروا بالأعمال الصالحة قبل ظهور هذه الفتن؛ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضى الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «ثَلَاثٌ إِذَا خَرَجْنَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ، أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا: طُلُوعُ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا، وَالدَّجَّالُ، وَدَابَّةُ الْأَرْضِ»[2].
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضى الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ سِتًّا: الدَّجَّالَ، وَالدُّخَانَ، وَدَابَّةَ الْأَرْضِ، وَطُلُوعَ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا، وَأَمْرَ الْعَامَّةِ، وَخُوَيْصَةَ أَحَدِكُمْ»[3].
الذي يترجَّح من مجموع الأخبار أن خروج الدجَّال أوَّلُ الآيات العظام المؤذِنة بتغيير الأحوال العامَّة في معظم الأرض، وينتهي ذلك بموت عيسى - عليه السلام - وأن طلوع الشمس من مغربها هو أوَّل الآيات العظام المؤذِنة بتغيير أحوال العالم العُلويِّ، وينتهي ذلك بقيام الساعة[4].
ورد في الأحاديث الصحيحة اختلاف وصف عينيه بالعَوَر؛ ففي بعضها وصفُ عينه اليُمنى بالعَوَر، وفي بعضها وصف عينه اليُسرى بالعَور، وقد جمع بعض أهل العلم بين هذه الروايات، "وعلى هذا تجتمع رواية أعور العين اليُمنى مع أعور العين اليُسرى؛ إذ كلُّ واحدة منهما بالحقيقة عوراء؛ إذ الأعور من كلِّ شيء الْمَعيب، ولا سيَّما بما يختصُّ بالعين، وكلا عينَيِ الدجَّال معيبةٌ عوراءُ، فالممسوحة والمطموسة والطافئة بالهمز عوراء حقيقةً، والجاحظة التي كأنها كوكب وهى الطافية - بغير همز - معيبة عوراء لعَيبها، فكلُّ واحدة منهما عوراء، إحداهما بذهابها، والأخرى بعيبها"[5].
هناك إشكالٌ: أنه كيف مكتوب بين عينيه كافر، ويقرؤها المؤمن ولو كان أُمِّيًّا، ولا يقرؤها الكافر، ولو كان قارئًا؟ والجواب أن هذه الكتابة حقيقية على ظاهرها، ولا يُشكِل رؤيةُ بعض الناس لهذه الكتابة دون بعض، وقراءةُ الأمِّي لها؛ "وذلك أن الإدراك في البَصَر يَخلُقه الله للعبد كيف شاء، ومتى شاء، فهذا يراه المؤمن بعَين بَصَره، وإن كان لا يعرف الكتابة، ولا يراه الكافرُ، ولو كان يَعرِف الكتابةَ، كما يرى المؤمنُ الأدلَّة بعَين بصيرته، ولا يراها الكافرُ، فيَخلُق الله للمؤمن الإدراك دون تعلُّم؛ لأن ذلك الزمانَ تَنخرِق فيه العاداتُ في ذلك"[6].
الصحيحُ الذي عليه المحقِّقون أن كتابة "كافر" بين عينَيِ الدجَّال كتابةٌ حقيقية، جعلها الله آيةً وعلامةً من جُملة العلامات القاطعة بكُفره وكَذِبه وإبطالِه، يُظهِرُها الله لكلِّ مسلم، كاتبٍ وغيرِ كاتب، ويُخفيها عمَّن أراد شَقاوتَه وفِتنتَه، ولا امتناع في ذلك[7]؛ فإنّ الله على كلِّ شيء قدير؛ فهو قادرٌ على أن يُريَ هذه الكتابة بعض الناس دون بعض، وقادر على أن يجعل الأمِّيَّ يقرؤها.
من أوصاف الدجَّال: عن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - قال: لا وَاللَّهِ، مَا قَالَ النَّبِيُّ ﷺ لِعِيسَى أَحْمَرُ؛ وَلَكِنْ قَالَ: «بَيْنَمَا أَنَا نَائِمٌ أَطُوفُ بِالكَعْبَةِ، فَإِذَا رَجُلٌ آدَمُ، سَبْطُ الشَّعَرِ، يُهَادَى بَيْنَ رَجُلَيْنِ، يَنْطِفُ رَأْسُهُ مَاءً، أَوْ يُهَرَاقُ رَأْسُهُ مَاءً، فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالُوا: ابْنُ مَرْيَمَ، فَذَهَبْتُ أَلْتَفِتُ، فَإِذَا رَجُلٌ أَحْمَرُ جَسِيمٌ، جَعْدُ الرَّأْسِ، أَعْوَرُ عَيْنِهِ اليُمْنَى، كَأَنَّ عَيْنَهُ عِنَبَةٌ طَافِيَةٌ، قُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالُوا: هَذَا الدَّجَّالُ، وَأَقْرَبُ النَّاسِ بِهِ، شَبَهًا ابْنُ قَطَنٍ». قَالَ الزُّهْرِيُّ: رَجُلٌ مِنْ خُزَاعَةَ، هَلَكَ فِي الجَاهِلِيَّةِ[8].
من أوصاف الدجال ما قاله النبيُّ ﷺ: «إِنَّهُ شَابٌّ قَطَطٌ، عَيْنُهُ طَافِئَةٌ، كَأَنِّي أُشَبِّهُهُ بِعَبْدِ الْعُزَّى بْنِ قَطَنٍ، فَمَنْ أَدْرَكَهُ مِنْكُمْ، فَلْيَقْرَأْ عَلَيْهِ فَوَاتِحَ سُورَةِ الْكَهْفِ، إِنَّهُ خَارِجٌ خَلَّةً بَيْنَ الشَّأْمِ وَالْعِرَاقِ، فَعَاثَ يَمِينًا وَعَاثَ شِمَالًا، يَا عِبَادَ اللهِ فَاثْبُتُوا»[9]. (قَطَط)؛ أي: شديد جعودة الشعر، مباعد للجعودة المحبوبة.
من أوصاف الدجَّال في حديث النوَّاس: قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَمَا إِسْرَاعُهُ فِي الْأَرْضِ؟ قَالَ: «كَالْغَيْثِ اسْتَدْبَرَتْهُ الرِّيحُ، فَيَأْتِي عَلَى الْقَوْمِ فَيَدْعُوهُمْ، فَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَجِيبُونَ لَهُ، فَيَأْمُرُ السَّمَاءَ فَتُمْطِرُ، وَالْأَرْضَ فَتُنْبِتُ، فَتَرُوحُ عَلَيْهِمْ سَارِحَتُهُمْ، أَطْوَلَ مَا كَانَتْ ذُرًا، وَأَسْبَغَهُ ضُرُوعًا، وَأَمَدَّهُ خَوَاصِرَ، ثُمَّ يَأْتِي الْقَوْمَ، فَيَدْعُوهُمْ فَيَرُدُّونَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ، فَيَنْصَرِفُ عَنْهُمْ، فَيُصْبِحُونَ مُمْحِلِينَ، لَيْسَ بِأَيْدِيهِمْ شَيْءٌ مِنْ أَمْوَالِهِمْ، وَيَمُرُّ بِالْخَرِبَةِ، فَيَقُولُ لَهَا: أَخْرِجِي كُنُوزَكِ، فَتَتْبَعُهُ كُنُوزُهَا كَيَعَاسِيبِ النَّحْلِ»[10].
أتى في حديث النواس كيف يقتل سيدنا عيسى عليه السلام الدجَّال: «ثُمَّ يَدْعُو رَجُلًا مُمْتَلِئًا شَبَابًا، فَيَضْرِبُهُ بِالسَّيْفِ فَيَقْطَعُهُ جَزْلَتَيْنِ رَمْيَةَ الْغَرَضِ، ثُمَّ يَدْعُوهُ فَيُقْبِلُ وَيَتَهَلَّلُ وَجْهُهُ، يَضْحَكُ، فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ بَعَثَ اللهُ الْمَسِيحَ بْنَ مَرْيَمَ، فَيَنْزِلُ عِنْدَ الْمَنَارَةِ الْبَيْضَاءِ شَرْقِيَّ دِمَشْقَ، بَيْنَ مَهْرُودَتَيْنِ، وَاضِعًا كَفَّيْهِ عَلَى أَجْنِحَةِ مَلَكَيْنِ، إِذَا طَأْطَأَ رَأْسَهُ قَطَرَ، وَإِذَا رَفَعَهُ تَحَدَّرَ مِنْهُ جُمَانٌ كَاللُّؤْلُؤِ، فَلَا يَحِلُّ لِكَافِرٍ يَجِدُ رِيحَ نَفَسِهِ إِلَّا مَاتَ، وَنَفَسُهُ يَنْتَهِي حَيْثُ يَنْتَهِي طَرْفُهُ، فَيَطْلُبُهُ حَتَّى يُدْرِكَهُ بِبَابِ لُدٍّ، فَيَقْتُلُهُ»[11].
من أوصاف الدجَّال: عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: «إِنِّي قَدْ حَدَّثْتُكُمْ عَنِ الدَّجَّالِ حَتَّى خَشِيتُ أَنْ لَا تَعْقِلُوا، إِنَّ مَسِيحَ الدَّجَّالِ رَجُلٌ قَصِيرٌ، أَفْحَجُ، جَعْدٌ، أَعْوَرُ مَطْمُوسُ الْعَيْنِ، لَيْسَ بِنَاتِئَةٍ، وَلَا حَجْرَاءَ، فَإِنْ أُلْبِسَ عَلَيْكُمْ، فَاعْلَمُوا أَنَّ رَبَّكُمْ لَيْسَ بِأَعْوَرَ»[12]. والأفحج: المتباعد ما بين الفَخِذين، الذي إذا مشى باعَد بين رجليه. والحجراء: الغائرة.
عَنْ حُذَيْفَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «الدَّجَّالُ أَعْوَرُ الْعَيْنِ الْيُسْرَى، جُفَالُ الشَّعَر، مَعَهُ جَنَّةٌ وَنَارٌ، فَنَارُهُ جَنَّةٌ، وَجَنَّتُهُ نَارٌ»[13]. وجُفَالُ الشَّعر؛ أي: كثيره.
في آخِر الزَّمان تكون فِتنٌ كثيرةٌ - كما أخبر النَّبيُّ ﷺ - كقِطَع اللَّيل الـمُظلِم؛ «يُصبح الرَّجُل فيها مؤمنًا ويُمْسي كافرًا، حتَّى يَصير النَّاس إلى فُسْطاطين؛ فُسطاط إيمانٍ لا نِفاقَ فيه، وفُسطاط نفاقٍ لا إيمانَ فيه؛ فإذا كان ذاكم فانتظِروا الدَّجَّال من يومه، أو غَدِه»[14].
19. أحاديث خروج الدجَّال حُجَّة لمذهب أهل الحقِّ في صحَّة وجوده، وأنه شخصٌ بعَينِه، ابتلى اللهُ تعالى به عبادَه، وأَقدَره على أشياءَ من مقدورات الله تعالى، من إحياء الميِّت الذي يَقتُله، وظهور زهرة الدنيا والخِصب معه، واتِّباع كنوز الأرض له، وأمر السماء أن تُمطِر فتُمطِر، والأرض أن تُنبِت فتُنبِت، فيقع كلُّ ذلك بقُدرة الله تعالى ومشيئته، ثم يُعجِزه الله تعالى بعد ذلك، فلا يَقدِر على قتل ذلك الرجل ولا غيرِه، ويَقتُله عيسى عليه السلام، ويثبِّت الله الذين آمنوا[1].
الفوائد الفقهية20. مدَّة لَبْثِ الدجَّال في الأرض ورد في حديث النوَّاس: قُلْنَا: يَا رَسُولَ الله،ِ وَمَا لَبْثُهُ فِي الْأَرْضِ؟ قَالَ: «أَرْبَعُونَ يَوْمًا، يَوْمٌ كَسَنَةٍ، وَيَوْمٌ كَشَهْرٍ، وَيَوْمٌ كَجُمُعَةٍ، وَسَائِرُ أَيَّامِهِ كَأَيَّامِكُمْ»، قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ، فَذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَسَنَةٍ، أَتَكْفِينَا فِيهِ صَلَاةُ يَوْمٍ؟ قَالَ: «لَا، اقْدُرُوا لَهُ قَدْرَهُ»[1].
21. قوله: «اقْدُرُوا لَهُ قَدْرَهُ»: ذكر العلماء أن هذا حُكمٌ مخصوص بذلك اليوم، شَرَعه لنا صاحب الشرع. قالوا: ولولا هذا الحديثُ، ووُكِلنا إلى اجتهادنا، لاقتصرنا فيه على الصلوات الخمس عند الأوقات المعروفة في غيره من الأيام. ومعنى «اقْدُرُوا لَهُ قَدْرَهُ»: أنه إذا مضى بعد طلوع الفجر قدرُ ما يكون بينه وبين الظُّهر كلَّ يوم، فصلُّوا الظُّهر، ثم إذا مضى بعده قَدْرُ ما يكون بينها وبين العصر، فصلُّوا العصر، وإذا مضى بعد هذا قَدْرُ ما يكون بينها وبين المغرب، فصلُّوا المغرب، وكذا العشاءُ والصُّبح، ثم الظُّهر، ثم العصر، ثم المغرب، وهكذا حتى ينقضيَ ذلك اليوم، وقد وقع فيه صلواتُ سَنةٍ، فرائضُ كلُّها مُؤدَّاة في وقتها. أما الثاني الذي كشهر، والثالث الذي كجُمعة، فقياس اليوم الأول أن يقدَّر لهما كاليوم الأول على ما ذكرناه.
22. أصل الدَّجَل: الخَلْطُ، يُقال: دجَل إذا لبَّس وموَّه. والدجَّال: فعَّال من أبنية المبالغة؛ أي: يَكثُر منه الكذب والتلبيس، وهو الذي يَظهَر في آخر الزمان، ويدَّعي الإلهية، وسُمِّي به؛ لأنه خدَّاع مُلبِس، ويغطِّي الأرض بأتباعه من الدَّجَل، وهو الخلط والتغطية[1].
23. معنى المسيح: ذكر أبو عبد الله القرطبيُّ ثلاثةً وعشرين قولاً في اشتقاق هذا اللفظ[2]، وذكر الفيروز آبادي خمسين قولاً؛ قال: "ومنه: الْمَسيحُ بنُ مريَمَ، وذَكَرْتُ في اشْتقاقِه خمسينَ قَوْلاً في شَرْحِي لِصَحيح البُخاريِّ وغيرِهِ"[3].
24. يُطلَق المسيحُ على الصِّدِّيق، وعلى الضِّلِّيل الكذَّاب؛ فالمسيحُ عيسى بنُ مريمَ - عليه السلام – الصِّدِّيق، والْمَسِيح الدجَّال الضِّلِّيل الكذَّاب؛ فخَلَق الله الْمَسِيحينِ، أحدُهما ضِدُّ الآخر؛ فعيسى - عليه السلام - مَسِيح الهُدى، يُبْرِئ الأَكْمَهَ والأَبرَص، ويُحيي الموتى بإذن الله، والدجَّال – لعنه الله – مَسِيح الضلالة، يَفتِن الناس بما يُعطاه من الآيات؛ كإنزال المطر، وإحياء الأرض بالنبات، وغيرهما من الخوارق.
25. سُمِّي الدجَّال مَسِيحًا، قيل: لأن إحدى عَيْنَيه ممسوحة، أو لأنه يَمسَح الأرض في أربعين يومًا، والقول الأول هو الراجح؛ لما جاء في الحديث: «الدَّجَّالُ مَمْسُوحُ الْعَيْنِ، مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ كَافِرٌ، ثُمَّ تَهَجَّاهَا (ك ف ر) يَقْرَؤُهُ كُلُّ مُسْلِمٍ»[4].