عَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّةِ. وَإِنَّمَا لِامْرِئٍ مَا نَوَى. فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللهِ وَرَسُولِـهِ، فَهِجْرَتُهُ إِلَى اللهِ وَرَسُولِـهِ. وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ لِدُنْيَا يُصِيبُهَا، أَوِ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا، فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ» متفق عليه.

فوائد الحديث

الفوائد العلمية

1. هذا الحديثُ من أَجمَع الكَلِم الجوامع الّتي بُعث بها ﷺ؛ فإنَّ كلَّ عمل يعمله عامل من خير وشرٍّ هو بحسَبِ ما نواه، فإن قَصَد بعمله مقصودًا حسنًا، كان له ذلك المقصود الحسَنُ، وإن قصد به مقصودًا سيِّئًا، كان له ما نَوَاه[1].
2. قال الإمام أحمدُ والشافعيُّ رحمهما الله: يدخل في حديث (الأعمال بالنيات) ثُلث العلم؛ وسببُ ذلك أن كسب العبد يكون بقلبه ولسانه وجوارحه، والنيَّةُ أحد الأقسام الثلاثة[2]).
3. رُوي عن الشافعيِّ $ أنه قال: يَدخُل هذا الحديثُ في سبعين بابًا من الفقه. وقال جماعة من العلماء: هذا الحديث ثُلث الإسلام[3].
4. أصولُ الإسلام ثلاثةُ أحاديثَ: حديثُ: «الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ»، وحديثُ: «مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا مَا لَيْسَ مِنْهُ، فَهُوَ رَدٌّ،»، وحديثُ: «الْحَلَالُ بَيِّنٌ وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ»[4].
5. استحبَّ العلماء أن تُستفتَح المصنَّفات بهذا الحديث، وممن ابتدأ به في أوَّل كتابه: الإمام أبو عبد الله البخاريُّ. وقال عبد الرحمن بن مهديٍّ: ينبغي لكلِّ من صنَّف كتابًا أن يبتدئ فيه بهذا الحديث؛ تنبيهًا للطالب على تصحيح النيَّة[5].
6. في الحديث بيانُ أن الأعمال وثوابها وفضلَها يتوقَّف على نيَّة صالحة وإرادة صادقة.
7. المراد بالأعمال في الحديث أعمالُ الجوارح كلُّها، وتَدخُل في ذلك الأقوال؛ فإنها من عَمَل اللسان، وهو من الجوارح.
8. في الحديث بيان أن الأعمال مرتبطةٌ ارتباطًا وثيقًا بالنيَّات، فلا يغترَّ إنسانٌ بحُسن علانيَته مع سوء سَريرته؛ فإنما يُثاب الإنسان بنيَّته.
9. يتناول العلماء النيَّةَ بمعنيين؛ أحدهما: تمييز العبادات بعضِها عن بعض؛ كتمييز الصلواتِ: الفجر من الظُّهر من العصـر وهكذا، أو تمييز العبادات من العادات؛ كتمييز الغُسل الواجب من غُسل التنظُّف، ونحو ذلك. والثاني: تمييز المقصود بالعمل، هل هو اللهُ وحدَه لا شريكَ له، أم غير الله، أم اللهُ وغيره؟[6].
10. يشير الحديث إلى أنه ربما كانت نيَّةُ الْمَرْءِ خيرًا من عَمَله

ويَشهَد لذلك حديث النبيِّ ﷺ:

«مَثَلُ هَذِهِ الْأُمَّةِ، كَمَثَلِ أَرْبَعَةِ نَفَرٍ: رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا وَعِلْمًا، فَهُوَ يَعْمَلُ بِعِلْمِهِ فِي مَالِهِ، يُنْفِقُهُ فِي حَقِّهِ، وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ عِلْمًا، وَلَمْ يُؤْتِهِ مَالًا، فَهُوَ يَقُولُ: لَوْ كَانَ لِي مِثْلُ هَذَا عَمِلْتُ فِيهِ مِثْلَ الَّذِي يَعْمَلُ »، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «فَهُمَا فِي الْأَجْرِ سَوَاءٌ.....»[7]

. فهذا رجلٌ لم يَبذُل جهدًا أو يقدِّم عملًا، أثابه الله عزَّ وجلَّ بنيَّته، ورفع أجره إلى مرتبة العاملين المنفِقين.
11. في الحديث أن الأمر المعوَّل عليه في الأعمال كلِّها هو النيَّة،

ويشهد لذلك قول النبيِّ ﷺ:

«إِنَّ اللهَ لَا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ؛ وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ»[8]

فالله تعالى إنما يَنظُر إلى القلوب؛ لأنها مَظِنَّة النيَّة.
12. تعريف الهجرة إلى الله شـرعًا: هي ترك ما نهى الله عنه[9].
13. للهجرة معنيان؛ أحدهما: الانتقال من دار الخوف إلى دار الأمن؛ (كالهجرة إلى الحبشة، والهجرة من مكَّةَ إلى المدينة)، والثاني: الهجرةُ من دار الكفر إلى دار الإيمان؛ (كالهجرة إلى المدينة بعد استقرار النبيِّ ﷺ بها، حيث كانت الهجرة إذ ذاك تختصُّ بالانتقال إلى المدينة، إلى أن فُتحت مكةُ، فانقطع الاختصاص، وبقيَ عموم الانتقال من دار الكفر لمن قَدَر عليه باقيًا[10].
14. في الحديث إشارة إلى أنه لو صَلَحت نيَّة المرء، أعانه الله تعالى على عمله، حتى وإن لم يتيسَّـر له أسبابه.
15. في قَوْله: «وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى» إخبارٌ أنّه لا يَحصُل له من عمله إلّا ما نواه به، فإن نوى خيرًا حصل له خيرٌ، وإن نوى به شرًّا حصل له شرٌّ [11].
16. قوله: «وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى»: ليس هذا تكريرًا محضًا للجملة الأولى؛ فإنَّ الجملة الأولى دلَّت على أنّ صلاح العمل وفساده بحسب النّيَّة الْمُقتَضِية لإيجاده، والجملة الثّانية دلَّت على أنّ ثواب العامل على عمله بحسب نيَّته الصّالحة، وأنّ عقابه عليه بحسب نيَّته الفاسدة، وقد تكون نيَّته مباحةً، فيكون العمل مباحًا، فلا يحصل له ثواب ولا عقاب[12].
17. في الحديث إشارة إلى أن الْعَمَلَ في نفسه، صلاحَه وفسادَه وإباحتَه، بحسَبِ النِّيَّةِ الحاملةِ عليه، الْمُقْتَضِيَةِ لوجوده، وأن ثواب العامل وَعِقَابَهُ وَسَلَامَتَهُ بِحَسَبِ النِّيَّةِ التي بها صار الْعَمَلُ صالِحًا، أو فاسدًا، أو مُباحًا[13].
18. في قَوله ﷺ: «فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَهِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ» إشارة إلى أن مَنْ هاجَرَ إلى دار الإسلامِ حُبًّا لِلَّه ورسوله، وَرَغْبَةً في تَعَلُّمِ دِينِ الإسلام، وإظهارِ دِينِه حيث كان يَعْجِزُ عنه في دار الشِّرْكِ، فهذا هو الْمُهَاجِرُ إلى اللَّهِ ورسوله حَقًّا[14].
19. فِي قَوْلِهِ: «إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ» تَحْقِيرٌ لِمَا طَلَبَه من أَمْرِ الدنيا، واستهانَةٌ به، حيث لم يُذْكَرْ بلفظه[15].
20. الهجرةُ لأمور الدّنيا لا تنحصر؛ فقد يهاجِر الإنسان لطلب دنيا مباحةٍ تارةً، ومحرَّمة تارةً، وأنواع ما يُقصَد بالهجرة من أمور الدّنيا لا تنحصر؛ فلذلك قال: «فهجرته إلى ما هاجر إليه» يعني كائنًا ما كان[16].

المراجع

  1. "مجموع الفتاوى" (18/ 254).
  2. "شرح الأربعين النووية" لابن دقيق العيد (ص: 24).
  3. "شرح الأربعين النووية" لابن دقيق العيد (ص: 25).
  4. "جامع العلوم والحكم" لابن رجب (1/ 71).
  5. "شرح الأربعين النووية" لابن دقيق العيد (ص: 24، 25).
  6. "جامع العلوم والحكم" لابن رجب (1/66).
  7. رواه أحمد (18024)، وابن ماجه (4228)، وصححه الألبانيُّ في "صحيح الترغيب والترهيب" (16).
  8. رواه مسلم (2564).
  9. "فتح الباري" لابن حجر (1/16).
  10. "فتح الباري" لابن حجر (1/16).
  11. "جامع العلوم والحكم" لابن رجب (1/ 65).
  12. "جامع العلوم والحكم" لابن رجب (1/ 65).
  13. "جامع العلوم والحكم" لابن رجب (1/ 65).
  14. "جامع العلوم والحكم" لابن رجب (1/ 73).
  15. "جامع العلوم والحكم" لابن رجب (1/ 73).
  16. "جامع العلوم والحكم" لابن رجب (1/ 73).


الفوائد العقدية

21. في الحديث الردُّ على من زعم من المرجئة أن الإيمان قول باللسان دون عقد بالقلب[1].
22. في الحديث أن مَدَار الأعمال كلِّها على النيَّة والإخلاص لله تعالى، وملازمةِ الإخلاص في الأعمال كلِّها الظاهرة والباطنة.
23. في الحديث الحذر من الرياء والسُّمعة والعمل لغير الله عزَّ وجلَّ؛ فإن الله عزَّ وجلَّ غنيٌّ عن الأعمال التي يُشرَك فيها معه غيرُه

قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ:

«قَالَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ، مَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِي، تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ»[2].


24. قوله: «إنما الأعمال بالنيات» يرجع إلى معنيين؛ أحدهما: تجريد العمل من الشرك بالله بخالص التوحيد، والآخر: تجريده بخالص السنَّة[3].

المراجع

  1. "شرح صحيح البخاريِّ" لابن بطَّال (1/ 120).
  2. رواه مسلم (2985).
  3. "إكمال المعلم بفوائد مسلم" للقاضي عياض (6/ 332).


الفوائد التربوية

25. اعلم أن أمر النيَّة عظيم وخطير؛ فإنها تحتاج إلى مِران وتعلُّم؛ ولهذا رُوي عن السَّلف أنهم كانوا لا يعملون ولا يقولون حتى تتقدَّم النيَّة وتصحُّ[1].
26. في الحديث إشارة إلى أن الواجب على المؤمن أن يدرِّب نفسه على تصحيح النيَّة في أعماله، وأن يَصبِر على المشاقِّ التي تواجهه في سبيل تحصيل ذلك، وقد كان السلف الصالح رضوان الله عليهم يتعهَّدون قلوبهم حتى يُخلصوا نيَّاتِهم؛ "كانوا يتعلَّمون النيَّة للعمل كما تتعلَّمون العمل"[2].

المراجع

  1. "صيد الخاطر" لابن الجوزيِّ (481).
  2. "إحياء علوم الدين" لأبي حامد الغزاليِّ (4/364).


الفوائد الفقهية

27. اختُلف في تقدير قوله: «الأعمال بالنّيّات»، فكثير من المتأخّرين يزعم أنّ تقديره: الأعمالُ صحيحةٌ أو معتبَرة ومقبولة بالنّيَّات، وعلى هذا؛ فالأعمال إنّما أريد بها الأعمال الشّرعيّةُ المفتقِرة إلى النّيّة، فأمّا ما لا يَفتقِر إلى النّيّة؛ كالعادات من الأكل والشُّرب، واللُّبس وغيرها، أو مثل ردِّ الأمانات والمضمونات؛ كالودائع والغصوب، فلا يحتاج شيء من ذلك إلى نيَّة، فيُخصُّ هذا كلُّه من عموم الأعمال المذكورة هاهنا[1].
28. قيل: إن الأعمالَ في الحديث على عمومها، لا يُخصُّ منها شيء. وحكاه بعضهم عن الجمهور، قال أحمدُ: أُحِبُّ لكلِّ مَن عَمِل عملًا من صلاة، أو صيام، أو صدقة، أو نوع من أنواع البرِّ أن تكون النّيّةُ متقدِّمةً في ذلك قبل الفعل[2].
29. قيل: تقدير الكلام: الأعمال واقعةٌ أو حاصلة بالنّيّات، فيكون إخبارًا عن الأعمال الاختياريّة أنّها لا تقع إلَّا عن قصد من العامل هو سببُ عملها ووجودها، ويكون قوله بعد ذلك: «وإنّما لكلّ امرئ ما نوى» إخبارًا عن حُكم الشّرع، وهو أنّ حظَّ العامل من عمله نيَّته، فإن كانت صالحةً، فعملُه صالح، فله أجره، وإن كانت فاسدةً، فعملُه فاسد، فعليه وِزْرُه[3].
30. النّيَّةُ مَحَلُّها القلب باتِّفاق العلماء؛ فإن نوى بقلبه ولم يتكلَّم بلسانه، أجزأته النّيّة باتّفاقهم[4].

المراجع

  1. "جامع العلوم والحكم" لابن رجب (1/ 63، 64).
  2. "جامع العلوم والحكم" لابن رجب (1/ 64).
  3. "جامع العلوم والحكم" لابن رجب (1/ 64).
  4. "مجموع الفتاوى" (18/ 262).
الفوائد الحديثية

31. هذا حديث مشهور بالنسبة إلى آخره، غريبٌ بالنسبة إلى أوَّله؛ لأنه لم يَرْوِه عن النبيِّ ﷺ إلا عمرُ بنُ الخطَّاب، ولم يَرْوِه عن عمرَ إلا علقمةُ بنُ أبي وقَّاص، ولم يَروِه عن علقمةَ إلا محمدُ بنُ إبراهيمَ التيميُّ، ولم يَروِه عن محمدِ بنِ إبراهيمَ إلا يحيى بنُ سعيدٍ الأنصاريُّ، ثم اشتَهَر بعد ذلك، فرواه عنه أكثرُ من مِائتَيْ إنسان، أكثرُهم أئمَّةٌ[1].
32. هذا حديث صحيح متَّفَقٌ على صحَّته، تلقَّته الأمَّة بالقَبول والتَّصديق مع أنّه من غرائب الصَّحيح؛ فإنّه وإن كان قد رُوِي عن النّبيِّ ﷺ من طرق متعدِّدة كما جمعها ابن منده وغيرُه من الحفَّاظ، فأهل الحديث متَّفقون على أنّه لا يصحُّ منها إلّا من طريق عمرَ بنِ الخطَّاب هذه المذكورةِ، ولم يَرْوه عنه إلَّا علقمةُ بنُ وقَّاص الليثيُّ، ولا عن علقمةَ إلّا محمّدُ بنُ إبراهيمَ، ولا عن محمّدٍ إلّا يحيى بنُ سعيدٍ الأنصاريُّ قاضي المدينة، ورواه عن يحيى بنِ سعيد أئمَّة الإسلام[2].
33. يُقال: إنَّه روى هذا الحديث عن يحيى بنِ سعيدٍ نحوٌ من مِائتَيْ عالم مثلِ مالك، والثّوريِّ، وابن عُيَيْنةَ، وحمَّاد، وعبد الوهَّاب الثَّقَفيِّ، وأبي خالدٍ الأحمر، وزائدةَ، ويحيى بنِ سعيدٍ القطَّان، ويزيدَ بنِ هارونَ، وغيرُ هؤلاء خَلْقٌ من أهل مكَّةَ والمدينة والكوفة والبصرة والشّام وغيرها من شيوخ الشّافعيِّ وأحمدَ وإسحاقَ وطبقتهم، ويحيى بنِ مَعين، وعليِّ بنِ المدينيِّ، وأبي عُبيد[3].

المراجع

  1. "شرح الأربعين النووية" لابن دقيق العيد (ص: 25).
  2. "مجموع الفتاوى" (18/ 247).
  3. "مجموع الفتاوى" (18/ 247، 248).


الفوائد اللغوية

34. لفظةُ "إنما" للحصر، تُثبِت المذكورَ، وتنفي ما عداه، وهي تارةً تقتضي الحصرَ المطلَق، وتارة تقتضي حصرًا مخصوصًا، ويُفهم ذلك بالقرائن

كقوله تعالى:

{إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ}

[الرعد: ٧]

فظاهره الحصرُ في النِّذارة، والرسول لا يَنحصِر في ذلك؛ بل له أوصافٌ كثيرة جميلة؛ كالبِشارة وغيرها

وكذلك قوله تعالى:

{إِنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ}

[محمد: ٣٦]

فظاهرُه الحصرُ، باعتبار مَن آثَرَها، وأما بالنسبة إلى ما في نفس الأمر، فقد تكون سببًا إلى الخيرات، ويكون ذلك من باب التغليب، فإذا وردت هذه اللفظة، فاعتبرها، فإن دلَّ السياق والمقصودُ من الكلام على الحصر في شيءٍ مخصوص، فقل به، وإلا فاحمل الحصر على الإطلاق، ومن هذا قوله ﷺ: «إنما الأعمال بالنيات»، والمراد بالأعمال: الأعمالُ الشرعية[1].
35. قوله: «فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله»: المتقرِّر عند أهل العربية: أن الشرط والجزاء، والمبتدأ والخبر لا بدَّ أن يتغايرا، وههنا قد وقع الاتِّحاد، وجوابُه: «فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله» نيَّةً وقصدًا، «فهجرتُه إلى الله ورسوله» حُكمًا وشرعًا[2].
36. لفظ (النّيَّة) يُراد بها النّوع من المصدر، ويُراد بها الْمَنْويُّ (اسم المفعول)، واستعمالها في هذا لعلَّه أغلب في كلام العرب، فيكون المراد: إنّما الأعمال بحسب ما نواه العامل؛ أي: بحسب منويِّه؛ ولهذا قال في تمامه: «فمن كانت هجرته إلى اللّه ورسوله، فهجرته إلى اللّه ورسوله»، فذكر ما ينويه العامل ويُريده بعمله، وهو الغاية المطلوبة له؛ فإنّ كلَّ متحرِّك بالإرادة لا بدَّ له من مراد[3].

المراجع

  1. "شرح الأربعين النووية" لابن دقيق العيد (ص: 25، 26).
  2. "شرح الأربعين النووية" لابن دقيق العيد (ص: 26).
  3. "مجموع الفتاوى" (18/ 255).


مشاريع الأحاديث الكلية